18 ديسمبر، 2024 8:42 ص

إيران مقبلة على ‘أيام صعبة’ لأنها ‘تلعب بالنار’

إيران مقبلة على ‘أيام صعبة’ لأنها ‘تلعب بالنار’

المواجهة مع إيران قربت الرئيس ترامب من العرب، ولكنها تحمل معها تهديدا بالصدام مع منافس للولايات المتحدة في المنطقة هو اليوم أقوى بكثير مما كان عليه قبل أربعة عقود.

كنّا نفكر بحسم الصراع لصالح جهة واحدة في العراق، وهي الجهة الأقوى وننهي المشكلة، لأن الصراع أساسا طائفي ولا قيمة ثقافية له. فما إن وصلنا إلى هذه القناعة حتى ظهرت إدارة أميركية جديدة، هدفها بالنهاية إضعاف إيران. أنباء عن تحالف عسكري سعودي تركي أميركي لتحرير مدينة الرقة السورية. وهو طبعا يستهدف النفوذ الإيراني.

يحاول رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي تقديم نفسه للرئيس دونالد ترامب كحاكم في دولة ذات سيادة تحكمها مؤسسات ديمقراطية، وكلنا سمعنا رأي ترامب بسيادة العراق، كما سمعنا رأيه بالحكومة العراقية في حملته الانتخابية حيث قال إن العراق لا سيادة له وابتلعته إيران والقادة العراقيون فاسدون وليسوا عراقيين أصلا. هناك هزة تنتظر بغداد بالذات فلن تبقى بهذا الشكل، الوضع غير طبيعي في العراق حاليا.

وكان ترامب قد رد على اختبار صاروخي أجرته إيران في 29 يناير قائلا “إيران تلعب بالنار”، وفرض عقوبات جديدة على أفراد وكيانات ترتبط بالحرس الثوري الإيراني ووصف الاتفاق النووي بأنه “مشين”. تصعيد واضح لا يقبل التأويل حتى أن وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، اعترف بأن إيران قد “تشهد أياما صعبة”.

الطريف في المواجهة الأخيرة هو وحدة الخطاب بين داعش وإيران؛ فقد صرح أحد الجهاديين الدواعش “أما بالنسبة إلى ترامب والصليبيين فهذا هو وجههم الحقيقي” وكذلك صرح المرشد الأعلى علي خامنئي بأن الرئيس ترامب هو “وجه أميركا الحقيقي” الذي تحدثت عنه الثورة الإسلامية منذ عقود.

تحسنت العلاقات بشكل ملفت للنظر بين واشنطن والرياض، فقد صرح وزير الأمن القومي الأميركي جون كيلي “لم ندرج السعودية على لائحة الدول الـ7 الممنوعة من دخول البلاد لامتلاكها نظام تحقق من المسافرين”. والمذهل هو رودي جولياني المقرب من الرئيس والذي كان عمدة مدينة نيويورك أيام أحداث 11 سبتمبر 2001 والمعروف بتشدده وتأثيره الواسع قال مؤخرا وبلغة مؤثرة إن المملكة العربية السعودية قد فعلت الكثير في سبيل مكافحة التطرف، وإنها اليوم تختلف كثيرا عنها قبل 15 عاما. وهذه حقيقة لكل منصف، فالسعودية اليوم رائدة في مكافحة الإرهاب السني قبل الشيعي.

لقد وقع خبر تكريم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف كالصاعقة على إيران حيث تسلم الجمعة 10 فبراير في الرياض ميدالية “جورج تينت” التي تقدمها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وذلك “تقديرا لعمله الاستخباراتي المميز في مجال مكافحة الإرهاب، بالإضافة إلى إسهاماته غير المحدودة لتحقيق الأمن والسلم الدوليين”، وسلم الميدالية لولي العهد السعودي مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية مايكل بومبيو. وعقب تكريمه، قال محمد بن نايف “إن جميع الأديان السماوية تتبرأ من المعتقدات والأفعال الشيطانية للفئات الإرهابية”.

المواجهة مع إيران قربت الرئيس ترامب من العرب، ولكنها تحمل معها تهديدا بالصدام مع منافس للولايات المتحدة في المنطقة هو اليوم أقوى بكثير مما كان عليه قبل أربعة عقود. لقد وضع مستشار الأمن القومي الجديد (قبل أن يستقيل) مايكل فلين إيران “تحت الإنذار” ويعتبر ذلك ابتعادا كبيرا عن السياسة السابقة للرئيس باراك أوباما التي اعتمدت التقارب والحوار لمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، وغض الطرف عن سياسة طهران التوسعية. ترامب يقول إن الإيرانيين يلعبون بالنار ولا يقدرون كم كان الرئيس أوباما لطيفا معهم. وزير الخارجية الإيراني يقول “نحن لن نبدأ حربا”، لا توجد رغبة لدى طهران بالمواجهة مع إدارة جديدة يصعب التكهن بردات فعلها.

