23 ديسمبر، 2024 7:37 م

إيمان الفحام بين سراديب النص و فوضى حلمية الذات

إيمان الفحام بين سراديب النص و فوضى حلمية الذات

( تضاريس الدلالة تتوغل في مجالدة الأنوثة )
قراءة في نص ( أتعبني طينك ربي )
ان القارىء لمشروع قصيدة ( أتعبني طينك ربي ) للشاعرة إيمان الفحام لربما سوف يعاين مدى انسيابية القول الشعري وهو محمل بصياغات حوارية جمة يتوحد من خلالها

( الاستعاري / الانشائي / الصوري / الذاتي ) حتى يبلغ مدار ذائقة علاقات الافكار و المشاعر و الانطباعات ، دون الولوج تلقائيا الى مستوى كيفية دلالية الحسي العام و التشكيلي المحوري لحيثيات النص الخاصة ، و دون الدخول الحاسم الى طبيعة تلك التنويعات الاخبارية و الافتراضية في القول الموضوعي ، فمثلا عندما نطالع رسم موضوعة القصيدة ، يتبين لنا بأن هنالك صفة اخبارية مناقضة ، تقود النص نحو إيحاءات غير مستقيمة و موضوعة المدلول العلاماتي في موجهات أفق قراءة النص ، و أفق توقعات تداخلية معطى الصورة الحسية في حركة الأشياء التصويرية :

ربي

صعودا اعطيتني

و بهاء ..

أنت الذي فخرتني ..

هب لي نحتا موقورا

فأنا التراب ..

و أنت المعنى ..

لا شيء فوق معناك

أعطني أنفا سالما

لأشمك ..ص9

تقوم أفعال مقاطع القصيدة بهذه المقدمة التكوينية الأولى من النص ، نحو إثارة تنويعات مختلفة ، مصدرها الجمال التعبيري ، حيث نراها تقودنا نحو صفة غائية سريعة التبدد و التلاشي داخل غلالة الصورة الختامية من القول الأولي من الحبكة الاستهلالية ، و تبعا لهذا نتنبه بأن سياقية المرسل ، قد حلت بروح توقفات المشهد البنائي و الصوري و القولي و بصفات خطابية ، أعطت للدلالة الاطلاقية في النص ، منظورا جماليا ذا جموح انقطاعي جوال . و عندما نأخذ بالتدقيق من جهة ما في صورة المقاطع الأولى من النص نجد بأنها مجرد محاولة من الشاعرة في خلق ثمة أحساس بالبراءة و عدم دخول ذات الشاعرة في عدم التخلي عن ماهية الخلق و التصوير الربوبي : و إلا ما معنى قول الشاعرة هذا ( ربي أعطيتني صعودا و بهاء / أنت الذي فخرتني ) قد يبدو هذا القول من زاوية ما من الجمال العظيم ، لو كان مسبوقا بدفعة توصيلية دالة تكون بديلا عن هذا القول الذي يحتل مسافة البداية من النص ، لاسيما و ان من شأن هكذا قول و في بداية قول شعري تحديدا ، من شأنه ان يحملنا الى حالة من حالات اللا تحقق القبولي في قابلية بنية اندماج تصوري عميق . على أية حال سوف نستعرض مقاطع أخرى من نص الشاعرة ، لعلنا سوف نعثر بأسلوبية متماسكة في مفاصل الخطاب الشعري :

لو اتيح لنا شرب الضوء المشاع

للأكثرية ..

