23 ديسمبر، 2024 1:09 ص

إيران تلوي ذراع اميركا في العراق

إيران تلوي ذراع اميركا في العراق

بات من المعروف للقاصي والداني، ولأي مطّلع في السياسة الدولية, إن مشكلة العراق الرئيسية، نابعة من الصراعات الدولية على أرض العراق، حتى صار العراق ساحة لتصفية الحسابات الدولية على أرضه، بدلا من تخريب بلدانهم. وهذا ما يفسر حجم الدمار في العراق.
وفي مقدمة هذه الصراعات، هو الصراع الاميركي-الايراني، الذي من المتوقع أن يتفاقم في عهد الرئيس الاميركي الجديد ترامب، بعد أن شهد تهدئة وشبه إتفاق في عهد الرئيس السابق أوباما ذي الاصول المسلمة.
ومنذ البداية،وتحديدا عام 2002، كان الاتفاق مع إيران ليس سهلا، نظراً لاختلاف سياسة البلدين، ونظرة أحدهما للاخر. فإيران كانت منذ قيام الثورة عام 1979وحتى توقيع الاتفاق النووي عام 2015 ترى في أمريكا الشيطان الاكبر، في حين إن أمريكا ترى فيها محوراً للشر في العالم. إلا إن الادارة الاميركية في عهد الرئيس بوش إستطاعت إقناعهم بالمشاركة في التخلص من عدوها اللدود صدام حسين الذي أذاق المرشد الاول للثورة الاسلامية الخميني كأس السم طيلة ثماني سنوات من الحرب (1980-1988)، وقد لعب أكراد العراق دوراً في ذلك. كما إن إيران وجدت في ذلك، فرصة ذهبية للانتقام من العراق عموماً. وقد أرسلت إيران عملاءها ومواليها من العراقيين السابقين الذين رعتهم ودربتهم طيلة 23 سنة، وفي مقدمتهم اعضاء حزب الدعوة والمجلس الاعلى وقوات بدر وغيرهم. وتمكنت من خلالهم من قتل الكثير من الطيارين العراقيين وضباط الجيش العراقي الذين شاركوا في الحرب ضدهم، ودمرت كل المصانع العراقية، وسرقت كل ما أمكنها نقله الى إيران، ونهبت ثروات العراق التي بلغت أكثر من 800 مليار دولار طيلة ثماني سنوات من حكم رجلها الاول (جواد) نوري المالكي (2005-2013)، في وقت تزامن فيه فرض العقوبات الاقتصادية الدولية عليها منذ 2006.
ومن جانب آخر، فقد سعت الى إبعاد الخطر الامريكي القريب من حدودها في العراق بإنسحاب أكثر من 150 الف من القوات الاميركية، فحرّضت رجلها الاول المالكي بعقد إتفاقية أميركية-عراقية لسحب قواتها من العراق، وتحقق لها ذلك في ظل الادارة الاميركية الجديدة لاوباما أواخر عام 2008.
إلا إن الادارة الاميركية سعت للتخلص من المالكي ومنع توليه الولاية الثالثة أواخر عام 2013، من خلال تنظيم الدولة (داعش) الذي إحتل الموصل وثلث العراق في حزيران 2014. وجرى تسليم السلطة لشخص ضعيف من حزب الدعوة موالي للولايات المتحدة أكثر من مولاته لايران، وهو حيدر العبادي (بريطاني الجنسية). وبالمقابل، فقد أصرت إيران على إستبعاد واحد من أبرز رجال الولايات المتحدة في العراق، ألا وهو الكردي هوشيار زيباري من وزارة الخارجية.
وهكذا نجد إن كل خطوة، أو فعل من جانب أي طرف، كانت تقابل بخطوة مماثلة، أو برد فعل مناسب. وهكذا فقد سعت إيران الى إعادة المالكي للحكم بمنصب نائب رئيس الجمهورية، وبالمقابل أعيد زيباري لمنصب وزير المالية، بعد أن كان المنصب من حصة روز نوري شاويس، الذي أدى القسم الحكومي لتسلمه المنصب، ولكنه لم يبقى فيه أكثر من 15 يوماً. إلا انا استطاعت من إزاحته تماما من المشهد السياسي بعد إستجوابه في البرلمان وسحب الثقة منه في 2016.
