يعرف المجتمع بأنه: مجموعة من الناس، يرتبطون معاً بالعادات، والتقاليد والأعراف ، والأحكام الأخلاقيّة، ويحترمون بعضهم البعض، ويشكّلون في الحي، أو القرية، أو المدينة التي يعيشون فيها جزءاً من أجزاء الحياة الاجتماعيّة, ضمن رقعة جغرافية معينة تسمى الوطن, أفراد وجماعات وقوميات واديان مختلفة ,يجتمعون تحت عنوان عام يضمهم بين ثناياه دون تمييز ثقافي أو عرقي أو عقائدي , تحكمهم مجموعة من القوانين والأنظمة الوضعية والتكليفية العقائدية تحت سقف واحد.
لقد أصبحت العلوم المجتمعية في الاوانة الاخيرة مادة دسمة, تهافت عليها الكثير من الكتاب والمفكرين والباحثين والفلاسفة ,لما لها من أهمية وضرورة في بناء الفرد والمجتمع, والتي تنعكس بطبيعة الحال على الحكومات على حدٍ سواء , في ضل الانفتاح والتعدد الثقافي ونظريات الحداثة, كالرأسمالية والعلمانية وغيرها.
إن الهيكلية التي تقوم عليها الدول والاوطان , تتشكل من ثلاثة قوائم او اضلاع , اولها ضلع القاعدة , والذي يمثل الاساس في بناء مثلث هيكلية الدولة (الوطن) , وضلعين اخرين يلتقيان عنده نقطة واحدة, ليكون بذلك مثلثا كامل الاضلاعِ , الوطن, والمجتمع(الشعب), والحكومة , ثلاثية لابد من وجودها معاً ,لتكتمل الصورة وينطبق اللفظ على المعنى .
دائما ما نسمع نداءات وصرخات الشعوب وهي تضج بالعويل مما وقع عليها من الظلم و الحيف من الحكومات والحكام , ولم نسمع قط حكومتة تعاني من ظلم الشعب لها ,بل اننا لانستطيع حتى إن نتصور في مخيلتنا إن من الممكن إن تكون هنالك حكومة تعاني من ظلم الشعوب وتمردها على القوانين والانظمة !
معادلة صعبة وعقيمة , تحتاج إلى تامل وتمحيص وتدقيق ,سنحاول فك طلاسمها , وخوض غمارها بقدرما استطعنا لذلك سبيلا , من خلال يومياتنا و واقعنا الملموس , نحن لا نريد إن نبرر الظلم او نؤسس لقاعدة تنفيه عن طرف وتلصقه بطرف أخر , او نرمي الكرة بملعب المجتمع دون غيرة , بقدر ما نريد إن نشخص المشكلة كما هي بواقعية وتجرد .
يقول احد المفكرين ” أن العمل الصعب هو تغيير الشعوب، أما تغيير الحكومات فإنه يقع تلقائياً عندما تريد الشعوب ذلك, فان تغيير النفوس أصعب بمرات من تغيير الرؤوس ”
كما انه من غير يمكن إن تختصر إرادة شعوب في تغيير الحكام، أو القول بأن الشعوب ستتغير لما هو أحسن لأنها غيرت حكامها، لأن قضية التغيير أصلاً ترتبط بوعي الشعوب، وهذا يقوده مجموعة من النخب المثقفة, لما لها من دور مهم في عملية البناء والتوجيه , فحينما تغيب النخب، سواء كانت سياسية أو ثقافية أو اقتصادية او دينية ، فمن الطبيعي إن يحصل انهيار في المنظومة القيمية للمجتمع , والتي ستفضي إلى نتائج سلبية, تنعكس على المجتمع بعمق على سلوكه وارادته, إذن المسألة ليست مسألة تغيير حكام، انما المشكلة بالأساس , مشكلة الشعوب والمجتمعات و وعي الشعوب, وهذا الوعي معدوم، لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم هم, او انها تكاملية وليست منفردة, بعتبار إن اصل الحكام هم من افراد المجتمع ذاته, فلمجتمعات الفاسدة تنتج أنظمة جديدة فاسدة, بدليل أن الذين وصلوا إلى السلطة هم أشد بأساً وأشد تنكيلاً في الفساد من الناس, فتغيير النفوس أهم بكثير من تغيير الرؤوس,وان الإصلاح يبدأ من الأساس والجذور, نعم الجذور , فإذا فسدة , فسد معها الاغصان والاوراق والثمار , ومن أهم الصور التي تتجلى بها فساد المجتمعات هي تمردها على اللياقات العامة والقوانين والانظمة , وتفاخرها بهذا التمرد ,(حتى بات الامر فيه اشبه ليكون من المستحبات المؤكدة )!,و الذي لا يعود بالويلات إلا عليها هي , فعدم الاكتراث مثلا للحفاظ على النظافة العامة في الحارة والزقاق , وعدم الانصياع للانظمة والقوانين التي تخص اللياقات والذوق العام , والتي ترتبط بالمواطن مباشرة وبيومياته وتعاملاته , وتجاوزه على سبيل المثال على الاملاك العامة , التي هي الأخرى تعد من المحرامات شرعا , انما تدل على فساد الجذور , وبالتالي ليس لنا إن نتوجه باللوم على االاغصان والثمار , فالثمار لا تحمل الاشجار انما الاشجار هي من تحمل الثمار ! والتي هي نتاج تلك الجذور المريضة, فمتى ما نشاهد الافراد يبحثون ويتقصون النخبة من المثقفين ورجال الدين ليستقوا منهم المعرفة والسلوك القويم , ومتى ما نشاهد الافراد يجهدون انفسهم باحثين متحرين عن سلة المهملات ليرموا بها نفاياتهم المعنونية والمادية , عندها سنقضم الثمار ونحن مطمأنين امنين …..