يتردد المرء كثيراً في الكتابة حول المواجهات السياسية واحتمالاتها العسكرية بين ايران والولايات المتحدة وما سيتفاعل حولها من احداث وما سيرافقها من تصريحات… تستثير ردود فعل هي اكثر تعلقاً وتعبيراً بمضمون المواجهة الاساسية بين ايران والولايات المتحدة اكثر منها مواجهة بين ايران وبقية بلدان محيطها الاقليمي. كما انها ليست مواجهة بين ايران والمجتمع الدولي كما يشيع الاعلام الامريكي ومروجوه….
حقائق الامور تقول:
ان التصعيد الامريكي ومن يتحالف معه، المتمثل بالحجج الواهنة- مساندة الارهاب، تصدير الازمات، حقوق الانسان الايراني، التسلح النووي- ربما يستهدف العودة في الامور الى بداياتها عن طريق:
1- محاولة ردع او احتواء ايران عن القيام بتبني اية خطوة من شأنها ان تفجر ازمة مواجهة في المنطقة على الترتيبات التي اعقبت الحرب على العراق واحتلاله…
2- تحشيد اكبر قدر ممكن من القوة العسكرية الامريكية ذات جاهزية عالية للتدمير تستهدف ما انجز ايرانياً على صعيد بناء القوات المسلحة والبناء الاقتصادي القادر على مقاومة ظروف المواجهة او المواجهات المقبلة المحتملة…
3- ان الجاهزية العالية لتحقيق الهدفين السابقين لا تلغي نية الولايات المتحدة في تعزيز تواجدها العسكري في منطقة الخليج العربي وما يترتب عليه.
4- ان الاتجاه الدولي لاتخاذ مواقف سياسية حاسمة تجاه ايران لم يتبلور بوضوح نظراً لعدم وجود ما يبرر فعلياً اتخاذ مواقف واضحة وصريحة. الا ان التحسبات حول التحركات الايرانية داخلياً وخارجياً لم تكن تكفي او توفر حجج محفزة لاتخاذ اجراءات عملية فورية. وهذا يؤكد ان المزاج الدولي لاتخاذ أي اجراءات عملية لم يعد كما كان عليه الحال قبل اقل من خمس سنوات.
ومع ان مثل هذه الحقائق لم تفرض نتائجها لغاية الآن، ومن الصعب الجزم بان ذيول الازمة بكل مداخلاتها… قد تكون قصيرة المدى. وعلى الرغم من الوساطات غير الحاسمة لبعض الاطراف الدولية الا ان الذي حدث والتحليلات الخاصة بذلك لم تقدم ما يقنع، خصوصاً لان احتمالات المواجهة القادمة لم تحدث بعد بحدها الاقصى.
اذن، لابد لأي محلل من ان يتردد في الاستخلاصات، ويتمثل ذلك بعدم الاقناع بالافتراضات التالية التي قدمت في التحليلات المختلفة، ذلك لأن أي عملية سياسية او قرار سياسي يستوجب ليس فقط المعلومات وانما ايضا وضعه في السياق العام للاحداث وخاصة في هذا الوقت الذي تتداخل فيه الاحداث والتوجهات من اقصى الارض الى اقصاها، ونحن لا نقصد هنا التعويم والتعميم وانما نذكر بان المناخ الدولي يبرز ظاهرتين حادتين في تأثيرها:
الاولى- الظاهرة الاميركية وما يرتبط بها من افتراضات حول نيتها في تدعيم وتعزيز نظام دولي آخر جديد بقيادتها.
الثانية- الظاهرة الايرانية التي كانت امثولة في تطبيق ارهاصات هذا النظام فلم يحدث بعد الحرب العالمية الثانية ان حدثت مواجهة بين ظاهرتين بمثل الحدة التي حدثت في المواجهة بين الظاهرتين آنفتي الذكر، وكل منهما تمثل ما تمثل بمعنى ان احداهما المنتصرة (افتراضاً مسبقاً) تريد حسم مستقبل الظاهرة الخاسرة الراديكالية حسب الاصطلاحية الاميركية. وعليه، فهل يكفي ان يقال مثلاً:
– بأن الحكمة السياسية غائبة عن صناعة القرار السياسي الايراني ليتصرف مثلما يتصرف انطلاقاً من ان عليه ان يتعامل مع حقائق الواقع؟
– هل صحيح ان ايران اضاعت على نفسها مرصة انفراج في الحصار المفروض عليها بعد ان كادت تجمع تقارير فرق المراقبة انطباعاً ايجابياً عن تعاون ايران مع هذه الفرق.
