تعتمد كل حركة تعاكس حركة المجتمعات وسياقاتها التاريخية الدينية والأخلاقية على أقنعة مختلفة لتسهيل نفوذ أفكارها وعقيدتها إلى أكبر عدد ممكن من أبناء هذه المجتمعات أعتمادا على حجم ومقدار الفجوات التي تحدث لدى بعض الفئات أو الطبقات المتأثرة بحركة التطور أو التراجع الحضاري فيها .
ولعل حركة العالم الأسلامي خلال قرون عديدة كانت مليئة بالأحداث والمتغيرات الإيجابية والسلبية أفرزت حركات عديدة استهدفت روح العقيدة الأسلامية ومسلكها الحضاري كانت إيران على وجه التحديد المورّد الرئيسي لها والراعية تحت يافطة (التشيع) وبما تم تهيئته لتمرير مشاريعها الهدامة من حركات سياسية وأجتماعية تحركت شرقا وغربا لتغيير عقيدة الإنسان المسلم تمهيدا لإستغلال الظرف المناسب للتمدد صوب المناطق التي تتراخى فيها قياداتها عن مسك زمام أمور البلاد والعباد بشكل يحفظ الوحدة الفكرية والعقائدية وبالتالي الأمنية والعسكرية .
ونتيجة لزرع عقدة (الأضطهاد) لدى أغلبية شيعة العالم وتماشيا مع أسلوب (التقيّة) تفاوتت أدوار الشيعة العرب والباكستانيون والأفغان وغيرهم بين الأنخراط الظاهري مع صفوف الأنظمة السياسية القائمة أو التقوقع الأجتماعي والفكري المحبك بتوجيه مباشر من المرجعيات الدينية والتسلسل الأدنى منهم والذين استغلوا ، ومازالوا ، تسامح الأنظمة القائمة تجاه حرية العقيدة ، ليحافظوا على مستويات حالة الأحتقان والتربص تجاه المجتمع بكامله وتجاه أنظمة الحكم القائمة وبخاصة القوية منها .
إن (سنّة) المنطقة العربية المحاددة لإيران أو القريبة منها ، وهم أغلبية مطلقة ، عانوا كثيرا خلال فترات طويلة من المفهوم السياسي لمواطنيهم من الشيعة ؛ المرتكز على حتمية رد الحق المغتصب من آل البيت في حكم العالم الأسلامي ، لهذا السبب لم تكن ، ولن تكون كافية تعاملات الدول العربية تجاههم كمواطنين ، ومنحهم حقوق هذه المواطنة ، في المشاركة السياسية والأجتماعية وكل ما يتعلق من حقوق مدنية أو شرعية عامة وخاصة ، لكن ، ونتيجة لهذه العقدة المزمنة لدى الشيعة لم يكونوا مؤمنين بالمشاركة الفعّالة بكل الأدوار التي يقومون بها ؛ وهو ما بدا واضحا في التجربة العراقية بعد عام 2003 ، وأنقلاب الكثيرين على صورهم التي كانوا عليها قبل الأحتلال واستبدال الخطاب السياسي العروبي الوطني والقومي إلى خطاب طائفي متشنج وعدائي تجاه المكون الآخر تأكيدا آخر لهذا الأمر ، فهذا (آية الله الخميني) مثلا دعا أبناء الشيعة إلى الثورة ضد الأستبداد و”الأستكبار العالمي” ووعد كل أبناء القوميات والمذاهب في إيران خلال فترة التحرك ضد الشاه بمنحهم حكما ذاتيا وحقوقا لممارسة خصوصيات أديانهم أو قومياتهم كاللغة والتعليم وتثبيت تاريخهم ، فإذا به مع أول أستلامه للسلطة (المطلقة) في إيران يحول هذه البلاد إلى حكم (شيعي) أستبدادي مرعب ، قمع ومازال ، كل مخالفيه ، وتنصلّ عن كل وعوده للآخرين ممن أبناء الشعب الإيراني من العرب والبلوش والأكراد والتركمان ، كما اسس لإمر أمر وأدهى ؛ وهو ما يطلق عليه ” تصديرالثورة” بما يعنيه حرفيا تصديرالمشروع السياسي والفكري إلى البلدان المجاورة بواجهة عقيدة (الإمامة) ، وهو ما يتوافق مع تجارب التاريخ الخاص بالدول الشيعية التي قامت على فترات متقطعة كالدولة الفاطمية والبويهية والصفوية .. الخ بقاسمها المشترك المرتكز على تكريس الكراهية للسّنّة وتحميلهم مسؤولية تاريخية مظللة إن تداعيات دول المنطقة في العراق ولبنان والبحرين والمملكة العربية السعودية واليمن وسوريا وغيرها ، كلها كانت نتاج جهود باطنية مكثفة أعتمدت الظلامية لمئات السنين ، ثم ما لبثت تخرج من أنفاق الظلمة إلى واجهة السلطة وامتلاك القرار ؛ كما هو الحال في إيران والعراق ولبنان تحديدا ، ومازالت الجهود كبيرة وحثيثة أرتكازا على هذه الدول الثلاث لفرض العقيدة الشيعية (الإيرانية سياسيا) على بقية دول المنطقة بأساليب ربما باتت مختلفة عن السابق لتغير الأدوات المتاحة وامتلاك القوة والقدرة المحلية والدولية على نطاق إستراتيجي خطير جدا .
