18 ديسمبر، 2024 9:53 م

إيران وامريكا بعد كركوك

إيران وامريكا بعد كركوك

ايران و امريكا دولتان كبيرتان في النفوذ و القوة السياسية و الاقتصادية و العسكرية … الخ , يعملان من اجل مصالحهما و هذا حق مشروع ، و لكنهما تختلفان في النظام السياسي و الرؤية و الادوات و ادارة الملفات الداخلية و الخارجية .
امريكا ترى في ايران راعية الارهاب و رأس الافعى و مسبب الازمات في المنطقة لتدخلها في سوريا و العراق و اليمن و لبنان و غيرهم , فخلفت وراءها التدمير و التهجير ،و ان امتلاكها الاسلحة النووية يهدد الامن العالمي و يعرضه للخطر ، فاضطرت الى ابرام الاتفاق في عهد الرئيس الامريكي السابق (باراك اوباما)
اما ايران فتصور امريكا بانها الشيطان الاكبر و العدو اللدود للعالم الاسلامي و يحمل مخططات بعيدة المدى لتقسيم المنطقة من اجل مصالحها و تأمين امن اسرائيل و ترفع بالدول لتقف بالصف من توجهات ايران و الحد من تمددها بأدخالها في تحالفات عسكرية و امنية و عقد صفقات اسلحة رهيبة .
اذن تبدو الدولتان متضادتان و متنافستان على المنطقة و لكن السؤال الذي يفرض نفسه الى أي مدى يمكن تصديق صحة هذا التنافس التي لحد الان لم ترق الى المواجهة المسلحة و لم تخرج من اطار التصريحات النارية المتبادلة و احياناً يمكن التصور بأن الدولتان متفقتان في الخفاء و ان كان صراعهما علناً من اجل السيطرة على المنطقة و تركيع الدول تكمن استراتيجيتهما في ادامة الصراع العلني دون الوصول الى المواجهة العسكرية .
ان الادارة الامريكية الجديدة برئاسة (دونالد ترامب) شددت من موقفها تجاه سياسة ايران و عملت من اجل تجميد الاتفاق و قدمت المشاريع و المقترحات المتعددة في سبيل ذلك من المراكز و المؤسسات و التي انتهت بأعلان ترامب عن أستراتيجية جديدة حيال ايران تقضي بأحالة موضوع تجميد الاتفاق النووي الى الكونكرس لأقرارها خلال (60) يوماً و فرض عقوبات اقتصادية اخرى عليها .
يبدو ان ايران ادركت جدية امريكا في هذه المرحلة و انها حازمة ، فبدأت بالدفاع عن موقفها و تفعيل اجنداتها في المنطقة لتضيق الخناق على امريكا و حلفاءها و تهديد مصالحها سواء بالتصريحات السياسية و العسكرية و على ارض الواقع ضاعفت من نشاطها المتمثلة بالتحركات المكوكية لقاسم سليمانى مستشار وزارة الدفاع العراقي ذات النفوذ و القرار و التأثير في المنطقة و بدأ الصراع الايراني الامريكي يتجه نحو التصعيد و التصعيد .
ان الاحداث التي شهدتها مدينة كركوك في 16/10/2017 بدخول القوات العراقية و الحشد الشعبي تحت اشراف (سليمانى) نتيجة انسحاب قطعات من قوات الثيشمةرطة , اشعلت فتيل الصراع الامريكي الايراني و ادخلتها حيز التنفيذ و منها انطلقت أمريكا لتفرض أبعاد سياستها , و دعت (حيدر العبادي) اخراج ميليشيات ايرانية من العراق و تقليض نفوذها , و تم ادراج اسم (ابو مهدي المهندس) نائب القائد العام لفصائل الحشد الشعبي و ثلاثة من فصائلها (عصائب اهل الحق و كتائب النجباء و كتائب حزب الله العراقي) على قائمة الارهاب لولائهم لأيران و تنفيذ سياساتها , و في المقابل دعم حكومة اقليم كوردستان في حوارها مع حكومة العبادي التي تحمل في نواياها السوء لفدرالية الاقليم و تلوح باستخدام القوة العسكرية بحجة بسط القانون و السلطة الاتحادية على كامل اراضي العراق و ان تغيير موقف امريكا من الاقليم بعد اجراء الاستفتاء ادت الى تغيير موقف الاقليم (الوفد المفاوض) مع الحكومة الاتحادية .
و يبدو ان شرارة الصراع تخطت الحدود العراقية لتمدد الى لبنان حيث دفع التدخل الايراني و حزب الله الى استقالة رئيس الحكومة (سعد الحريري) الذي ترك وراءه الاصداء الكثيرة و ادخل البلاد في دوامة و فراغ قانوني لا ينتهي بالخير , و اعتبر ايران استقالته استجابة لضغوط سعودية و امريكية كجزء من استراتيجيتها لبيان مدى تأثير ايران على لبنان و قربها من اسرائيل , و كذلك التطورات العسكرية بين السعودية و قوات الحوثيين بأطلاق الصواريخ الباليستية نحو العاصمة رياض مؤشرات خطيرة على تفاقم الازمة , و اتهام ايران بدعم الحوثيين لزعزعة امن المنطقة و خاصة السعودية الحليف الامريكي .. ناهيك عن ما يشهده الساحة السورية من توترات و تدخلات ايرانية و مواقف متباينة .
و اخيراً و ليس آخراً نشر حوالي (472) الف وثيقة سرية تتعلق بحياة (اسامة بن لادن) زعيم تنظيم القاعدة بعد مقتله في ابوت اباد في باكستان في ايار عام (2011) بموجب قانون التفويض الاستخباري لعام (2014) , هذه الوثائق التي تؤكد العلاقة المتينة بين تنظيم القاعدة و ايران و مدى تعاونها مع القاعدة و مساعدتها من الناحية المادية و المعنوية بالاضافة الى ايواءها لعناصر القاعدة .
ان نشر هذه الوثائق السرية في هذا التوقيت يحمل معاني كثيرة , منها بان امريكا جادة في تقليص نفوذ ايران و انها تشكل البداية لتأسيس تحالف دولي لضربها لأن السياسة الامريكية تبدأ ببدايات بيان الانظمة بأنها تدعم الارهاب و تمتلك الاسلحة (النووية او الدمار الشامل) و غيرها من المبررات التي بها تتهيأ الاجواء و الكراهية الدولية قبل البدء بضربها أي انها تجمع الاسباب لدفع المجتمع الدولي على التحالف معها .
و ان الاحداث المشار اليها دلائل واضحة على انها بدايات لبيان خطورة النظام الايراني في المنطقة و انها تشكل تهديداً لأمن العالم و يستدعي الوقوف بحزم في وجهها .
هذا ما نتصوره و بها فأن المنطقة مقبلة على حرب يدخلها في نفق مظلم يكاد لايرى الطرف الاخر , لأن الدولتان تملكان ما يكفي من الاسلحة و الادوات الفتاكة المدمرة بحيث ادنى شرارة تؤدي بالمنطقة الى الهلاك اعاذنا الله منها و من شرورها .
و لكن السؤال الجاد في مخيلة العديد هل ان امريكا حازمة في مواقفها مع ايران ام مجرد تهيئة الاجواء لحماية مصالحها بصورة غير مباشرة مع ايران و اياً منها فأن الحرب اذا قالت كلمتها فستجر المنطقة نحو الدمار الشامل .