23 ديسمبر، 2024 11:42 ص

إيران الرقم الصعب في المعادلة الإقليمية والدولية

إيران الرقم الصعب في المعادلة الإقليمية والدولية

العالم اليوم في حراك مستمر من أروقة الأمم المتحدة في نيويورك وحتى جدة بالمملكة العربية السعودية مروراً بواشنطن وباريس في فرنسا والشغل الشاغل لهذا الحراك هو إيجاد حلول لتنامي الخطر الذي تمثله الجماعات التكفيرية المسلحة وبالخصوص منها تنظيم داعش الإرهابي على العراق وعلى الأمن العالمي عموماً ومن خلال إلقاء نظرة على هذه التحركات تبرز الولايات المتحدة الأمريكية وكأنها المحرك الرئيسي لهذا الحراك بعد صمت أمريكي طال انتظاره فماهي الاسباب التي حدت بأمريكا بأن تغير اتجاه بوصلة موقفها الذي عرف بتذبذبه وعدم وضوحه خلال الأشهر الأخيرة حينما أقدمت داعش على استباحة محافظة الموصل والتمدد إلى محافظات أخرى حتى أصبحت تهدد أمن بغداد في العراق .

يبدو أن أمريكا انتبهت متأخرة إلى ضرورة استثمار هذا الخطر الذي بات يهدد الدول المجاورة للعراق والحليفة للولايات المتحدة مثل المملكة الأردنية الهاشمية والمملكة العربية السعودية وأن من الضروري عليها فرض وجودها واستعادة هيبتها وامجادها القديمة في منطقة الشرق الأوسط والخليج وهي اليوم تحاول تحقيق البعض منها وكذلك استعادة الكثير مما خسرته هناك لكنها ستصطدم بواقع صعب تشابكت فيه الخرائط والأيدلوجيات والتحالفات وبرت فيه قوى جديدة مؤثرة في يقف في الصدارة منها محور دول خط المقاومة والممانعة الذي تقوده إيران بقوتها المتصاعدة وملف برنامجها النووي الذي ما زال موضوع خلاف ومناقشة في الأمم المتحدة ومجموعة ( 5+1 ) وكذلك سوريا التي عجزت أمريكا وإسرائيل ورغم كل ما هيأته من إمكانيات ودعم للجماعات المسلحة الإرهابية ومنذ ما يقارب الثلاث سنوات من هزيمة الجيش وإسقاط النظام السوري بالإضافة إلى حزب الله في لبنان كقوة ضاربة ومهددة للمصالح الامريكية والإسرائيلية حيث فشلت إسرائيل في حرب تموز 2006 وخلال أكثر من 34 يوم من كسر شوكة هذا الحزب وفرض شروطها على لبنان والمقاومة ليبرز كقوة لا يستهان بها في المعادلة السياسية والعسكرية بالمنطقة إضافة لكل هذا وجود التنظيمات والأحزاب اليسارية والإسلامية في كثير من البلدان العربية والإسلامية التي تعتبر إيران داعما ومرجعية لها في تصديها للمخططات الأمريكية وحلفائها الإقليميين .

فإيران ستظل الرقم الصعب بالمعادلة الإقليمية رغم محاولات أمريكا وبعض دول الخليج إبعادها من أي محاولة لتجنيب المنطقة المزيد من الحروب وسفك الدماء وقوة إيران لا تكمن فقط بما تمتلكه من ترسانة تسليحية متطورة تضم أحدث الأنظمة من الصواريخ بعيدة المدى والطائرات الحديثة وقوة بحرية تترصد منطقة الخليج ومضيق هرمز بالإضافة إلى قاعدة ضخمة من الصناعات العسكرية وجيش يعتبر من الجيوش المتقدمة بين جيوش المنطقة والعالم والحرس الثوري الذي يعتبر القوة الرديفة للجيش الإيراني والذي يضاهي الجيوش العالمية بتدريبه وتسليحه وانضباطه كل هذه العوامل لا تعتبر عوامل رئيسية في صعود إيران المتسارع وظهورها كقوة كبيرة بالمنطقة لتشغل الفراغ الذي تركه الإنسحاب الأمريكي من العراق بل هناك أسباب أخرى مهمة مهدت الطريق لظهور إيران كقوة لا يستهان بها بالمنطقة منها :

محاولة إيران إمتلاك السلاح النووي وخصوصاً بعد افتتاحها مفاعل محطة ( بوشهر ) كأول محطة للطاقة النووية في إيران في سبتمبر 2011 بمساعدة شركة روساتوم الحكومية الروسية لتكون عضواً جديداً في نادي الكبار ومنحها فرصة أكبر لتكون نداً قوياً للقوى العالمية ومفاوضاً صعباً في استثمار عامل الوقت وفرض ما يناسبها من شروط في لعبة التوازن الدولي رغم خسارتها الإقتصادية من جراء العقوبات الدولية على برنامجها النووي .

