انتهت مجزرة الثالث عشر من نوفمبر في باريس بمقتل 129 شخصاً وجرح حوالي 359 آخرين ، كلهم مواطنون عُزّل أبرياء ، حصدت أرواحهم نار الإرهاب الأعمى ، في حمام دمٍ ترك العالم مصدوماً إزاء هذه السادية العجيبة التي تعشش في نفوس الإرهابيين القتلة الذين لم يفرقوا بين رجل وامرأة وطفل وشيخ .
واليوم ، وفي الوقت الذي يكفكف فيه ذوي الضحايا دموع الحزن وسط أجواء الحِداد في فرنسا والعالم ، تبرز أسئلة عدة :لماذا حصلت هذه المجزرة ؟ وما الدوافع الحقيقية لمرتكبيها ؟ ومن يقف وراءهم ؟ ولماذا اختاروا باريس لينفذوا فيها عمليتهم الإجرامية ؟ وهل تربطهم علاقة بالشامتين بفرنسا بعد المجزرة ؟!
ومن خلال متابعة المواقف والتصريحات الإيرانية نحصل على الإجابات الواضحة على هذه الأسئلة ، فبصمات النظام الإيراني في هذه الجريمة الإرهابية واضحة ولاحاجة الى الاستدلال والحجة.
فالنظام الإيراني طالما أعلن في الماضي – بمناسبة أو بدون مناسبة – على ألسنة كبار قادته وعبر وسائل الإعلام الحكومية بمنتهى الصراحة ان على فرنسا أن تغير سياستها تجاه سوريا ويتوجب عليها أن تدعم نظام بشار الأسد ، ووفقاً للإرادة الإيرانية على الحكومات الغربية أن تتخذ دور الأعمى الأصم الأبكم إزاء مجازر الأسد التي طالت 300 ألف مواطن سوري والتدخلات المباشرة لأفراد الحرس الثوري الإيراني في هذه المذابح ، فضلاً عن تشريد الملايين ، وباختصار على فرنسا وحلفائها في أوروبا أن يؤدوا فروض الطاعة والولاء لبشار الأسد والعراب الإيراني الذي يرعاه ويرعى نظامه الإجرامي .
ان الادعاء بأن موقف فرنسا الحازم للتأكيد على ضرورة رحيل الأسد له ما يبرر هذه الهجمات الارهابية هو مثير للاشمئزاز جدا. هكذا حجة ليست الا محاولة لاضفاء الشرعية للهجمات الارهابية. وهذه الحجة هي نفس الحجة التي يتبعها بشار الأسد ، إذ قال لتلفزيون فرنسا ان فرنسا يجب أن تغير سياستها وأن تعترف بنظامه (أي بشار الأسد) من خلال فتح سفارتها في دمشق.
وكتبت وكالة أنباء فارس (التابعة لقوات الحرس) تقول: «المحللون يرون أن هذه الهجمات الارهابية تعزز موقف المدافعين عن امتداد الحرب السورية في فرنسا وغيرها من الدول مقابل المدافعين عن السلام في سوريا». وردا على سؤال لماذا تم استهداف فرنسا لهذه الأعمال الدموية، يقول المحللون ان فرنسا هي بلد يرى تقليديا نفسه دولة منتدبة لسوريا…» وتستنتج: «أي تغيير في سياسة فرنسا تجاه سوريا يحمل علامات معينة من شأنه أن يؤثر على آراء سائر الدول الاوربية».
وكتبت وكالة أنباء تسنيم (وكالة الأنباء التابعة لفيلق القدس) تقول: «على باريس أن تعلم أن أفضل حل يكمن في تغيير التعاطي الموجود في محاربة الارهاب والتنسيقات لكافة الجهود لمحاربة هذه الظاهرة والتشدد في أرجاء العالم. ان هذا التغيير يمكن أن يحصل بتغيير في التعامل العسكري في الشرق الأوسط ولاسيما في العراق وسوريا وليبيا أو بالتعاون والتنسيق مع جبهة محاربة التكفيريين والمتشددين في الشرق الأوسط.
«وكخطوة أولى يمكن أن توفر المفاوضات الجارية في فيينا بشأن سوريا أفضل ساحة في هذا المجال… لكي توحد الجهود لمحاربة الارهاب… وبدلا من اتخاذ القرار للشعب السوري يجب توظيف الحالة الديناميكية التي ولدتها واقعة باريس لاتخاذ قرارات جدية لمحاربة الارهاب على الصعيد الدولي».
وسعى جواد ظريف وزير خارجية النظام الى إرسال هذه الرسالة بصيغة أكثر دبلوماسية عندما قال : علينا «أن نستغل هذه الفرصة التي خلقتها هذه المأساة لمزيد من التنسيقات الدولية». (وكالة أنباء ايرنا- 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2015).
