22 يونيو، 2025 11:43 ص

إيران ليست ليبيا ولا الشيعة يوقعون على وثائق إذلال

إيران ليست ليبيا ولا الشيعة يوقعون على وثائق إذلال

تعيش المنطقة لحظة مفصلية في صراع الإرادات بين واشنطن وطهران صراع لم يكن يوما محكوما فقط بموازين السلاح والاقتصاد بل ظل دوما يحمل في جوهره معركة مفاهيم ورؤى واستراتيجيات متباينة بالكامل فإدارة ترامب حين دخلت حلبة المواجهة مع إيران لم تكن تسعى فقط لوقف برنامجها النووي بل كانت تتطلع إلى إسقاط كل عناصر القوة الإيرانية وتجريدها من وسائل الردع والضغط وتحويلها إلى نموذج يشبه ما حدث في ليبيا معمر القذافي حينها وثق بالضمانات الغربية وسلم ملفه النووي طواعية ظنا منه أن الغرب سيحترم التفاهمات فكانت النتيجة انهيار النظام ومشهد النهاية في شوارع سرت

ترامب وإدارته ظنوا أن طهران ستكرر ذات الخطأ وستقبل بالعرض الأمريكي الذي يبدأ بالتفاوض وينتهي بالاستسلام الكامل لم يدركوا أن إيران ليست ليبيا ولا العراق ولا حتى سوريا إيران كيان عقائدي ذو مشروع استراتيجي ممتد يتجاوز حدود الجغرافيا ويستمد شرعيته من رمزية دينية وتاريخية تترسخ في الوعي الجمعي الشيعي

من لم يفهم أن الثورة الإيرانية لا تزال تعيش في وجدان قادتها ونخبها ومجتمعها على أنها امتداد حي لثورة كربلاء لن يدرك لماذا يصر الإيرانيون على الصمود ولماذا يفضلون المواجهة على أن يعيشوا بذل ويخضعوا لشروط المنتصر شعار هيهات منا الذلة ليس مجرد جملة ترفع في المواكب الحسينية بل هو مبدأ عقائدي يحمل ثقلا نفسيا وروحيا يجعل الموت خيارا مفضلا على الحياة المهينة إيران تقاتل لأنها تؤمن بقضيتها ولأنها تعرف أن مصير من وثق بالوعود الغربية كان دائما الانهيار والدمار لا فرق في ذلك بين صدام الذي خسر كل أوراق القوة ليواجه المقصلة الأمريكية أو الأسد الذي تعرض لواحدة من أعنف حملات الحروب المركبة في العصر الحديث القيادة الإيرانية تمضي بخطى محسوبة في خياراتها الصدامية لأنها تراهن على صبرها وعلى قدرتها على التكيف مع العقوبات والضغوط وعلى أدواتها المنتشرة في الإقليم من الخليج حتى المتوسط كما أنها تعتمد على عقيدة سياسية وأمنية تجعل من التفاوض وسيلة وليس غاية وتجعل من الحرب فرصة لإعادة إنتاج القوة وليس تهديدا لوجودها ترامب فشل في فهم طبيعة إيران وفشل في إسقاط تجربة ليبيا عليها تماما كما فشلت إدارات أخرى في تفكيك مفاهيم العقيدة الشيعية الثورية التي تستمد طاقتها من مأساة تاريخية لا تزال حية في ضمير أمة تؤمن أن الدم ينتصر على السيف وأن الكرامة لا تباع ولا تشترى لقد أرادت واشنطن تجريد إيران من سلاحها ومشروعها وتأطيرها داخل حدود الدولة التقليدية لكن إيران ترى نفسها أمة رسالة لا دولة وظيفة وتعرف أن الاستسلام بداية النهاية ولهذا فإن خياراتها تختلف وأسلوبها في التعامل مع الأزمات مختلف ومن يظن أن إيران ستجلس على طاولة مفاوضات لتوقع وثيقة استسلام كما حدث في سرت أو بغداد فهو لم يقرأ التاريخ ولم يفهم العقيدة

أحدث المقالات

أحدث المقالات