لوصلنا الى أبعد نقطة مظلمة

في ذات منكسرة

فهذا المستور الذي يكسو عظامنا

قلما يريحنا

في سوق بشري

مهبط سري للأجنحة

ان الشاعرة في مقاطع قصيدتها هذه ، تحاول محاورة الواقعة الخلقية في ذاتها ،و من حدود كينونة استدعاء مقولة ( السؤال / الحوار / التكوين ) و لكن ظل صوتها الدوالي محصورا داخل فضاءات منطقة ( التأويل العالق ) و دون حدوث ثمة شرائط استقلالية و استدلالية من شأنها إيضاح علامة ( الدال / المدلول ) في محددات وظيفة و فرضية ( الرسالة الواصفة) أي بمعنى ما ، نحاول ان نقول ، بأن متفاعلات الصورة التشكيلية في مقاطع النص ، صارت تنحو بنا في مناح ملتوية من حسن علامات التوصيف المقصدي في واقعة القول الشعري ، و بهذا الأمر ، وجدنا الشاعرة تحاول الوصول بقصيدتها الى مناطق عبورية من الكلام و الفضاء ، دون معرفة ماهية موضوعة قولها أساسا : و على هذا الشأن راحت صور و مفاصل القصيدة تتشبث من هنا و هناك ، لغرض محاولة الاستقرار ، بروح النموذج المشهدي في النص ، و لكن الأمر في النهاية أضحى بالنص ، داخل توصيفية خطابية ضيقة ، يعوزها ربما الأستدلال و المدلول الماورائي المعبر ،و دون حاجة بنا الى كل تلك الاحداثيات

الموقفية و الصورية المعاكسة لموضوعة التحقيق الشعري الاصيل في موقف القصيدة :

هناك .. اتسعت كثيرا

لتجلس غيمة ..

على مقعد ذاتي الطائرة

كان الجمع بأنتظاري ..

و ملائكة القطن السماوي

تجرجر اذيال الغيم

بعيدا عني ..

فجناحي زغب أرضي

لا يقوى فحولة رشقتهم

توقفت قليلا

لأتلو ابتهالا

ها أنذا ارتشف الضباب ..

ليغدو جناحي أكثر نضجا

ها أنذا أنتف ما تقشط مني

فخذوا من قحطي

أكثر مما أريد ..ص15 ص16

من هنا مجددا نلاحظ بأن مشافهات ( الواقعة / الصورة / الاتصال ) تغدو داخل قصيدة الشاعرة ، وصفا استجوابيا ، يقوم الخطاب بنقله ، نحو كشوفات مزامنة لعلاقة ( النص / المؤلف ) و بهذه الطريقة اخذت مناحي القصيدة ، معنى كليا و عارضا في مدارج معنى ( استجابة / مبثوث / علاقة ) بيد أننا نعاين من جهة ما ، بأن جملة مكونات النص ، قد أتخذت منظورا توليديا في صلة علاقات النص الشعورية ، المنبثقة

من حدود طابع مبدأ ( توليد / وصف / بناء ) و الى جانب ملامح هذه المكونات الداخلية ، صرنا نرى محتوى فكرة و توصيف دوال ( ليغدو جناحي أكثر نضجا / لايقوى فحولة رشقهم ) بمثابة صورة الفهم المدرك لطبيعة عينات مصدر

( الذات / الله / العالم ) . و على هذا الأساس أضحت مراحل النوعية العلائقية في القول التعاملي في الواقعة النصية ، بمثابة مشكل الاقتراح التحولي في متجانسات منظومة أفق و حضور و خطاب ، و في مساحة مجليات أوسع من حيوات القراءة و المقروئية للأشياء . وتبعا لهذا بات ينكشف لنا تشكيل مثل هذه الترسيمة : ( الصورة الكينونية = أتعبني + طينك = حلم + أمل = حياة تأمل + هاجس = ضرورة = محمول الفعل = معرفة مقام = اللاظهور = حقيقة الأختلاف)

. يحيلنا هذا المخطط المختصر الى جهة المعينات التشكيلية في النص و الى مصدرية العاملية الزمنية المرتبطة بالطبيعة الملكوتية و الكينونية الجزئية لدال المتكلم في النص ، كمرجع له حضور مهيمن ، و هو ما يجعل الوظيفة الاحتوائية في دال النص ، ذات كمون و كامنية في بنية صورة التأمل و التساؤل في فضاء الخطاب ..

