توتر الأعصاب في جسد ولاية الفقيه كانت بدايته مع أول مقولة لدونالد ترامب بعد تسلمه منصبه كرئيس للولايات المتحدة باعتبار إيران الدولة الراعية للإرهاب في العالم.
3 أشهر لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض، فترة قصيرة في حسابات السياسة المسبقة التي كانت تضع جدولا لفترة الإحماء على الخط الدولي الفاصل بينها وبين التفاعل مع اللاعبين الآخرين في الساحة المزدحمة بالتخندقات والتوترات، إلى ما لا يقل عن عام، أي ربع الفترة الرئاسية للإدارة الأميركية الجديدة.
مازالت تلك القراءة عند بعض المراكز البحثية تتأمل في عدم اكتمال طاقم الإدارة وكذلك ما حصل من استبعاد سريع غير متوقع لمستشار الأمن القومي مايكل فلين وتعيين هربرت ماكماستر خلفاً له، ومنها ينطلقون باعتبار كل ما يجري من متغيرات وخطوات عملية على الأرض أو في التصريحات، التي نراها متوافقة رغم أنها تنطلق من مسؤوليات مختلفة؛ لكنهم لا يجدون تبريراً لوصفها كسياسة أميركية مستقرة إلى حدود الثبات على التغيير.
زيارة وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس إلى المنطقة وتنقله في الأماكن والتصريحات ومقولاته عن مخاطر الدور الإيراني: أينما وجدت إيران تكون الاضطرابات موجودة. هي تشخيصات تناولناها مراراً تحت عنوان “فتش عن إيران”، لكن طروحات التعايش مع وقائع السياسة والمعاناة منها وظيفة بطيئة تحتاج غالباً إلى صبر النملة في تقفي أثر الإخفاقات وما يندرج على سلالم الأزمات، وصولاً إلى الحروب وما خلفته من انكسارات ودماء وخسائر فادحة. جهد واسع لإنتاج فكر بشري وتضحيات لإيصال رسالة موضوعية عن المأساة إلى طاولة السياسة الدولية في الأمم المتحدة أو مجلس أمنها أو على طاولة اهتمام دولة كبرى مثل الولايات المتحدة الأميركية.
وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون لم يخرج عن نص وزير الدفاع جيمس ماتيس باعتبار إيران مسؤولة عن معظم الأعمال الإرهابية في المنطقة بما تقدمه من دعم للميليشيات المتعددة الجنسيات والمرتبطة بالحرس الثوري الإيراني.
نيكي هيلي سفيرة أميركا في الأمم المتحدة أكدت مجددا إن إيران هي الدولة الأولى الراعية للإرهاب في العالم، هذا التزامن التصاعدي في المواقف لا يشمل أميركا فقط وفي محددات زمنية قصيرة، بما يعني إن إدارة ترامب دون لبس أو غموض غادرت كسل فترة الرئيس باراك أوباما التي امتازت بالرقود على الاتفاق النووي مع إيران وتبنيه مع الدول الخمس الأخرى.
إيران وجدت في الاتفاق مكسباً وليس تنازلاً عن مشروعها النووي المُرَحَل إلى أعوام قليلة قادمة، خلالها تنفذ مشروعها البديل في التمدد المريح وبضمانة انسحاب الاهتمام الأميركي من الشرق الأوسط، والسماح لروسيا ببسط نفوذها ومصالحها على الرغم من معرفة دول حلف الناتو بردود الفعل الروسية تجاه العقوبات المفروضة عليها بعد ضَمّ شبه جزيرة القرم والنزاع مع أوكرانيا.
ملف الاتفاق النووي مع إيران يراه ترامب ومستشاروه بحاجة إلى مراجعة مشروطة لرفع العقوبات، أي إن الاتفاق ربما يكون وصفة أدوية لعلاج أمراض مزمنة، لأنه مرتبط بسياسة عدد من الدول وقعت عليه وتبنت مصالحها الآنية دون أن تلتفت إلى الدور الإيراني في تنمية الإرهاب ورعايته في العالم.
الإرهاب إذن خطوة أولى متسارعة لإيقاف الطموحات الإيرانية التي اعتقدت أنها استحوذت بالتوقيع على الاتفاق النووي على تحررها من التزامات القانون الدولي، وفرض سيطرتها بمجموعات مسلحة تم تجنيدها وتحفيزها لدعم أدواتها من حكام أو ميليشيات لتؤدي مهماتها في زحزحة الاستقرار وإشعال الفتن بمظاهر طائفية وبجوهر عنصري يحمل في طياته كل عناصر الانتقام التاريخي من العرب والإنسانية.
