في العام 1979 تمكن الخميني من الإطاحة بنظام الشاه والسيطرة على مقاليد السلطة في إيران بعد تمهيد للثورة إستمر لما يناهز عاما”كاملا” بدعم من التيارات الدينية والليبرالية واليسارية الإيرانية التي كانت تتطلع لتغيير نظام الحكم الشاهنشاهي ومالبث أن تخلص الخميني وأتباعه بعد ذلك من أنصار الثورة ممن تتضارب طموحاتهم وأفكارهم مع توجهات وأفكار الثورة الخمينية ومبدأ ولاية الفقيه التي أسس أركانها في إيران وتطلع من بعدها لتصدير هذه الأفكار وهذه المبادئ تحت شعارات مختلفة أبرزها إعلاء نهج آل البيت ، نصرة المظلومين من شيعة آل البيت وتأسيس مبدأ ولاية الفقيه وإعتبارها المرجعية الإسلامية العليا ، هذا على صعيد الإستهلاك الداخلي الإيراني ، أما على الصعيد الإقليمي والدولي فقد كانت أعين ونظرات الثورة الخمينية الطامعة تترامى باتجاه الخارج لتكوين الهلال الشيعي في المنطقة ودول الجوار وفي مقدمتها العراق ودول الخليج العربي حيث كانت شعاراتها خاطفة للقلوب الطائفية المريضة أذ جعلت من نفسها منارة للثورات ورفعت شعار (لاشرقية ولاغربية) إشارة إلى الإتحاد السوفييتي والولايات المتحدة الامريكية، إلى جانب شعارات نصرة المستضعفين في الأرض ونصرة ودعم القضية الفلسطينية وحركات التحرر في العالم للتخلص من الظلم والإستعباد الإجتماعي والتحرر من تاثير التيارات الغربية في الوقت الذي إستعبدت فيه ثورتهم الشعب الإيراني.
لقد راهن الخميني رهانا” واهنا” في قدرته على التخلص من نظام البعث في العراق ومن الرئيس الراحل صدام حسين حيث أعتبر العراق بوابة تصدير الثورة نحو الخليج والمنطقة راسما”في مخيلته هلالا”شيعيا يريد أن يحققه مستغلا” تواجد العتبات والمراقد المقدسة وأئمة أهل البيت (ع) في العراق إذ رفع شعار ((تحرير كربلاء هو الطريق لتحرير فلسطين)) غازل من خلاله القلوب الطائفية التي تتحرك نحو بوصلة إيران باعتبارها المرجعية العليا لهم ومن ثم تلته الشعارات الزائفة كالبعث الصدامي والبعث الكافر وغيرها .خططت إيران لتصدير الثورة إلى الدول المجاورة فابتدأت بالعراق وتمثل ذلك من خلال قيامها بسلسلة من التفجيرات الدموية في الجامعة المستنصرية في نيسان من العام 1980 محاولة” تأجيج الشارع العراقي تمهيدا” لقيام ثورة في العراق على غرار الثورة في إيران ، وتبع ذلك إستفزازات عسكرية حدودية وقصف مناطق ديالى والكوت في تموز وآب ولغاية أيلول من العام 1980 الأمر الذي أدى إلى نشوب الحرب التي إستمرت لمدة ثمان سنوات،إلا أن الضربة القاصمة التي تلقتها الثورة الايرانية هي أنها لم تستطع التمدد ولو شبرا” واحدا” داخل العراق سواء على المستوى العسكري أو الشعبي ووجدت أمامها سدا” منيعا” وحصنا” شامخا” من الإرادة العراقية الصلبة التي أوقفت المد الصفوي الفارسي بغطاءه الديني الشعبوي وبقيت ملفات تصدير الثورة داخل أدراج وخزانات ملالي طهران وبقية خيبة الأمل في تحقيق أهداف الثورة البائسة حبيسة تلك الادراج وتمكنت دول المنطقة من تنفس الصعداء جراء الرد العراقي القاسي على إيران وثورتها الذي قارعها لثمان سنوات دون أن يهن له ساعد أو عزم أو أنهزام حتى تجرع خمينيهم سم الهزيمة وتوقفت تلك الحرب الضروس عام 1988 ،الا أن تأثيرات الحرب وإنعكاساتها السلبية بقيت عالقة في أذهان ملالي طهران وبقي أسم صدام والعراق يؤرقهم ويمنع تمدد ثورتهم أو تدفقها