19 ديسمبر، 2024 1:16 ص

إيران.. رسالة السيستاني هل وصلت؟

إيران.. رسالة السيستاني هل وصلت؟

لم يكن متوقعا، ان يستقبل المرجع الشيعي الاعلى علي السيستاني يوم الاربعاء 13 آذار (مارس) 2019 في مقر اقامته بمدينة النجف، الرئيس الايراني حسن روحاني ووزير خارجيته وسفيره في بغداد. ذلك انها المرة الاولى التي يستقبل فيها رئيسا ايرانيا، بعد ان كان قد رفض استقبال الرئيس السابق محمود احمدي نجاد في العام 2013 وشخصيات ايرانية محافظة، والحاكم المدني بول بريمر، وابدى ممانعته عن استقبال كبار المسؤولين في العراق ودول العالم على السواء. ربما جاء استقباله الرئيس الايراني ضمن سياسة انفتاح جديدة، أو ليقول له كلاما مباشرا وصريحا، لم يسمعه من رئيس الجمهورية برهم صالح أو من رئيس الوزراء عادل عبد المهدي اللذين استقبلاه في بغداد.

وكان في كل مرة يستقبل فيها مسؤولا في البعثات الانسانية والحقوقية والاغاثة الدولية ومنظمة الامم المتحدة العاملة في العراق، يؤكد له على ان “العراقيين دفعوا ثمنا باهظا في دحر الإرهاب الداعشي تمثل في أعداد كبيرة من الشهداء والجرحى والمعاقين وخراب مناطق واسعة من البلاد وكلفة مالية هائلة، وهناك حاجة ماسة إلى إعادة إعمار المناطق المتضررة بالحرب وإرجاع النازحين إليها بعد القيام بتأهيلها”.

لقد كانت الحرب الدموية الطاحنة التي اشتعلت بين البلدين الجارين، العراق وايران، والتي استمرت 8 سنوات عجاف (1980- 1988) واحرقت الاخضر واليابس، سببا مباشرا في جفاء العلاقات بين البلدين. إلا ان سقوط نظام صدام حسين في نيسان عام 2003 انعش آمال ايران في العراق وطموحاتها في تنمية وتوسيع نفوذها السياسي والاقتصادي فيه، مستثمرة بذلك علاقاتها القوية مع الاحزاب الاسلامية، التي كانت تتخذ من ايران منفى ومأؤى لها وتستلم منها المساعدات والعون اللازم، وهي ذاتها الاحزاب التي سيطرت على مقاليد الحكم في بغداد، خاصة حزب الدعوة الاسلامية والمجلس الاسلامي الاعلى العراقي.

وعقب تأسيس قوات الحشد الشعبي في 13 حزيران (يونيو) 2014 على ضوء الفتوى التي اصدرها المرجع السيستاني، بوجوب الجهاد الكفائي لتحرير الاراضي العراقية من براثن تنظيم “الدولة الاسلامية”، ازداد النفوذ الايراني والتدخلات في الشؤون العراقية، من خلال ادواتها في العراق وما تمتلكه من فصائل شيعية مسلحة في تشكيلات قوات الحشد، التي يقدرعديدها بعشرات الآلاف، مثل “منظمة بدر” و”عصائب اهل الحق” و”سرايا الخراساني” و”كتائب حزب الله” و”النجباء”، وكلها ترتبط دينيا وعقائديا بالمرشد الاسلامي الاعلى للثورة الاسلامية علي خامنئي، الذي كان قد افتتح له في 30 حزيران (يوليو) 2015 مكتباً رسمياً في النجف، وتم تعيين آية الله مجتبي الحسيني الشيرازي معتمدا ووكيلا، ليقوم بجمع اموال الزكاة والخمس وتوزيع المساعدات المالية على طلاب الحوزة، وإصدار بيانات خاصة بالشأن العراقي والترويج لولاية الفقيه.

جاء تأكيد المرجع السيستاني للرئيس الايراني على “وجوب ان يبقى السلاح بيد الدولة واجهزتها الامنية واحترام السيادة العراقية” بمثابة رسالة ذات دلالات واضحة الى ايران، التي تدعم الفصائل المسلحة في العراق وتعزز من نفوذها العسكري والسياسي بشكل متزايد، مرحبا في الوقت نفسه “بأي خطوة في سبيل تعزيز علاقات العراق بجيرانه دون التدخل في شؤونه الداخلية او المساس بسيادته”.

ان المرجع السيستاني، العارف بردود افعال الناس وبالمظاهرات والاحتجاجات التي عمت البصرة في تموز (يوليو) 2018 احرقت فيها صور الامام الخميني ورددت شعار “ايران برة برة والبصرة تبقى حرة”، متيقن تماما من انتفاء الحاجة الى إبقاء السلاح سائبا بيد المليشيات وبعض الفصائل المسلحة خارج إطار القوات المسلحة العراقية، والذي ما زال يطلق على “قوات الحشد الشعبي” تسمية “المتطوعين”. وكان قد دعم في عام 2014 فكرة تأسيس قوات “الحرس الوطني” التي ضمت الفصائل الشيعية والعشائر السنية، بعد انسحاب الجيش العراقي من المناطق التي احتلها تنظيم “الدولة الاسلامية” داعش.

ان لمرجعية السيستاني في النجف نفوذا كبيرا، وتحظى بتأييد جماهيري، ليس في اوساط الملايين من اتباعها ومقلديها فحسب، بل من العراقيين عموما بمختلف مشاربهم، وكذلك من قبل الرأي العام العربي والاقليمي والدولي. فقد حاولت المرجعية ان تكون حاضرة في جميع المنعطفات الخطيرة، التي لم تكن الحكومة فيها قادرة على درء الاخطار وإخماد الفتن. وما زال هنالك اعتقادا ساريا في العراق، في اعتبار المرجع السيستاني صمام الآمان وسدا منيعا في الحيلولة دون الانجرار الى الازمات والاحتقانات الطائفية، باعتباران المرجعية قد التزمت بمنهج الاعتدال وبمبدأ فصل الدين عن الدولة، وهي الداعية الى تأسيس دولة مدنية، وحماية واحترام حقوق اتباع الديانات والمذاهب في العراق.

ترى، هل وصلت رسالة السيستاني الى القيادة الايرانية في طهران، والمتمثلة بإحترام السيادة العراقية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية وحصر السلاح بيد الدولة واجهزتها الامنية؟