وجود أجنحة متطرفة في منظومات صنع القرار الإيراني سواءاً القريبة من المرشد الأعلى أو في المؤسسات العسكرية والحكومية تناصب أمريكا وإسرائيل العداء السافر ولقد كان ذلك واضحاً خلال ولايتي الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد ( 2005 – 20013 ) والذي اعتبر حسب استطلاع صحيفة التايم الامريكية واحدا من بين مائة شخصية مؤثرة بالعالم عام 2006 وهذا ما شجع أطراف أخرى لتصطف مع إيران في جبهة واحدة في مواجهة المشروع ( الأمريكي – الإسرائيلي ) في سوريا ولبنان وفلسطين واليمن والبحرين معادية تماماً لكل المخططات الرامية لتفتيت المنطقة وتحويلها إلى بيئة ديموغرافية موالية لأمريكا بالمنطقة والعالم .

ويعتبر العامل الأهم لتسيِّد إيران منطقة الخليج الخطيرة والغنية بثرواتها النفطية عدم وجود أي قوة عربية يمكن له أن تكون نداً قوياً لإيران في هذه المنطقة بإمكانها رعاية مصالح دول المنطقة وحمايتها فبعد خروج العراق ومنذ تسعينات القرن الماضي من معادلات القوى الإقليمية والدولية بعد حربي الخليج الأولى مع إيران ( 1980 – 1988 ) والتي كانت دول الخليج وأمريكا ومعها إسرائيل سبباً مباشراً في إشعالها للقضاء على قوة البلدين المتنامية آنذاك حيث خرج العراق من تلك الحرب بخفي حنين كما يقال بعد أن أغرقته تلك الحرب بالديون الكبيرة لدول الخليج والكثير من دول العالم التي أخذت على عاتقها تسليح الجيش العراقي ومده بما يحتاجه ليديم من زخم صمود جيشه بعد أن طالت تلك الحرب لثمان سنوات فقد فيها العراق ما يقارب المليون والنصف مليون عراقي كان معظمهم من أبناء القوات المسلحة وخزينة خاوية مثقلة بديون وصلت إلى أكثر من 400 مليار دولارثم تلتها حرب الخليج الثانية عام 1990 مع الجارة الشقيقة الكويت والتي كانت عبارة عن مقامرة أخيرة قام بها النظام لإنقاذ ما تبقى من قوة العراق وهيبته والخلاص من دفع مستحقات ديونه فوقع في فخ المؤامرة الأمريكية التي استدرجته ليسقط بسذاجته وغبائه بالنهاية التي رسمتها له دوائر الإستخبارات الأمريكية والعالمية لتطوى صفحته الأخير في نيسان 2003 وليخرج العراق نهائياً من كل الترتيبات الأمنية والاستراتيجية التي وضعت للمنطقة .

إن هذه الأسباب وغيرها عجلت بظهور إيران كقوة مؤثرة بالمنطقة استطاعت أن تتمدد بوقت قياسي مستغلة سياسة الإنحسار التي اتبعتها أمريكا في عهد الرئيس أوباما لتجد لها مواضع قدم في في أكثر من مكان في المنطقة الممتدة من افغانستان وحتى لبنان والتي تضم العراق وسوريا وفلسطين في مساحة واسعة تطل على ممرات مائية خطيرة وحيوية تساهم في رسم الخارطة الجديدة للمنطقة في البحر الأبيض المتوسط والخليج العربي ومضيق هرمز .

إن أهمية ايران كقوة متنفذة يتضح من خلال لعبها أدوار سياسية متعددة منها قيامها بخلق حالة من التوازن مع القوة الأخرى الصاعدة في المنطقة مثل تركيا التي وجدت في الورقة

الدينية كل ما يدعم أحلامها التوسعية القديمة واستعادة دورها القديم لقيادة العالم الإسلامي والعربي كدولة إسلامية سنية عظمى لكنها سرعان ما اصطدمت بالتحفظات السعودية التي لن يخدمها هذا المشروع الإسلامي الوسطي الذي بدأت تتبناه تركيا في عهد رئيس الوزراء التركي السابق طيب رجب أردوغان وهو مادفعها لإيجاد نوع من التقارب الحذر مع الجارة إيران لتستطيع من خلاله اقتسام مناطق النفوذ في الخليج والشرق الاوسط .

