18 ديسمبر، 2024 8:49 م

إيران والولايات المتحدة وفرصة المفاوضات بينهما

إيران والولايات المتحدة وفرصة المفاوضات بينهما

اشتدت الأزمة الدبلوماسية بين الجمهورية الاسلامية والولايات المتحدة في الآونة الأخيرة، من خلال التهديد العسكري والحصار الاقتصادي الذي بدأ يزداد حزماً وضيقاً على صادرات إيران النفطية، مُصاحباً بالتصعيد السياسي والتواجد العسكري الملفت للنظر في مياه الخليج. وبالطبع تخلل هذه التصعيد العسكري التصريحات النارية من كلا الجانبين بأن سيوقع بالآخر الهزيمة النكراء. والعراق بموقعه الجغرافي والاستراتيجي إنما هو في قلب العاصفة، لا يمكن للعراق أن يقف على الحياد بين الطرفين، وسيصبح ساحة صراع عسكري ليس له دخل فيها ولا إختيار، ويكون هو الضحية. وإن وضعت الحرب أوزارها، سيكون الدمار الذي يحل عليه لا يعتبر إلا مثل “الأضرار الجانبية” بين الفريقين المتصارعين، فلا تذرف عليه الدموع ولا يحصل على أي مساعدة ولا “شكر” أو مساعدة من الجانبين المتصارعين، بل حالة إزدراء لأنه لم يقف مع طرف الغالب أو المغلوب. فهو أمر مشابه لما حل بمملكة كمبوديا أثناء الحرب الفيتنامية، هدمت كمبوديا الآمنة المستقرة على رؤوس أبنائها لأنها كانت مطمئنة بلأنها تضن أنها تقف على الحياد وبذلك تتجنب ويلات الحرب والدمار.
ولكن هنالك فرصة كبيرة للحوار والمفاوضات بين الطرفين المتنافسين (إيران وامريكا) على مناطق النفوذ في الشرق الأوسط. فعلى الرغم من أن صقور الولايات المتحدة يلوحون بالعصا العسكرية تجاه إيران ويضيقون بصورة ممنهجة ومستمرة وحثيثة المقاطعة العسكرية التي قد تكون أسوء من الحصار الاقتصادي على العراق في فترة التسعينات من القرن الماضي، إلا أن تلك الصقور الجارحة ومعهم الرئيس ترامب لا يريدون الخوض في حربٍ جديدة، والتي يتوقع أن تكون أكثر ضراوة وتكلفة من حروب إمريكا في إفغانستان والعراق. والسبب الثاني أن الرئيس ترامب شخصياً، صاحب القرار الأول والأخير في إمريكا، سوف لن يقدم على أي نزاع عسكري وحرباً دموية مكلفة في أية منطقة في العالم. فهذا منهجه وهذا وعده الإنتخابي. وثالثاً؛ الشرق الأوسط ليس من أولويات الولايات المتحدة في القرن الواحد والعشرين، فهو يقع على أطراف الصراع الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والصين. كل أهمية المنطقة هو تأمين مصادر الطاقة من النفط والغاز للإقتصاد العالمي وضمان أمن إسرائيل. جميع الأمور والشؤون الآخرى هي ثانوية.
هناك فرصة تاريخية للجمهورية الاسلامية عليها أن تغتنمها قبل فوات الآوان، بغض النظر على الشعارات الثورية والمواقف السياسية المعلنة. فالمفاوضات بين الدول هي من أجل ضمان سيادة الدول وحفظ أمنها وصيانة مصالحها على قاعدة المنفعة المتبادلة فيما بينهم. والمفاوضات الهامة والأساسية هي التي تكون ليس بين الحلفاء والأصدقاء، ولكن بين الأطراف المتصارعة أو المتنافسة. لأنها تحدد طبيعة النظام الدولي أو الاقليمي وترسم آلياته وقواعد العمل فيه وترسم خارطة ساحات التنافس وتحدد وسائل التواصل بينهم لتلافي أزمات الصراع. وهذا مهم للجمهورية الاسلامية وللولايات المتحدة لتلافي المعارك والمواجهات العسكرية وفض النزاعات في مناطق النفوذ.
الرئيس الامريكي ترامب في الوقت الحاضر وهو مقدم على إنتخابات رئاسية وتشريعية في العام القادم يريد أن يحصل على إنجاز تاريخي كبير في العلاقات الدولية. فكل مبادراته التي قام بها وأعلن عنها لا تسير كما كان يطمح له، ومنها: العلاقات مع كوريا الشمالية، التنافس مع الصين، صفقة القرن في الشرق الأوسط. أن التفاوض مع إيران هو فرصته في إبرام إتفاق نووي “جديد” في ثوبه، حتى وإن كان مشابهاً في جوهره للإتفاق السابق. يمكن أن تكون المفاوضات سريعة معه، ليعلن عنها الرئيس ترامب عن إنجاز دبلوماسي كبير له على أنه تفاوض مع قادة الجمهورية الاسلامية وحصل ما لا يحصل عليه الرئيس أوباما من قبله. قد تكون هنالك تغيير وتحوير في العبارات وبنود الإتفاق السابق، ولكن الجوهر يبقى كما هو. فقد أعلن ترامب في زيارته لليابان بأن يريد إتفاقاً حول السلاح النووي، وهذا صلب الإتفاق الحالي بين ايران والدول 5+1. بلا زيادة ولا نقصان.
قد تستفيد ايران من التفاوض مع ترامب مباشرةً، وليس عن طريق الصقور، بأن هذا الإتفاق “الجديد” سوف يُمرر على مجلس الشيوخ الإمريكي للتصويت عليه وإقراره ويصبح نافذاً حتى الإدارات الامريكية المتعاقبة. فالرئيس ترامب، أكثر من أي رئيس إمريكي سابق، سيطر بصورة مُحكَمَة على الحزب الجمهوري. فهذا الحزب الذي يؤيد أكثر من 80 بالمائة من جماهيره الرئيس ترامب، لا يستطيع أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين من معارضة الرئيس، لأنه بالنسبة لأي أحد منهم يمثل إنتحاراً سياسياً. كما أن إنحيازه الكبير لإسرائيل سوف لن يستطيع اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة من معارضة ترامب، فهو أكثر رئيس إمريكي منحازاً اليها في تاريخ الولايات المتحدة.
الجمهورية الاسلامية عليها أن تفاوض منفردة مع الرئيس ترامب، بدون وساطات وأطراف أخرى، هذا ما يعزز بالنسبة له على أنه الإنجازه التاريخي الذي قام به وحده، وأن تتفاوض إيران على جوهر المعاهدة السابق بالاضافة الى التوصل الى توافق على قواعد تنافس وإشباك وحل نزاعات في منطقة الشرق الأوسط، وإيجاد آلية مباشرة للتواصل الدبلوماسي بدون طرف ثالث. وهنا تبرز إيران كقوة دولية صاعدة لا يستهان بها بين الأمم، لأنها ستكون في صلب صناعة القرار في النظام الدولي.