ومؤخرا صرح مسؤولون أميركيون بأن إدارة دونالد ترامب تبحث اقتراحا قد يؤدي إلى تصنيف الحرس الثوري الإيراني كجماعة إرهابية. وردا على سؤال صحافي البارحة للرئيس ترامب حول جوابه لتصريح سابق للرئيس حسن روحاني بأن أي دولة تهدد الأمة الإيرانية سوف تندم، قال بلهجة ساخرة واضحة “أفضل لك أن تكون حذرا” حتى رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو وجه نداء إلى رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي يحثها على اللحاق بالولايات المتحدة وفرض عقوبات على إيران، “إيران تريد تدمير إسرائيل، تريد السيطرة على الشرق الأوسط، وتهدد أوروبا، وتهدد الغرب بل تهدد العالم”.

الولايات المتحدة تواجه دولة أقوى بكثير من السابق، فقد استغلت إيران حالة عدم الاستقرار التي مرت بها المنطقة وقامت خلال ست سنوات باستثمار ذلك لصالحها في التوسع خارج حدودها. لمواجهة طهران ودفعها للتراجع ربما تجد الولايات المتحدة نفسها متورطة بصراع تصعب السيطرة عليه ومدمر للاقتصاد العالمي أكثر مما تتحمله شعوب الدول العربية الحليفة لأميركا.

لا توجد دولة إقليمية أخرى يمتد نفوذها من حدود الناتو إلى حدود إسرائيل وعندها ميليشيات مسلحة بالعشرات من الآلاف بل حتى على الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، سوى إيران. مراكز الدراسات الأميركية نفسها اعترفت بأنه لا توجد دولة في المنطقة تستطيع قيادة حروب بالوكالة في العراق وسوريا واليمن، ويقع تحت نفوذها الآلاف من المسلحين بحيث تخوض طهران حروبا تبعد المئات من الأميال عن حدودها الرسمية.

القلق اليوم على المئات من المستشارين العسكريين الأميركيين في معركة الموصل إضافة إلى 6 آلاف جندي أميركي تم إرسالهم مؤخرا إلى العراق، هؤلاء سيتعرضون للخطر من قبل الميليشيات الشيعية إذا حدثت مواجهة بين البيت الأبيض وطهران. المتحدث باسم حزب الله في العراق جعفر الحسيني قال “نحن ننظر إلى الأميركيين كعدونا الأول. مصدر الشر في العالم، المصالح الأميركية تحت رقابتنا وتقع ضمن مدى أسلحتنا. إذا تصرفوا بحماقة سنمحو مصالحهم ونستطيع مهاجمة قواعدهم متى شئنا”. بعد هذا التصريح بأيام تم اغتيال أمين عام حزب الله في محافظة البصرة السيد باسم الصافي.

من جهتها، كتبت المديرة الروسية لمعهد البحوث والمبادرات السياسية الخارجية، فيرونيكا كراشينينيكوفا، مقالا لصحيفة “كومسومولسكايا برافدا” تقول إن إيران هي آخر دولة مستقلة من حيث المبدأ في الشرق الأوسط، والتي لم تستطع الولايات المتحدة إخضاعها على مدى أربعين عاما. هي حضارة فريدة قائمة بنفسها، بهوية ذاتية قوية كما هي روسيا. وتضيف فيرونيكا أن هناك عقبة كبيرة تقف في طريق النوايا الأميركية العدوانية تجاه إيران، هي روسيا، والآن تبحث واشنطن عن إسفين يجب دقه بين البلدين. تجرأت المستشارة الروسية على القول إن مكافحة الإرهاب لا تمر بقطع علاقات روسيا بـ”شريك حقيقي” مثل إيران و”على ترامب فقط أن يرفع سماعة الهاتف ويتصل بالسعودية، قطر وكذلك بتركيا أيضا”.

وفي سوريا هناك تحالف روسي إيراني عمل على حماية نظام الرئيس بشار الأسد، وفي النهاية التحقت تركيا بهذا التحالف دون وجود الولايات المتحدة. من الصعب تخيل دور لأميركا في سوريا فلم يعد لها حلفاء سوى بضعة أكراد هائمين على وجوههم.

إيران قدمت قواعد عسكرية جديدة لروسيا بحجة ضرب الدواعش واستكملت منظومة صواريخ أس-300. إن الهدف واضح وهو زج الروس في تحالف عسكري ليس لحماية بشار الأسد فقط بل لحماية إيران، خصوصا وأن أميركا في عهد ترامب ليست أميركا في عهد أوباما. وكما قال العاهل الأردني عبدالله الثاني بعد زيارته الأخيرة إلى واشنطن إن المنطقة مقبلة على تغيرات وعواصف خلال العام الحالي.