ملف الإرهاب الإيراني يسحب وراءه الملف النووي كذلك، وتحشيد التصريحات والاهتمام بمعالجة جذور الإرهاب وطرح الجرائم وحجم المداخلات الإيرانية في الدول التي دمرتها الحروب وفي إعادة لجرد الانتهاكات الموثقة للنظام الإيراني، ستضعه على المحك وتفقده الكثير من أدواته التي تنفذ برنامجه التوسعي والاستيطاني خارج حدوده السياسية وخارج الرقابة والرصد.
توتر الأعصاب في جسد ولاية الفقيه كانت بدايته مع أول مقولة لدونالد ترامب بعد تسلّمه منصبه كرئيس للولايات المتحدة باعتبار إيران الدولة الراعية للإرهاب في العالم. ونظن إن الزاوية الحرجة التي حوصرت فيها إيران وبدت كرؤية عميقة الدلالات، حصلت مع زيارة وزير خارجية المملكة العربية السعودية عادل الجبير إلى العراق، وردود فعل الإعلام والتأويلات المنفعلة من أحزاب وشخصيات سياسية برهنت أنّ النظام الإيراني سيغامر كثيراً بشواهد عملية لفرض إرادته في المناطق الساخنة والإعلان الدعائي لميليشياته في الولاء للمرشد خامنئي متجاوزاً الإحراج لعبورها الحدود الوطنية.
لا تَجَنيّ أبداً إذا ما توجهت أصابع الاتهام إلى إيران في كل جريمة أو عمل إرهابي، لأنها باشرت فعلاً ضرباتها تحت الحزام ولا تتورع باستخدام الحياة البشرية على طريقة تنظيم الدولة الإسلامية لغايات سياسية كتنفيذ الإبادات المنظمة، وخلق بؤر للصراع في مناطق خارج حدودها لتأجيل أو إبعاد المخاطر الحقيقية التي تأتي دائماً من الداخل.
لا غرابة في الإعدامات بالمئات داخل السجون ومن معظم الشعوب في الجغرافيا الإيرانية، أو في ضربة خان شيخون الكيميائية، أو الولاء المطلق لقادة الحشد الشعبي، الذي تأسس بالفتوى الخاصة للمرجعية الطائفية في العراق، لكنهم، أي قادة الحشد، تصرفوا كحرس ثوري في الشكل والمضمون والشعارات وأعادوا إلى أذهاننا مقولاتهم وأفعالهم عندما كانوا يحاربون العراق بشعبه وجيشه، والذين تحوّلوا في حاضرنا إلى حدود المدن الداخلية وارتكبوا من الانتهاكات والفظائع ما لا يترك لنا مجالاً للشك بأنهم مقدمون على حماقات كبرى في بقايا معركة غرب الموصل.
وجّهت الميليشيات التابعة للحشد الشعبي في الآونة الأخيرة انتقاداتها للقوات الأميركية، في استشعار منها للرغبة الأميركية في تقليص مهمات الحشد وزيادة دعم القوات النظامية، الذي ربما يدفع الحشد للتصرف خارج السياقات المتفق عليها في معركة الموصل وما يتعلق بمدينة تلعفر، أو بتسليح القوات الكردية بعيداً عن حكومة المركز التي أعلن رئيس وزرائها حيدر العبادي زيادة مخصصات الحشد المالية واستمرار دفاعه عنها كمؤسسة عسكرية وفق القانون، وذلك لا يتماشى مع الحرب العالمية على الإرهاب بقيادة التحالف الدولي وزيادة العديد من القوات الأميركية في القواعد العسكرية العراقية، وفعاليات قتالية على الأرض، ومؤشرات تصعيد تركية ضد الحشد الشعبي التي أقلقت إيران لأنها اعتبرته عودة للعلاقات المشتركة بين تركيا وأميركا.
3 أشهر من إدارة دونالد ترامب أرست معالمها في نقلات مهمة على أكثر من صعيد سياسي وعسكري، يراه بعضهم استعراضيا، لكنه استعراض أدى إلى ضربة صاروخية أجبرت النظام الحاكم في سوريا على تحويل معظم قواته الجوية إلى القواعد الروسية، والأهم أنه خلال فترة الاستعراض الأميركي انزوت الاستعراضات الروسية.
والتعليل أن محور روسيا وإيران أكثر عقلانية وحكمة في معالجة الأزمات؛ وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف يقول “إن همنا ينصب في استعادة روسيا لمكانتها كقوة عظمى”. لكن ماذا عن النظام الإيراني الذي تسبب في كآبة شديدة للعالم حولت منطقتنا إلى سباق تسلح للمظلوميات تتفاوت فيها السرعات للوصول إلى النهاية المحتومة؟
نقلا عن العرب