لقد حاولت أمريكا وبشتى الوسائل محاصرة دور إيران بالمنطقة وعزلها وإضعفاها إقتصادياً وسياسياً من خلال فرض حزمة من العقوبات الدولية بمشاركة حلفائها في حلف شمال الإطلسي والإتحاد الأوربي بعد إطلاق برنامجها النووي السلمي وكذلك إبعادها من مفاوضات جنيف الأولى 2012 وجنيف والثانية 2014 الخاصة بمعالجة الوضع السوري وإيجاد الحلول المناسبة للأزمة السورية لكن هذه العقوبات فشلت تماماً ولم تتمكن من تحقيق أهدافها وهذا ما بدى جلياً من خلال الدور الذي لعبته إيران في سوريا خلال السنوات الماضية والذي ساعد في صمود الجيش والنظام السوري ومنعه من السقوط رغم كل التحشيد الذي كانت تقوده أمريكا وحلفائها الخليجيين وكذلك دعم المقاومة في غزة في حربها ضد إسرائيل في تموز 2014 بكل ما كانت تحتاجه من سلاح وخبرات عسكرية وتسليحية واستخبارتية جعل إسرائيل بكل قوتها العسكرية تبدو عاجزة حتى من إضعاف فصائل المقاومة الفلسطينية المسلحة في غزة وكانت إيران ومن وراء الكواليس تبدو طرفاً مهماً في مفاوضات وقف إطلاق النار بين حكومة محمود عباس والفصائل الفلسطينية المقاومة من جهة وإسرائيل من جهة أخرى وهذا سجل فشلاً آخر جديد في السياسة الأمريكية المتخبطة بالمنطقة .

اليوم تعاود أمريكا لعبتها القديمة وهي تسعى جادة لتجاهل أي دور إيراني أوالعمل على تقزيمه من خلال مؤتمرات جدة وباريس الخاصة بمكافحة الإرهاب أو ما أسمته على لسان الرئيس أوباما ( استراتيجية مكافحة داعش ) وإنشاء تحالف دولي كبير يقوم بهذه المهمة دون أن يكون لإيران أي دور أو مشاركة بهذه المؤتمرات والتحالفات الدولية رغم الحضور المؤثر لإيران في المناطق الساخنة والتي تعتبر جبهات قتال متقدمة لمحاربة داعش في العراق وسوريا ولا أحد يستطيع إغفال ذلك الحضور الميداني وتلك الأدوار المهمة لإيران في هذين البلدين الذين يعانيان من إرهاب داعش وتواجد تنظيماته المسلحة والتي كانت على الدوام ورقة ضغط أمريكية ترهب به أعدائها وأصدقائها بالمنطقة .

أن كل مشاريع أمريكا الإستراتيجية وتحالفاتها الدولية بالمنطقة ستفشل كما فشلت في جنيف واحد واثنين لأنها لا تتعض ولا تتعلم من أخطائها السابقة ولأنها ستظل تعطي أذنها صاغية لنصائح حلفائها وأصدقائها الخليجيين التي بات يرعبها هذا التنامي الإيراني الذي يهدد وجودها ومصالحها بالخطر وكذلك ما أبدته الحكومة التركية الجديدة من عدم تجاوب مع رغبات أمريكا ومشاريعها بالمنطقة وانها لن تكون طرفاً في التحالفات التي تريد أمريكا إقامتها لمحاربة داعش لأسباب تتعلق بالمصالح التركية بالمنطقة والتي قد لا تتقفق بها مع الخطط الأمريكية وهذا ما منعها من التوقيع على البيان الختامي لمؤتمر جدة وستحاول أمريكا وبشتى الوسائل من إيجاد أوراق ضغط جديدة على إيران كما حاولت وفعلت مع روسيا دون جدوى حين طعنتها في خاصرتها الأوكرانية وستحصد أمريكا نتائج تهورها وهي تغض بصرها مع إسرائيل عن داعش وجبهة النصرة وهما يقتربان من حدود شمال إسرائيل مع

سوريا فهذه الجماعات المسلحة التي تحاول مغازلة إسرائيل اليوم وإيصال رسالة بانها ستكون شريكاً لها بالمنطقة ولن تسبب لها أي حالة تعكر أمنها وحدودها ليس لها من عقيدة تؤمن بها غير عقيدة الكراهية والقتل والتدمير وسرعان ما ستحصل القطيعة وتدخل المواجهة المسلحة بينهما لكن سيكون ذلك بعد استفحال خطر هذه الجماعات المسلحة وصعوبة القضاء عليها بينما ستواصل إيران بما عرف عنها من صبر ومجالدة في التأثير والتمدد والتطور التسليحي والإقتصادي مستغلة هذا التنافر الغير واقعي بين أطراف التحالف الدولي التي لايجمعها غير أهداف غامضة الملامح.