في سوريا الروس يسيطرون على الجو وعلى الأرض، بينما تقود تركيا المتمردين، لكن إيران هي التي قادت الحرب بالوكالة وملأت الجبهات الأمامية بالميليشيات الشيعية القادمة من لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان، وبسطت هذه الميليشيات نفوذها من مدينة حلب قرب الحدود التركية حتى مرتفعات الجولان، حيث الحدود مع إسرائيل. كيف يقضي ترامب على النفوذ الإيراني في سوريا، بينما يعلن عن صداقة خاصة مع روسيا ورغبة ببقاء الرئيس بشار الأسد؟

الكويت من جهتها تسعى للسلام لعدة أسباب أهمها عدم رغبتها بعودة القوميين السنة إلى الحكم في بغداد. تبدو الكويت مرتاحة أكثر مع حكم شيعي عراقي. ذكرت وكالة الأنباء الكويتية أن الكويت رحبت باستعداد إيران للحوار مع دول الخليج العربية، قائلة إن المحادثات ستساعد على الأرجح في إنهاء الحرب الأهلية في كل من سوريا واليمن. والحقيقة هي أن السعودية نفسها لا تسعى إلى التصعيد، ونرى في خطاب المملكة الرسمي مودة للشيعة العرب وحرصا على الشعب الإيراني. الخطاب السعودي سياسي وليس عنصريا في هذا الصدد.

السؤال الواقعي هو كيف يمكن حصار إيران بينما العراق يحكمه الإسلاميون الشيعة؟ ما هو دور السنة التاريخي في البلاد إذن؟ أليس تنفيذ سياسة أميركا المتعلقة بإيران؟ الشيعي لا ينفذ لاعتبارات كثيرة. هذه الحقيقة مثيرة للقلق لدى القادة العراقيين خصوصا تصريح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الغامض من أنقرة “إن هناك اتفاقا في المواقف السعودية والتركية بشأن العراق وسوريا، والتصدي لتدخلات إيران في المنطقة”.

في العراق رسالتنا واضحة للناس وهي لا تقتل نفسك في سبيل مذهب ديني. جميل أن نتعايش معا ونقبل بالمختلف “إذا ذهب الحمار بأم عمرو/ فلا رجعتْ ولا رجع الحمارُ”. على الإنسان تقديم تنازلات حتى لو خسر الفقير “حماره” مقابل ذلك. نوري المالكي لا نعرف كم بلغت ثروته، ولا ثروة أسامة النجيفي، ولكنها ثروة لا يملكها دونالد ترامب. ويحدثوننا عن علي بن أبي طالب الذي يأكل الخبز اليابس، وعمر بن الخطاب الذي ينام في ظلال الشجر. تجارة الطائفية تلفظ أنفاسها الأخيرة كما يبدو، وهناك حملة عالمية لمصادرة أموال الفاسدين ومحاكم دولية في الطريق.

العرب لا يكرهون الشعب الإيراني، بل على العكس القادة العرب عندهم تخوف من تكرار تجربة العراق، حيث جاع الفقراء ولم يتضرر النظام الحاكم من الحصار. نحب المدن الإيرانية العريقة ونتمنى زيارتها، نحب طالبات المدارس في طهران وعجائز شيراز وفلاحي أصفهان، نحب موسيقاهم وسجادهم وصبرهم وشعرهم وغناءهم، لكن سياسة بلادهم الطائفية والدموية مشكلة كبيرة جدا.

أما شيعة العراق فقد عرضت السعودية نفسها لانتقادات كثيرة في سبيل الدفاع عنهم. وأرسل العاهل السعودي سفيره ثامر السبهان إلى بغداد للتفاوض والمصالحة، وحث العراقيين على التخفيف من الطائفية والعودة إلى الصف العربي، حتى عرّض الرجل حياته للخطر لأجل عاصمة الرشيد. في المهرجانات الثقافية لمسنا حرصا خليجيا لا على مشاركة المبدعين الشيعة فقط، بل تشجيعهم ومنحهم جوائز تقديرية.

الحزن الشيعي العراقي لا مثيل له في العالم العربي، بل لا مثيل له في العالم. شيعة العراق ليسوا ميليشيات بل دموع حرى ممطرة تطفو في أغانيهم وفنونهم. تشيعهم ليس كتبا مقدسة، بل آهات وعذابات من أسلافهم الفلاحين الفقراء المسالمين. لا يمكن لك أن تسيء فهمهم إذا كانوا في أحسن حالاتهم. إن عقيدتهم نابعة من الطين كالشجر، وليست كتبا سماوية فقط لكأن كتابهم المقدس في حالة صيرورة أبدية، يعيدون صياغته في كل قصيدة حزينة. إن حياتهم تأويل للمأساة المتجددة لمصير الإنسان العراقي. إنهم سواد العراق. شيعة العراق ليسوا مؤمنين تقليديين، بل في حالة شجار دائم مع السماء.

لهذا كله نرى العرب يعرضون على إيران الانسحاب من المنطقة العربية، والتصالح على حسن الجوار، وعدم الزج بالشيعة العرب في ميليشيات ولاية الفقيه. هناك حرص عربي كبير على السلام لأنه ركيزة الرفاه الاقتصادي والاستقرار.

نقلا عن العرب