19 ديسمبر، 2024 12:37 ص

إيران وتركيا ومَن بينهما

إيران وتركيا ومَن بينهما

يقول التاريخ إن الصراع العسكري المدمر بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية للسيطرة على بلاد شرق الأناضول والقوقاز وبلاد ما بين النهرين دام قرونا ولم يتوقف.
بدأ من أول القرن السادس عشر واستمر حتى نهاية القرن التاسع عشر. ورغم أنه كان يخف خلال فترات قليلة إلا أنه كان يتخذ أشكالا أخرى عديدة من الصراع (المستتر)، ثم يعود فيندلع من جديد.
ومن نكد الدنيا علينا، نحن أبناء أهل بلاد ما بين النهرين، أننا وجدونا أنفسنا مادة ذلك الصراح وساحته وأدواته. يحتلنا العثمانيون تارة ثم يهزمهم الصفويون تارة أخرى ويحتلوننا بدل العثمانيين.
وفي كل مرة كان أيٌ من الاحتلالين، العثماني أو الصفوي، يأكل أجيالا من خيرة شبابنا ورجالنا ونسائهم وأطفالنا، ولا يخرج إلا بعد أن يترك وراءه حروبا طائفية مذهبية مدمرة بين فريق (مستغفَل) من العراقيين يوالي الصفويين، وآخر (مضلَّل) يوالي العثمانيين، تكون في أحيان كثيرة أكثر ضررا من جيوش الغزاة الأجانب وأشد.
شيء واحد مَيز العلاقة بين الدولتين هو أنهما تنسيان خلافاتهما، وتطفئان نيران حروبهما وتتهادنان وتتراضيان وتتفاهمان حين تشعران بخطر داهم يهدد مصالحهما المشتركة وقد يتسبب بضياعها أو جزءٍ منها.
فحين لوح مسعود البرزاني بفكرة الاستفتاء وبما قد يتبعه، شعرت الدولتان، وهما المتحاربتان على أرض العراق وسوريا، بالواسطة، بأن الاستفتاء بحد ذاته، حتى لو لم يتمخض عن استقلال إقليم كردستان العراق، كما لوح البرزاني، إنما هو خطر عظيم داهم يهمُهما معا أن تتفقا وتتفاهما وتتحالفا على خنقه، قبل أن يولد ويكبر وتصبح له أظافر وأنياب، وقبل فوات الأوان.
ودون مقدمات، وبالرغم من اعتقاد العراقيين والسوريين بأن العداوة القائمة بينهما ثابتة ولن تنتهي عما قريب، هبط رئیس الاركان العامة للقوات المسلحة الایرانیة اللواء محمد باقري في انقرة، فجأة، تلبیة لدعوة رسمية تركية على رأس وفد سياسي وعسكري رفيع المستوى.
وفي نهاية الزيارة أكد اللواء باقري، عقب لقائه الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، أن “إيران وتركيا لديهما موقف مشترك إزاء إجراء إقليم كردستان العراق استفتاءَ الاستقلال، موضحا أن كلا منهما يعارض إجراءَ هذا الاستفتاء”.
وقال اللواء إن”الجانبين الايراني والتركي اكدا خلال هذه اللقاءات أنه لو أُجري الاستفتاء فانه سيشكل أساسا لبدء سلسلة من التوترات والصراعات داخل العراق تطال تداعياتُها دول الجوار ايضا”. وأشار إلى أن “هذه الزیارة، وعلى مستوي رئیس الأركان العامة للقوات المسلحة، لم تحدث منذ بدایة الثورة الاسلامیة، وقد جرت حالیا تلبیة لدعوة من المسؤولین الاتراك، وموافقة قائد الثورة الاسلامیة”. واعلن أنه وجه الدعوة الي رئیس الاركان المشتركة للجیش التركي لزیارة طهران “لبحث مجالات التعاون”. ووصف اللواء باقري زیارته لتركيا بأنها “ناجحة جدا حیث ارست التعاون حول العدید من القضایا المهمة، وخاصة منها العسكریة والدفاعیة والامنیة بین البلدین المهمين في المنطقة.”​
ترى هل يفهم (رفاقنا) القادة السياسيون في إقليم كردستان العراق أن عدو عدوي صديقي وصديق عدوي عدوي، وأن على العراقيين، سواء منهم من كان إيرانيَّ الهوى أو تركيَّهُ أو أمريكيَّهُ أو إسرائيليَّهُ، أن يفهموا أن المحتمي بتركيا أو بإيران أو بأمريكا أو بإسرائيل كالمستجير بنارٍ من نار، وذئبٍ من ذئب، وثعبان من ثعبان؟.
وحين يقول رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني “إن مباديء الشراكة في العراق قد انتهكت”، فإنه ورفاقه في القيادات الحزبية الكردستانية ينسون أن تلك المبادي قد انتُهكت من أول تحالفهم مع قادة أحزاب الدين السياسي، قبل الغزو الأمريكي وبعده، حين رفضوا فكرة الدولة الديمقراطية العلمانية العادلة العاقلة، واتفقوا على اقتسام الدولة العراقية، بأهلها وثرواتها، مناصفة بينهم وبين حلفائهم قادة الأحزاب الطائفية العراقية المولَّدة في إيران، حتى وهم يعرفون حق المعرفة بأنهم مخادعون وغدارون ومزورون ولصوص (مستأجَرون على خراب ديارهم، ويكافأون على الخرب رواتبا).
ويغيب عنه وعن رفاقه في القيادات السياسية الكرستادنية أن حلفاءه الإسلاميين الذين انتهكوا مباديء الشراكة، كما يقول، ليسوا أكثر من وكلاء ينفذون ما يرسم لهم وراء الحدود.
وبالمناسة، لقد تردد مؤخرا أن تركيا و إيران تنويان إغلاق المنافذ الحدودية مع إقليم كردستان.
ومن المؤكد أن يتعانق العراقيون، وكلاءُ الولي الفقيه ووكلاءُ الخليفة أردوغان، وينسون خلافاتهم، ليكونوا يدا واحدة أشدَّ في حصار الدولة البرزانية وشعبها من تركيا نفسها، ومن إيران ذاتها.
إذا كانت قطر تمكنت بأموالها الطائلة من تخفيف متاعب إغلاق المنافذ والحدود وبالدعم الإيراني والتركي والروسي، فهل يملك البرزاني أموال تميم؟. وهل يتوقع، هو ومن معه من قادة الأحزاب الكوردستانية، أن تهب إسرائيل لإعانته على الحصار؟. ثم هل سترسل جيشها لمقاتلة الحرس الثوري والحشد الشعبي والجيش التركي، لفك الحصار؟
ثم كيف ظن بأن الإمبراطورية الإسلامية الإيرانية قد تتساهل معه في اقتطاع جزء هام من مستعمراتها؟.
أفلا يستحق العراقيون، عربا وكوردا، شيعة وسنة، من البرزاني وقادة الأحزاب الكردستانية، صحوة ضمير، فيعترفون بأنهم مسؤولون، مناصفة مع حلفائهم الإسلاميين، عن إدخال الدببة والذئاب والأفاعي إلى كَرْمنا الذي هو كَرْمُ شعبهم الكوردي أيضا، وهم غافلون؟.