إن ما حدث في مجلس جامعة الدول العربية وفي منظمة التعاون الإسلامي من عدم إدانة رسمية من الجانب اللبناني للاعتداءات على سفارة المملكة العربية السعودية في طهران والقنصلية العامة في مشهد، والتي حظيت بتنديد من كافة دول العالم، ومن مجلس الأمن الدولي والمنظمات الدولية الأخرى، بل حتى المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي أدان الاعتداء بصراحة، إلا أن لبنان التزمت الصمت بسبب سيطرة حزب الله بقيادة رجل الدين المقرب من إيران حسن نصر الله على كافة مفاصل الدولة في لبنان.
هذا الموقف دفع السعودية في ظل هذه الحادثة إلى مراجعة شاملة لعلاقاتها الخارجية بما يتناسب مع مصالحها، فقد ابتدأت من لبنان وربما ستصل إلى مصر!
القرار السعودي يتضمن عدة رسائل إلى الدول المستفيدة من المساعدات السعودية وليس فقط إيقاف المساعدات المقررة لتسليح الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلية في لبنان والبالغة 4 مليارات دولار، بل لبنان هو الضحية الأولى لعدة قرارات سعودية لاحقة.
فمصر مرشحة أن تلتحق بالمركب اللبناني بسبب المواقف غير المساندة لتطلعات المملكة العربية السعودية في ظل الأحداث المتسارعة في المنطقة.
حصلت مصر عن طريق الرئيس عبد الفتاح السيسي على دعم سياسي ومالي كبيرين من بعض دول الخليج وخاصة المملكة العربية السعودية، إلا أن جمهورية مصر العربية لم يكن لها موقف واضح وصريح يتماشى مع تطلعات الدول التي أغدقت عليها مليارات الدولارات لا في حرب السعودية مع اليمن ولا في الموقف السعودي من نظام بشار الأسد في سوريا، الحدثين الأبرز في المنطقة.
السعودية الآن في مرحلة شاملة لإعادة النظر في علاقاتها الخارجية، لأن المرحلة تتطلب قرارات حاسمة بالنسبة للسعودية بسبب دخولها المباشر في أكثر من جبهة حرب مصيرية ولا مجاملة في الحروب المصيرية هكذا يقول التاريخ.
المعطيات على أرض الواقع واضحة وصريحة ومن المتوقع أن تتخذ المملكة العربية السعودية قرارات مباشرة مع جميع الدول التي دعمتها وساندتها.
السياسة الخارجية السعودية ستعتمد مبدأ ” الأزمات تكشف الحقائق والنوايا” لمن اعتبرتهم حلفاء استراتيجيين لها.
والنظام المصري الذي يمثله الرئيس عبد الفتاح السيسي اعتمد مواقف متهاونة ومضادة لمواقف السعودية، من خلال عدم إيفائه بالوعد الذي قدمه للدول العربية والمشهوربـ”محدش يقدر يتهدد واحنا موجودين “مسافة السكة” ونكون عنده” وهذا ما لم يحصل عندما وصل الخطر الحدود السعودية مع اليمن من قبل جماعة الحوثي، بل ودعم التحرك الروسي في سوريا، وفتح قنوات تواصل غير مباشرة مع نظام بشار الأسد من خلال ترحيبه بالدول المؤيدة للنظام السوري الذي تراهن على إسقاطه معظم دول المنطقة وفي مقدمتهم السعودية، هذه المواقف لن تسكت عنها السعودية طويلاً بسبب حساسية المرحلة التي تمر بها المنطقة.
السيسي استخدم سياسة “عندما اشتد ساعده رماني” مع جميع حلفائه من الدول الخليجية، الواقع هكذا يقول وليس من تخيلات الكاتب.
السياسة الخارجية السعودية ستعيد صياغة نفسها تماشياً مع المواقف المؤيدة أو غير المؤيدة لها، ولا نستطيع أن نقول معادية، فالقيادة السعودية الجديدة تدرك تماماً من خلال الواقع الذي لا يقبل القسمة على اثنين، أن إسقاط الديون عن العراق، وتقديم الدعم العسكري للجيش وقوى الأمن اللبنانية، ودعم الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح قبل تحالفه مع جماعة الحوثي، جميعها انقلبت أسلحة ضد تطلعات ومواقف السعودية.
والآن الدور سيصل إلى مصر ولو بعد حين، بسبب مواقف الرئيس السيسي تجاه أزمات المنطقة التي تشكل المملكة العربية السعودية أحد أقطابها الأساسيين من خلال دخولها المباشر في جميع الأحداث العسكرية والسياسية والاقتصادية، فقطع المساعدات السعودية “العسكرية والمالية” عن لبنان يتضمن رسالة ذكية من السعودية إلى مصر!
ربما ستخسر مصر بسبب ازدواجية تعامل السيسي مع أحداث المنطقة.. مساعدة السعودية الأخيرة لها في تلبية احتياجاتها البترولية على مدى السنوات الخمس المقبلة، وزيادة الاستثمارات السعودية هناك التي وصلت إلى أكثر من ثلاثين مليار ريال “نحو ثمانية مليارات دولار”، أو ربما سيقلب السيسي المعادلة عندما يُكمل قطع “مسافة السكة” ! والأيام حبلى بالمواقف سواء من السعودية أو مصر.