ووفقا للتوجه الاميركي، ونزولا لرغبة الشعب العراقي، فقد بدأ العبادي الذي إعتقد إنه محمي من الادارة الاميركية لاوباما، أو هكذا أوحى للعالم، جملة من الاصلاحات تحت تأتثير التظاهرات العارمة التي عمت العراق والمعروفة بتظاهرات ساحة التحرير، وغيرها من مدن العراق. فألغى مناصب رئيس الجمهورية، إلا إن المحكمة الاتحادية إعادتهم الى مناصبهم عام 2016. وتحت تأثير المطالبات الشعبية بمحاكمة المالكي، هرب الى إيران في 18/8/2015 بحثاً عن الحصانة او اللجوء، إلا إن إيران أعادته بعد أربعة أيام فقط على متن طائرة إيرانية، بعد أن رأت إن ورقته ما زالت صالحة للاستعمال، ولم تستنفذ بعد.
وظلت إيران تسعى، وحتى الان، الى إعادة المالكي للسلطة، وإزاحة العبادي، لاسيما وانه مازال يبدو أقوى من منافسه كثيراً.
وقد سعت الولايات المتحدة إلى العمل لاستعادة الموصل أواخر عام 2016 لاستثمارها في الدعاية الانتخابية للحزب الديمقراطي ومرشحته هيلاري كلينتون، إلا إن بشائر خسارتها بانت سريعاً، مما قلل الحماس الامريكي لذلك. وبالمقابل، فقد سعت إيران وبقوة الى الزج بميليشياتها أو الفصائل المسلحة الموالية لها في العراق الى المشاركة في عملية تحرير الموصل، إلا إن الولايات المتحدة إستبعدت ذلك تلافيا لحالات انتقام كبيرة تقوم بها إيران لسكان الموصل من السنة.
وبعد فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة، فقد ظهرت دلائل كثيرة على تصعيد الموقف بين أمريكا وإيران. فقد أشار البرنامج الانتخابي لترامب، عدد من المؤشرات بالمواجهة مع إيران، ويمكن تلخيصها بما يلي:-
1. أن أصل خراب الشرق الأوسط، ومصدر وجع الرأس الأميركي والأوروبي، معا، وسبب ظهور تنظيمات الإرهاب الإسلامي، سنية وشيعية، هي الدولة الفاشلة المتخلفة المؤذية، إيران.
2. تعيين كبار المسؤولين في إدارته ممن يحملون توجهاً حول ضرورة تغيير النظام في إيران، بكل الوسائل الممكنة. وفي مقدمتهم وزير دفاعه جون ماتيس، الذي سُمي ب”الكلب المجنون”.
3. تصريحاته الكثيرة التي تعبر عن نظرته حول إيران.فقد كان ترامب قد وصف خلال حملة الانتخابات الرئاسية – الاتفاق النووي المبرم بين اإيران وبريطانيا والصين وفرنسا والولايات المتحدة وروسيا واألمانيا والصين بـ”الكارثي” وهدد بإلغائه.فيما نصحه رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو قائلا: لايمكن إلغاءه، ولكن يمكن البحث عن مبرر لذلك. كما أعطى ترامب رأيه في الحكومة العراقية بقوله: لا توجد حكومة في العراق، فإيران تتحكم بكل شيء. وقد أعرب بعد ذلك صراحة، بأن قرار غزو العراق، هو أسوأ قرار في تاريخ الولايات المتحدة. وردّ مرشد الثورة الإسلامية الإيرانية علي خامنئي على ذلك بقوله، إن بلاده “ستحرق” الاتفاق النووي إذا انتهكه الطرف الآخر، واستمر البعض في التهديد بـ”تمزيقه”.
4. تصريحات بعض المقربين من ترامب، أمثال رودي جولياني عمدة نيويورك الاسبق، الذي قال في حديث لصحيفة “وول ستريت جورنال”، جاء فيها:
* “إن المشكلة الرئيسية بالنسبة لنا هي ‘المملكة’ الإيرانية المذهبية التوسعية، حيث أصبح العراق دولة تابعة لتلك ‘المملكة'”.
* “نحن الذين سلمنا العراق للإيرانيين، وكان الخطأ الأكبر الذي ارتكبناه”. “كما أن الطريقة التي خرجنا بها من العراق كانت أكبر خطأ في التاريخ الأميركي”.
* “فبعد أن سلمنا العراق لإيران سلمناها سوريا أيضا”.
* “لقد أصبح هناك شرق أوسط شمالي يضم إيران والعراق وسوريا واليمن، وآخر جنوبي يضم دول الخليج والأردن ومصر، وهذا يعني أن حربا قد تندلع إن لم نقم باحتواء إيران ونكبح جماحها”.
5. كما صرح جون بولتون سفير الولايات المتحدة السابق في الامم المتحدة، والمقرب من ترامب
في لقاء صحفي نشرته صحيفة هافينغتون بوست الأميركية، بضرورة تغيير النظام في طهران، مؤكدا على أن “رجال الدين في طهران هم أكبر تهديد للسلام والاستقرار في المنطقة والعالم”.