إن تاريخ النفوذ الطائفي الشيعي أرتكز على أسماء محددة كانت ومازال بعضها يعتمد عقيدة التعصب والتطرف والتشدد لتحقيق ثقافة الثأر من قتلة بعض الأئمة وهو ما أستوجب اتخاذ الآخرين إجراءات أحترازية لحماية شعوبهم من التغلغل والنفوذ العقائدي الهدّام المبني على واجهة شحنات عاطفية كبيرة تجاه آل البيت الكرام ، ولإن الطرف الإيراني (المبرمج الإستراتيجي) للتحرك الطائفي الشيعي ، استخدم كل الوسائل االممكنة للولوج إلى مجتمعات العالم (العربي خاصة) ، كالعامل الأقتصادي ، أو الثقافي ، أو السياسي ، المعتمد على الترهيب والترغيب ، فإنها وجدت أن أستخدام (العلمانية) كغطاء نافذ تجاه الجماعات والأشخاص قليلي الثقافة الدينية أو الذين لديهم أحترازا نفسيا وفكريا تجاه الخطاب الديني المباشر أسلوبا ناجعا جدا، واختارت لذلك ، ومازالت ، أشخاص ذوي خبرات سياسية جيدة يبتعدون عن تمجيد المذهب بعينه ، لكنهم يستثمرون المنطق المنمق المسّفّه للأديان وعقيدة السماء وبعض المنطلقات النظرية للفلاسفة والكتاب أسلوبا للكسب وتوثيق العلاقات حتى يبلغ مستوى تصديقه بإي معلومة يقولها ويسلم متلقيها بصدقيتها إن مجتمعاتنا أمام خطر فكري وتنظيمي هدّام كبير تستخدم فيه كل الوسائل المتاحة في ظل غياب شبه تام لوسائل مواجهته ، فالغطاء العلماني أستخدم بشكل فعّال وكبير في العراق بواجهات احمد الجلبي وليث كبه وحسن العلوي وكثيرون غيرهم لامجال لحصرهم هنا، كما زرعت إيران المئات من أتباع برنامجها التصديري (للثورة) في وسائل الإعلام والفضائيات العربية والدولية الناطقة بالعربية لتمكينهم من تسنّم مناصب قيادية في وسائل الإعلام هذه وتمرير الأفكار والرؤى المبرمجة باتجاه تغيير قناعات الرأي العام أو تغييب الوعي المطلوب عنهم ، كما سعت إيران فيما يبدو إلى تكريس بعض الأشخاص في تنظيمات أحزاب ذات عمق فكري علماني ثوري وتاريخ نضالي طويل كالحزب الشيوعي وحزب البعث العربي الأشتراكي وغيرها بواجهات العلمانية التي وجدت مربعا مناسبا لها في ظل الأنحطاط السياسي والأقتصادي والأجتماعي والأمني الذي تسببت به الأحزاب الحاكمة بإسم الدين في إيران والعراق وكذلك اليمن وغيرها .
إن أستخدام العلمانية كنهج محدد الخطى إستراتيجيا في التفكير والدعوة ماهو إلا تشويش لإفكار وعقول الناس محدودي الثقافة ، لكنها حين تتحول إلى وسيلة إعلام أو منبر جامعي أو ديني تكون في مستويات خطورة عالية جدا ، ليس على جيل الكبار فقط ، بل على الأجيال المقبلة التي ستكبر على أفكار مسمومة ستبدو لهم مسلمات ، لكنها ستحرفهم عن المسيرة الطبيعية للبناء الوطني لاحقا حتما، وهو أمر يجب على صنّاّع القرار في كل الدول العربية الأنتباه له والتصرف بحزم وحكمة تجاهه