باتجاه العراق والجوار الإقليمي ، وبالرغم من سنوات الوهن والضعف التي مر بها العراق على مدى ثلاثة عشر عاما” (2003 – 1990) من الحصار الإقتصادي والعقوبات الدولية التي جردته من أبسط حقوقه على المستوى الدولي والإقليمي إلا أنه بقي يصارع التمدد الإيراني على المستوى الأمني والإستخباري ويقطع كل ذراع له داخل العراق بعد تليقنه درسا بعدم التفكير في الإقتراب من حدوده عسكريا” وبقي محتفظا” بهيبته وقوته المعنوية التي زرعت الرعب في قلوب ملالي طهران حتى جاءت لحظة الفصل ودق ناقوس الخطر في المنطقة بالغزو الأمريكي للعراق وتدمير كل ماطالته أيديهم وأيدي عصابات الشر التي دخلت معهم فاتحة”بذلك العراق على مصراعيه لكل من يريد الثأر والإنتقام منه ولايوجد أشر ولا أحقد من السم الصفوي الفارسي على العراق الذي قبع في خزائنهم منذ عام 1979 لا بل من عهد أمير المؤمنين الخليفة عمر ابن الخطاب (رض) الذي أذاقهم السم والذل من قبل ومرغ أنوفهم التراب ، لقد حانت لهم الفرصة للبدء بمشروع التمدد وأخروجوا ملفاتهم المغبرة من كهوف وخزائن الملالي فتغلغلت الأفاعي الفارسية الصفراء وأذنابها في جسد العراق وأفرغت سمومها فيه حتى وهن وضعف واستنزفت كل طاقاته المادية والبشرية وانتقمت من كل شيء حتى من التراث والآثار والتاريخ العراقي الذي يؤلمهم لأن التاريخ المر يوجع صاحبه .
ها نحن نرى الأن إيران تحكم قبضتها على العراق من أعلى المفاصل في الدولة إلى أدناها ، من أول شارع إلى أخر زقاق في العراق تشاهد صور الخميني ومرشدهم الأعلى الخامنئي ، وما أن أحكمت قبضتها على العراق فقد ترامى نظرها بعيدا” وبدأت تمد أذرعها باتجاه دول الخليج العربي بغية بسط نفوذها لاستحكام حلقات الثورة الإيرانية التي توقفت على حدود العراق منذ عام 1980 ولتحقيق حلمهم في تأسيس الهلال الشيعي ، فبعد خروج العراق من منظومة الأمن الخليجي وانتهاء دوره(ولو في الوقت الراهن) كقوة أقليمية مؤثرة وفاعلة ضد المخططات الإيرانية تحركة عجلة الثورة الإيرانية وباتت واقفة على أبواب الخليج ودولها لا بل بدأت تطرق أبواب الخليج بمطارق شيطانية مختلفة إذ بدأت إيران تركز على مهاجمتها من خلال تكثيف عمليات التجسس والتخريب بغية الإضرار بالبيت الخليجي وتعريض الأمن الداخلي للخطر عن طريق تجنيد عناصر داخلية للقيام بتلك المهمات تحت إشراف وإدارة إيرانية ويتضح ذلك جليا” بعد أن تم الكشف عن العديد من شبكات التجسس في الكويت والسعودية والبحرين أضف إلى ذلك المناورات العسكرية الإيرانية الإستفزازية في مياة الخليج ومضيق هرمز بهدف بث الخوف في القلوب وتصريحاتهم الناريه المعاديه والعلنية ضد دول المنطقة من كونها أصبحت تحكم قبضتها على مياه الخليج ومقدراته البترولية وتتحكم بثلث إقتصاد العالم من النفط ، كما أن الصواريخ التي يطلقها الحوثي تارة ضد بارجة أماراتية في المياة الدولية أو التي يطلقها على الأراضي السعودية ماهي إلا معاول شر إيرانية وطرق على الأبواب الخليجية لأن هذه الصواريخ والأسلحة الإيرانية ماهي الأ رسالة تحدي واستفزاز واختبار .لقد باتت إيران تعمل الأن على الإضرار بالمصالح الخليجية على كافة الأصعدة الأمنية والإقتصادية وحتى الإجتماعية من خلال تسهيل عمليات تهريب المخدرات إلى الداخل الخليجي للإضرار بالمجتمع الذي يعتبر مجتمع محافظ لهدم أهم لبنة لبناء المستقبل .