6. أقرار مجلس الشيوخ الأمريكي تمديد العقوبات المفروضة على إيران لمدة 10 سنوات أخرى، ما يعني معاقبة الشركات الأمريكية التي تتعامل مع طهران. وكانت إدارة الرئيس باراك أوباما قد عبرت عن اعتقادها بأن تجديد العقوبات لا لزوم له. وقد رأت فيه إيران “إنتهاكا” للاتفاق النووي.
وسبقت إيران أميركا في خطواتها في العراق، ففي 14/1/2017 عينّت العميد “ايرج مسجدي” المستشار الأعلى لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الجنرال قاسم سليماني، بمنصب سفير إيران في العاصمة العراقية بغداد. في الوقت الذي رأت فيه السعودية بأنه “مجرم حرب”.
في حين أصدر الرئيس ترامب أمراً تنفيذياً بتاريخ 27/1/2017 بحظر دخول مواطني سبع دول من بينهم إيران والعراق.
وردّت إيران بخطوة عسكرية مثيرة، حيث أجرت أول اختبار صاروخي في عهد ترامب، بعد يومين من توقيع الرئيس ترامب أمراً تنفيذياً الجمعة الماضية، يقضي بمنع دخول مواطني 7 دول إسلامية هي إيران والعراق وسوريا واليمن وليبيا والسودان والصومال إلى الولايات المتحدة. ووصفت وزارة الخارجية الإيرانية الخطوة بأنها “مهينة” وقالت إنها سترد بالمثل. إذ قالت في بيانها: “إن قرار الولايات المتحدة بفرض قيود على سفر المسلمين للولايات المتحدة، ولو لفترة مؤقتة لثلاثة أشهر، هو إهانة واضحة للعالم الإسلامي، وعلى وجه الخصوص إلى أمة إيران العظيمة.”
فعادت الولايات المتحدة وطلبت في 31/1/2017 عقد جلسة طارئة بالأمم المتحدة بشأن الصاروخ الايراني على ضوء التجربة التي اجرتها ايران في 29 كانون الثاني على اطلاق صاروخ متوسط المدى. فأصدر مجلس الأمن الدولي قراره بأحالة موضوع إطلاق إيران لصاروخ بالستي إلى لجنة التحقيق المشرفة على تطبيق القرار2231، والذي صدر في يوليو/ تموز لعام 2015، ودعم الاتفاق النووي بين إيران ودول الـ 5+1. وربما ستكون الحجّة أو المبرر الذي نصحهم به نتنياهو لإلغاء الاتفاق النووي.
وبالمقابل أعلن وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، بعد الحظر باربعة أيام ، عن قرار طهران تعليق منح تأشيرات الدخول إلى الأراضي الأمريكية للأمريكيين، ردا على منع الإيرانيين من زيارة الولايات المتحدة.
ومن جانب آخر، قررت الكومة العراقية الى الدخول في هذا الصراع الدولي الى جانب إيران. فبعد مماطلة إستمرت شهوراً طوال، ، عيّنت بتاريخ 30/1/2017، وفي خضم الصراع الدولي المذكور، أحد قادة منظمة بدر الموالية لايران، وزيراً للداخلية، الا وهو قاسم الاعرجي أحد مساعدي هادي العامري. والاكثر من ذلك، فقد أعلنت حكومة بغداد الموالية لايران في أجرأ موقف لها منذ سقوط بغداد، وهي التي جاءت على ظهور الدبابات الاميركية عام 2003، فقالت مصادر مطّلعة إن البرلمان العراقي يدرس إيقاف تأشيرات دخول الأمريكان للأراضي العراقية ردا على وقف الولايات المتحدة لتأشيرات العراقيين.
وردت الولايات المتحدة بخطوة مهمة، أشبه بقانون تحرير العراق عام 1999، حيث قدم أحد أعضاء مجلس النواب الأمريكي، الثلاثاء 31 يناير/كانون الثاني 2017، إلى الكونغرس، مشروع قرار يسمح لرئيس الدولة باستخدام القوة ضد إيران، حيث تقدم النائب عن ولاية فلوريدا، إلسي هاستينغز، بمبادرة عرض مشروع القرار المعنون “السماح باستخدام القوة ضد إيران” على أعضاء الكونغرس.
وباستثناء الحكومة العراقية الموالية في الاساس لايران، وعلى حد وصف النائب حسن العلوي، فقد رأى الشعب العراقي في حفل تنصيب ترامب عرساً عراقياً.
فهل حان دور إيران ليوضع رأسها تحت المقصلة الامريكية، بعد أن دارت على العراق قبل 15 عاماً؟ هذا ما ستكشفه الايام قريباً.