لقد اعتبر «ابوطالبي» المستشار السياسي لروحاني والسفير السابق لنظام الملالي في فرنسا الجريمة الارهابية في باريس «أمرا غير قابل للتجنب» و«نتيجة الاجراءات العمياء والمستدامة للغرب لدعم الارهاب… وعدم التنبه بتحذيرات إيران طيلة السنوات الأخيرة» ، محاولاً كعادة المسؤولين الإيرانيين تصوير النظام الإيراني بأنه الملاك الحارس للعالم والمحارب للإرهاب !
أما الحرسي العميد «مسعود جزايري» مساعد هيئة الأركان للقوات المسلحة لنظام الملالي فيقول بهذا الصدد: «الفرنسيون دفعوا ثمن دعم حكومتهم لداعش والارهاب» أي انه يصف مقاومة الشعب السوري بالإرهاب ، ويقول : «منذ الشهور الأولى للأعمال الارهابية في سوريا ودول الجوار ، وجهنا تنبيهات متكررة للمجتمع الاوربي بأن الارهاب سيجر عليهم أيضا». وهدد هذا الحرسي اوربا باستمرار هذه الجرائم الارهابية وقال «الغربيون في حال مواصلة دعمهم للارهاب … يجب أن ينتظروا اعلان حالة الطوارئ في نقاط أخرى في القارة الاوربية» (وكالة أنباء قوات الحرس – فارس- 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2015).
«تسنيم» وكالة أنباء قوة القدس الارهابية وصفت فاجعة باريس «بالارهاب المصنع» من قبل فرنسا واروبا وكتبت تقول : نبه خامنئي طيلة السنوات الماضية عدة مرات قادة الغرب بأن دعم الإرهاب في المنطقة سيجعله في نهاية المطاف ينجر عليكم … وفي المستقبل القريب ستذوق الدول الداعمة للإرهاب وبال هذه المجموعات المدعومة من قبلهم.
وتوحي هذه الوكالة بنشرها كاريكاتيرا سخيفا تحت عنوان «الإرهاب الذي صنعوه بانفسهم » بأن رأس خيط داعش بيد فرنسا ورئيسها.
أما «قدس اون لاين» التابع لقوات الحرس فقد وصف المعارضة السورية بالارهاب وكتب يقول : «أمريكا والدول الاوربية وبذريعة مواجهة الرئيس الشرعي في سوريا يدعمون الارهابيين وأطلقوا أيديهم في ارتكاب جرائم ضد الانسانية وأن حصيلة هكذا تعاطي هي الهجمات الارهابية في باريس وبات الآن داعش كيانا مثل كلب يهجم على صاحبه مهددا دولا مثل ايطاليا وبريطانيا وأمريكا بهجمات مماثلة من قبله ، واذا أرادت الدول الغربية أن لا يواجهوا هكذا كوارث انسانية فعليهم أن يستأصلوا شأفه الارهابيين دون التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى مثل سوريا وهذا يتطلب ترك مصير بشار الأسد … الى الشعب السوري وأن يقوموا باستئصال الارهاب [اقرأوا قوات المقاومة الجيش السوري الحر].
و الكل يعرف بان داعش هو حصيلة إيران وبشار الاسد وكل جرائم داعش طوال هذه السنوات ومنذ تأسيسه حتي الان تخدم سياسات إيران في المنطقة ، و ستتبين في المستقبل وثائق ارتباط داعش مع إيران .
كما هناك حقيقة دامغة أخرى أن داعش هي حصيلة المذابح في سوريا حيث نفذها الأسد وبدعم من نظام الملالي الحاكمين في إيران.
والان فرنسا امام موقف تاريخي ، فهل سترتعب و تستسلم امام سياسات إيران وتعتمد سياسة الاسترضاء تجاه النظام الإيراني فيما يتعلق بسوريا والمنطقة ؟ ام أنها ستختار الخيار الصحيح و تقف بقوة وحزم بوجه إيران وداعش وبشار الاسد؟!
ان التجربة أثبتت أن تقديم تنازلات للإرهابيين والمتشددين والمتطرفين من شأنه أن يخلق كارثة كونه يشجعهم على التمادي في جرائمهم وبوتيرة أعلى.
ان حل أزمة سوريا يكمن في رحيل الأسد مما يستدعي استئصال شأفة إيران في سوريا ، إذ لايمكن أن يكون الأسد جزءا من الحل في سوريا ، وطالما هو ممسك بالسلطة فإن المذابح ستبقى مستمرة ، يجب أن يرحل وهذا هو الحل الوحيد لسوريا ولوضع حد لداعش.