( فضاء السكون و الترقب في زمن الدال )

في مقاطع زمن دلالات قصيدة ( أتعبني طينك ربي ) نجد الترابط في لعبة المعنى الشعري ، يشكل خاصية لسانية لجميع الملفوظات المنتجة في مساحة عينات العلاقة المرتبطة في معنى رسم مؤولات النص ، و من كل هذا لعلنا سوف يتبين لنا حجم ترابط اللحظة الأخيرة في ظاهر المقصود الكلامي من عناصر النص : ( النص : هناك أفاع / ترضع

تمرا / و أطفال شقر تهرسه / و سقفكم تعتاشه / الأباطيل / سنرمي صنم العقل / بلوح فردوسي / لا جدوى ان نمرن / الضوء للسطوع / و الحزن / لأصطياد البكاء ) . عند قراءة هذه المقاطع المتفرقة ، نلاحظ بأن هناك ثمة زمن ( سكون / ترقب ) أي ان هناك زمنا دواليا يعتمد صعودا ما الى منطقة

( صوت / توحد / انفصال ) في حين نجد التواصل الدلالي يسرح داخل بنية ( ترجيح / افتراض ) فيستحيل المقام الوظائفي بهذا ، الى عملية بناء معينات و مرجعيات ، ثم بعد ذلك الى ملفوظات و مدارات و مخططات و انساق ، قد لا تتكرر اسمائها بذات الصياغة دائما . و التعالق في مقاطع بنية

( السكون / الترقب ) تسلك بنا نحو حلقات تتابعية في صورة حركة البداية و النهاية تماما كرؤية في المنام . ان فضاءات مقاطع قصيدة ( أتعبني طينك ربي ) هي بمثابة لقطات صورية مغرقة بعوالم الفاعل المخيالي الملحمي في الوصول الى غاية تسخير وصف الأشياء من قابلية منظور مشروع رغبة الذات ، في محاورة أزمنة كينونة ( الداخل / الخارج ) و محاورة ضربة منطقة حركة روح الدال المتشظي في مشهد حضور نشاط أرض الفعل القولي في النص . و من فضاء محاورة سياق سراديب فوضى الأنوثة وحلمية لقطات رؤى مجالدة الذات الحلمية في صورة قصيدة هجر العالم الأرضي ، و الأكتفاء بالذات المتعففة كينونيا ، و هي تقيم تصوراتها و أحاسيسها في أحالات فراغ نهائية الخارج و تصحره و موته ، لتنتهي قصيدة ( أتعبني طينك ربي ) بخاتمة مركزة ، يقود فيها الراوي الخارجي حركة الدوال و تشكيل الصورة الشعرية نحو ( الشمس تملؤني رماحا ذهبية / تسف جدائلي بالضوء / لتغزي ظلمات النفس / عيناي تسفح أرضا / فهم

الجميع ما أريد ) . إذ لا شك أن إيمان الفحام تنتهي بخاتمة ألباس الذات الشاعرة ثوب عتبة العنونة ( أتعبني طينك ربي )

حيث تأخذ الخاتمة شكلا تناصيا على أكثر مستوى من عوالم محورية الاستراحة بفاصل الذات الشاعرة بالأزمنة و الأمكنة و السير في صرخة واحدة ( أتعبني طينك ربي ) : في ختام قراءتي السريعة لقصيدة الشاعرة ، قد لا يسعني سوى أظهار وجهة نظري الحقيقية بتجربة الشاعرة الأخيرة الموسومة