– وهل صحيح الافتراض بان ايران ارادت ان تقول للعالم انها تعاني من الموت البطيء والحصار بعده في اشهره الاولى. وعليه فهي تتحرك تحرك البائس وتريد ان تلفت نظر العالم له، وانها تعول على الرأي العام الدولي لكسب العطف وتصحيح الاوضاع؟
– وهل صحيح ان ايران تضيق بها السبل للبحث عن وسيلة تريد بها تكبيد دول الخليج العربي خسائر مادية لمصلحة الولايات المتحدة وقواتها؟
– وهل هذه الاسئلة تكفي للوصول الى اجابات حول السلوك الايراني؟
– وبالمقابل، هل صحيح ان الولايات المتحدة اعرف من غيرها، وتراقب حتى المرور في شوارع ايران، على قناعة بان ايران تستطيع اجتياح الخليج؟
– وهل صحيح ايضاً ان الولايات المتحدة تتحرك لمجرد تجميع فواتير تسدد من حسابات دول الخليج العربي؟ او انها مرهونة لدى هذه الدول تتحرك وفقاً لدعواتها او استجابة لتحالفاتها وضماناتها؟
ان هذه الاسئلة بخصوص ايران وبخصوص الولايات المتحدة تشير الى ان الاجابات المقنعة قد تكون على غير هذه الاسئلة كلها، اما اذا كانت الاجابة المتضمنة في هذه الاسئلة هي اسباب المواجهة التي حدثت والتي يمكن ان تحدث، فان ذلك يعني ان الدول المعنية ما زالت في مرحلة التسييس والبحث عن الاثارة السياسية وليس في مرحلة الصراع على المصالح وبناء الاستراتيجيات، وهو امر ليس صحيحاً. فالظاهرتين السياسيتين الايرانية والاميركية وعلاقتهما المتصارعة، قطعا شواطاً بعيداً في ادارة الصراع، ويفهمان بعضهما جيداً، مما اوصلهما الى نتيجتين هامتين:
الاولى- ان عودة ايران الى الساحة الدولية لا بد وان يمر اما بكسر الادارة الامريكية عن طريق اللعب على التناقضات مع القوى التي تنافسها اقتصادياً وبالذات اوروبا التي بمقدورها ان تلعب دوراً سياسياً في فك الحصار او التعاون والتفاهم مع هذه الادارة- الادارة الامريكية- ومدخلها الاقليمي عبر علاقات ما، باطراف نافذة في المحيط الاقليمي العربي والاسلامي.
الثانية- ان الولايات المتحدة تدرك ان ايران دولة اقليمية رئيسية ان لم يكن اليوم فغداً، وان بها نصيباً وافراً جداً لا يضاهيه الا النصيب العراقي والسعودي والخليجي من الثروات النفطية، وهذا يعني اما السيطرة على هذا النفط بصورة ما او الاستمرار باخراجها من المنافسة في سوق النفط العالمي كي لا يستفيد منه المنافسون الاوروبيون واليابانيون والصينيون.
ان هاتين النتيجتين وربما غيرهما تفرض في النظر الى ما يحدث من مظاهر المواجهة بين الدولتين على اساس ثلاث عقد رئيسية تحكم العلاقات الدولية في هذه المنطقة من العالم وعلاقة كل منهما بأي من هذه العقد او بهما جميعاً.
اما العقد الاساسية هذه فهي:
اولاً- عقد النفط، حيث تسيطر الولايات المتحدة بصورة احتكارية تقريباً على ما يعادل موجوداته واحتياطاته في المنطقة، وان النصف الآخر تقريباً الموجود في ايران قد يكون خارج السيطرة الامريكية، فيما لو اتبع كسر الحصار المفروض على ايران سيكون من نصيب الصين التي توصلت الى عقود نفطية مع ايران وبامتيازات خاصة.
ثانياً- عقدة النفوذ والتغلغل الايراني داخل منطقة الشرق الاوسط العربي ومنطقة الخليج العربي وتأثيرات هذا النفوذ على استقرار وأمن اسرائيل، حيث ان ايران تمارس سياسة المواجهة بالنيابة مع اسرائيل من خلال حزب الله ودمشق، وليس من الممكن ان يستقر هذا المحيط اذا لم تكن ايران ضمن التشكيلة الاقليمية المهادنة لاسرائيل.
ثالثاً- عقدة النظام الدولي وعقدة النظام الشرق اوسطي وكلاهما يمر في مرحلة مخاض حيث بدأ يظهر فيهما نوع من التنافس في الادوار دولياً واقليمياً.
فهل يمكن ضبط ايران كعامل مرجح في النظام الدولي لمصلحة الولايات المتحدة؟ او عامل مرجح لمصلحة اسرائيل في النظام الاقليمي؟ وهل يمكن ان يتم ذلك بالاتفاق مع ايران نجاد في حالة رفع الولايات المتحدة الحصار ام ان الاسلم والافضل ان يتم في ايران اخرى او ايران محاصرة حتى النخاع؟
قد تكون ايران ضرورة للمساهمة في اعمار المنطقة، او سوقاً هاماً، هي نفسها بحاجة الى اعمار وتنمية. كما يبدو ضرورياً لمواجهة احتمالات تدخلات امريكا مستقبلاً، او حتى قد يبدو ضرورياً كذريعة لتخويف دول الخليج المضمونة امريكياً، او قد يبدو ضرورياً لاسباب اخرى كثيرة؟
ولكن في كل الحالات ترتبط الاجابة بايران اخرى ليست لها نفس التصور حتى لو كان لها نفس النظام وليس لها نفس التوجيهات والمطالب؟
ايران تجثم على جراحها، تلعقها لعشرين سنة على الاقل وليس ايران التي يمكن ان تعيد بناءها خلال سنوات… لذا فمن الارجح انها محاولة للمواجهة ولن تكون الاخيرة لأن المنطقة التي ساهمت في حسم صراع مرحلة دولية لا بد وان تساهم في تأسيس مرحلة جديدة. فعلى ايران ان تستعد لمزيد من المواجهات، واهم اسلحتها اللعب على تناقضات الكبار، واما الصغار فلا حول ولا قوة لهم، وقد لا يكونون بين الاسباب او الاهداف الهامة، وان كانوا ذرائع لسياسات هامة.
[email protected]