إن إيران لن تسمح بقيام عراق عربي أخر يقف في وجه المد الثوروي الخميني ولن تنسى أبدا”وقوف دول الخليج إلى جانب العراق ضدها في حرب الثمان سنوات لذا فإنها ستستغل أية فرصة تسنح لها للقيام بذلك وقد كشرت عن أنياب السم والشر فعلا إذ أن ديمومة القوة الإيرانية وسيطرتها على مراكز القرار في العراق وسوريا ولبنان واليمن جعل حلمها يصبح في متناول اليد ويكاد يكون قاب قوسين أو أدنى من تحقيقه الإ أن ذلك لن يكون من خلال عمل أو قوة عسكرية أبدا” ولن تحرك جندي إيراني واحد لتهديد دول الخليج فهي لم تعد بحاجه لذلك كونها وجدت موطئ قدم في المجتمع الخليجي من خلال النقر على الوتر الطائفي أضف الى ذلك العراق وماحل به من خراب ودمار على أيدي أميركا وبريطانيا منذ عام 1991 إذ أصبح درسا” قاسيا” لكل من يفكر باستخدام القوة العسكرية .نحن نقول سوف تعمل إيران على تقويض النظام الإجتماعي الخليجي من خلال بث الروح الطائفية وزيادة المد الطائفي في دول الخليج إذ انها إبتداء” نجحت في تحييد سلطنة عمان وجذبها صوبها مما جعل هذا الحياد العماني يكون سلبيا” بالنسبة لدول الخليج إضف إلى سلطنة عمان مملكة البحرين التي بذلت إيران جهدا” لتشييعها ومدها بالنفس والدعم الطائفي لسنوات ولايزايد أحد على هذا الموضوع أو ينكره لأن تظاهرات البحرين والشعارات الطائفية التي ظهرت كادت أن تطيح بأول دولة خليجية لولا تدخل قوات درع الجزيرة وحمايتها للمملكة إضافة للدعم السعودي والإماراتي اللامحدود المقدم لشقيقتهما البحرين ،بعدها توجهت إيران بأتجاه الكويت وحال الكويت اليوم أشبه بحال العراق في ظل حكم الرئيس الراحل صدام حسين إذ أن نار الطائفية الأن في الكويت لاتزال تقبع تحت رماد وسطوة القيادة الكويتية وماتلبث أن تثور تلك النار في أول هبة ريح لصالحها فقد جاء الوقت لنشاهد في الكويت من يتكلم بلسان طائفي وليس كويتي يؤثر في تشكيلة مجلس الأمة ويعطل أجندة العمل الحكومي ويصبح رقما”صعبا”في القرار السياسي الكويتي.لقد أضحت إيران تقف على عتبة أبواب دول الخليج العربي وتطرق أبوابها بقوة وبشتى الطرقات من الخارج والداخل … فمن سيرد عليها!؟
[email protected]