( أتعبني طينك ربي ) و التي أقول فيها بكل صراحة : بعد زمن مطالعتي لتجربة نص ( أتعبني طينك ربي ) و في سياق اشتغالها الذي يذكرنا بقصيدة الهايكو ، و تبعا لهذا أود لفت أنتباه الشاعرة ، الى ان طريقة شق حدود تجربتها هذه ، لربما لم تستكمل شروطها الاسلوبية و البنائية ، ما لم تنضوي تحت ظل شكل من أشكال العضوية المتكاملة و المتوحدة شعريا .. أي بمعنى ما أود الاشارة في قولي ، الى ان تجربة قصيدتك ، ما هي ألا خليط من روح و شكل أصداء الملاحم القديمة ، غير ان تجربة قصيدتك ، قد سارت في مسار تنمية اللغة و تشظيات الخطاب ، و هذا الأمر بدوره ما جعل النص لديك ، يبدو مبعثرا أحيانا و مفككا .. بهذا الشكل جاءتنا تنصيصات

( أتعبني طينك ربي ) مجموعة وضعيات صرفة ، تتطاول شكلا و موضوعا في مجال مساعي تظاهرات مجازية مفرطة ، حيث يتولاها ذاتيا ، مستوى من طموحات لغة أبعاد الفنية التثاقفية التوصيفية ، غير ان هذا التنصيص من جهة أخرى ، ظل يشكل في بنائه و عضويته و اسلوبه و كتابته ، حالة من حالات الوصفية النسبية ، في جهة مكونات معادل النص المؤسس ، على بنيات دالة من الطابعية اللاتوافقية في الدقة و الأهمية و الحساسية :

هناك .. عرفت

ان ميكائيل .. حين يمطرنا

يعني قد خسر الجولة

و حورية لم تعد ترافقه

فيمطرنا .. يمطرنا ..

ان تجربة الشاعرة على ما يبدو عليه الأمر ، مجرد توافرات ذائقية معاكسة لصياغات المنطق الملكوتي ، حيث نراها تندرج في رداء المصاحبة العبثية والتلاعب في قيم السماء و المعايير الربوبية ، وهذا التوصيف الذي بأمكاننا أن نعده قصورا و نظرة متخلفة و تطاولا على قيم انشغالات الذات الملكوتية الواحدية و الاحدية ، و على هذا الأساس وحده تسقط تجربة ( أتعبني طينك ربي ) في أبنية و أبواب دلالات و مواقف اللحظة المراهقية المغرقة في أقصاءات الرؤية المتدنية في الكتابة الشعرية : و إلا ما معنى تلك التواصيف التي تصف الملكوت الألهي العظيم ، بمسميات آلهة المعابد و تحويل مناسك العبادة و الصلاة و التسابيح الملائكية و وظائفهم المقدسة الى مجرد غناء و حب و خمر و نزق و إملاءات شيطانية : و على هذا الأساس وحده لا يسعني سوى مساءلة ( إيمان الفحام ) ما معنى هذه اللعبة في قصدية

( أتعبني طينك ربي ) هل هي مفاصل من بقايا رائحة

( دانتي ) في وردة الصليب الماسونية ؟ أم انها افتراضات في دليل الكتابة النسوية اللامجدية ؟ الملاحظ ان دانتي هو أول من قال عنه النقاد بأن شعره يحتوي على معنى غير عبثي و فوضوي ، بل أكثرهم قال عنه ، ان في حوزته المفاتيح المؤدية الى أكتشاف المعنى الملحمي المتوحد في حيثيات المعنى الشعري و التصويري ، و مع ذلك فأن مؤوليه أكتشفوا

بأن لديه لغة سرية يمكن ان تؤول أليها أفكار القضايا الكبرى الواقعية : غير أننا في صدد دانتي مدينة البصرة الشاعرة إيمان الفحام ، ما وجدنا سوى حديث المرأة وهي تتلاعب في سراديب الأنوثة المقموعة ، التي تحاول صنع لذاتها لغة جدية تبحث عن التفرد الواهم و الغايات الباحثة عن وثيقة الضياع التقويمي لشخصها و قلمها .