المتبحر في السياسة الإيرانية الهوجاء والمكتوي بنارها يعلم جيدا ما يمكن أن يؤديه تلاعبها بمصائر شعوب المنطقة من نتائج وخيمة، وخاصة تدخلاتها السافرة في مناطق لعب الدول الكبرى في العراق وسوريا واليمن.
منذ فترة ليست بالقصيرة كنا نسمع جرس الإنذار بنهاية إيران السياسية والعسكرية والاقتصادية بعد تورطها بعدد من القصايا ربما كانت من اخطرها على الإطلاق استلامها لملف العراق بعد انسحاب الجيش الامريكي المتقهقر من أرض العراق العصية على الإحتلال، فوثقت إيران بقدرتها على استغلال الفراغ الذي تركه الأمريكي المنسحل من الساحة، غير واعية بما تحضره أرض العراق من فخاخ.
وبالتزامن مع تخبطها في العراق وقيادتها الاخيرة لمعارك تكريت، كانت اليمن ساحتها الثانية، فبالرغم من التخبط الواضح في العراق من خلال المشاركة في معارك كان هدفها الاستحواذ على مدينة تكريت والتي كشفت فيها نفسها بوضوح تام ودون خجل أو حياء، فتحت جبهاتها الخارجية لتمارس اوراق ضغطها في اليمن أيضا، مما زاد من توقعات سقوطها المدوي بالرغم من اتهامات كثيرة بلعبها على وتر السياسات الغربية التي تقف خلفها مصالح مشتركة أكثر منها تبعية أو اتفاقا مع اصحاب المصالح الكبرى إقليميا.
في اليمن التي أعتبرتها إيران الساحة الأسهل تنفيذا لمخططاتها من العراق بسبب بساطة التعقيدات، دعمت إيران التوغل الحوثي السريع ومنحته الثقة بمواصلة الدعم من خلال الأسلحة والعتاد والأكثر من ذلك الوعود للحوثيين بالوقوف خلفهم في وجه التحديات المحتملة، وهذا ما لم تحسمه لحد الآن معطيات التحرك العربي، وهنا أخفقت إيران في قراءة الموقف السعودي او الخليجي الذي تعتمد فيه على حقيقة المخاوف الخليجية من تحريك إيران لخلاياها النائمة في بلدانهم، لكن ما حصل قلب الطاولة على إيران بسبب عنصر المفاجأة الذي اعتمدته الدول المشاركة بالهجوم الذي جاء تحت غطاء التركيز على معارك تكريت في وقت كانت السعودية ودول الخليج تتهيأ عسكريا لشن هجومها على الحوثيين.
لذلك لم يكن غريبا بل ربما كان مفاجئا ان نجد تحركا عربيا أحوازيا ضد النظام الإيراني وإن كان ضعيفا، أو ربما بسبب التعتيم الإعلامي الإيراني الذي لا ينقل لنا الواقع الحقيقي على الارض، لكن بالتأكيد لا يمكن اغفال هذا التحرك كأحد المعطيات الهامة لتقرير مصير إيران المرتقب.
في سوريا كان الموقف شبيها بما جرى في العراق، فبرغم الاختلافات الجيوسياسية بين العراق وسوريا إلا إن الفشل الإيراني لم يختلف بمفهومه العام، فانقطاع خطوط الامدادات بين إيران وسوريا عن طريق العراق ساهم بضعف الدعم اللوجستي والذي أثر في المحصلة على تغذية عناصر حماية ما يسمى المراقد المقدسة، أو بالاحرى قوات حماية النظام السوري من الانهيار، بالاضافة لقوات حزب الله وبعض المليشيات العراقية المشاركة في معارك الدفاع عن النظام، التي فضلت وقف عملياتها وانحسارها في حماية دمشق من السقوط.
واقتصاديا، تشير التوقعات إلى إنهيار اقتصادي إيراني وشيك، ومن أهم أسبابه النفط، والذي أيضا كان فيه الدور السعودي حاضرا في قيادة سياسة خفض أسعار النفط الذي يعتبر العصب الرئيسي للانفاق على تحريك اذرعها في الدول العربية أو الإسلامية، كما أدى ذلك إلى انخفاض كبير بسعر عملتها التومان مقارنة بما كانت عليه بداية ترويجها لثورتها الإسلامية، والذي أدى بالتالي الى انخفاض رأس مال الفرد إلى أدنى مستوى له وارتفاع الاسعار بصورة جنونية، والتي قادت إلى سخط الشعب من نظام الملالي في طهران.
يبقى الملف النووي الإيراني عنصر الخلاف المتفجر على النطاق الدولي والإعلامي، فيجري الاعتقاد بان كل تلك التدخلات ومواجهتها تعتمد في الاساس على تفاعل المفاوضات حول الملف النووي، وربما يكون صحيحا، لكن مع عدم إغفال المشروع الفارسي الذي أعلنه مؤخرا اكثر من ممثل للنظام وبكل وضوح، وهذا يعني بالنسبة للإيرانيين إن كل القضايا تصب في النهاية في صالح تنفيذ مشروعها وليس العكس، اي إن مشروعها النووي وتدخلاتها في العالم العربي ومحاولاتها لاسقاط أو حماية الأنظمة لم تكن سوى أدوات لتحقيق هدف احياء أمبراطوريتها الفارسية.