إيران الإسلامية : بين مرّ الحصار والحرب … وعسل الحرية

إيران الإسلامية : بين مرّ الحصار والحرب … وعسل الحرية

في بصيص ضوء من التأريخ المستنسخ , نستعرض بشكل موجز سياسة التركيز على تفكيك اي تهديد عسكري او مدني في المحيط الخارجي لدولة الكيان الغاصب والتمدد نحوه , التي تبنتها امريكا قبل ازمة الصواريخ الكوبية أو هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001 على يد الرئيس بوش الأبن , عندما استولت بها على اجزاء شاسعة من الأراضي المكسيكية ,
إذ تقدّر مساحة تلك الأراضي بـ (1360000 كم2) وبوسائل مخادعة او تحريضية على الإنفصال كما حدث لولاية تكساس أو بالضغط الإقتصادي , ومساحات اخرى تم احتلالها بعد إستقلال المكسيك بإفتعال الحروب ,
مستغلة ضعف سلطة الحكومة المكسيكية في ادارة اراضيها الشمالية الشاسعة التي لم تكن ذات كثافة سكانية عالية ولا تتمتع بوعي ثقافي او سياسي لتتمسك بالأرض , وهناك اراضي تم شرائها بضغوط اقتصادية وسياسية , ومنها مناطق الريوغراند ونيو مكسيكو وكاليفورنيا التي اشترتها بمبلغ 15 مليون دولار , واخرى قبل الإستقلال من الحكومة الإسبانية عندما كانت تحتل المكسيك ,
فضلآ عن الأراضي التي احتلتها امريكا بغزوات من قبائل الأباشي والكومانشي ضمن الصراع على الأراضي ذات الجدوى الإقتصادية , وقد تشكل بهذه الأراضي فيما بعد المحيط السياسي الجديد الذي ضمن لأمريكا الأمن والأمان والى يومنا هذا , ولكن من دون ان تتوقف اطماع امريكا على يد الرئيس ترامب الذي امر بتغيير تسمية خليج المكسيك الى خليج امريكا بشكل غير قانوني ,
كل ذلك من اجل تأمين وتمديد المحيط السياسي والإقتصادي الأمريكي الداخلي على حساب جمهورية المكسيك , فضلآ عما تتحجج به من تأثير المهاجرين غير الشرعييين القادمين من المكسيك او دول الكاريبي اليها .
بهذه السياسة المستنسخة والمناهج والخدع السياسية التأويلية والدراماتيكية , من لجان تفتيش ومنظمات مدنية وقوات تدريبية رمزية وضغوطات سياسية وحصار اقتصادي , انهت الإدارة الأمريكية برئاسة بوش الإبن عام 2003 , حكم النظام البعثي في العراق وتفكيك الجيش وكافة مصانع اسلحته الإستراتيجية خدمة لتمديد نفوذها السياسي في المنطقة العربية وخدمة لأمن كيانها المحتل ,
على الرغم من تشجيع الأمريكان على غزو الكويت الذي تسبب في انهاء حكم البعث , وبذلك ازالت من محيط دولة الكيان الخارجي ذلك النظام الذي تراه مهددآ للكيان الغاصب ليخضع العراق الى الإملاءات والتهديدات الأمريكية فيما بعد , فضلآ عن خسارته لأجزاء من اراضيه ومياهه الجنوبية الغنية بالثروات النفطية لصالح دولة الكويت لإضعاف قدرته الإقتصادية وتوسيعآ للمحيط الجغرافي والسياسي الداخلي لدولة الكويت ,
فضلآ عن فصل محيط العراق السياسي الداخلي عن اي اسلحة استراتيجية رادعة لتتركته لمغامراتها ومغامرات كيانها الغاصب عند الحاجة ومغامرات حليفها التركي , ليؤمن حمايته بنفسه ببناء جدار كونكريتي لا يصمد امام أسلحتهم التدميرية وخاصة عندما يكونوا هم اطرافآ مشاركة في تهديد العراق , وما اسلوب فرض الحصار غير المعلن على استيراد الإسلحة الإستراتيجية المتطورة للعراق ,
إلا للإخلال بميزان القوة العسكرية في منطقة الشرق الأوسط لصالح الكيان الصهيوني و ليكون ضعيفآ في صد تلك المغامرات , إذ ابلغت امريكا ومعها الكيان المحتل كل الدول الغربية والشرقية الحليفة لهما بعدم تصدير اي قطعة سلاح إستراتيجي للعراق يفوق بتطوره التكنولوجي السلاح الخاص بدولة الكيان الصهيوني الغاصب ,
وانتقلت عدوى هذه السياسة الى الكثير من الدول ومن ضمنها روسيا الإتحادية التي صنعت لها امريكا حربها مع اوكرانيا منذ 2014 بعد عزل رئيسها فكتور يانوكوفيتش , ثم تطورت الى غزو علني لأراضيها في 24 شباط 2022 بسبب التهديد بإنضمام اوكرانيا الى دول النيتو لتضييق المحيط السياسي الروسي من ناحية , وتوسيع المحيط السياسي الداخلي لمجموعة دول الإتحاد الأوربي بالتمدد على حساب روسيا الإتحادية من ناحية اخرى ,
ما اعتبرته روسيا خرقآ من جانب امريكا لمبدأ مونرو ( نسبة الى الرئيس الأمريكي جيمس مونرو ) , الذي دعا الى استقلال كل دول نصف الكرة الغربي من التدخل في تقرير مصيرها عام 1823 , ودعا ايضآ الى ابتعاد امريكا عن اوربا واتباع مبدأ الإنعزالية ,
وتم العمل بهذا المبدأ من قبل الرئيس جورج واشنطن عام 1783 الذي جعل للغرب محيطآ اكثر امانآ لروسيا السوفيته في ذلك الحين , إلا ان ذلك تم خرقه من قبل الرئيس بايدن بسبب سياسته الداعمة لليهودي زيلينيسكي , ما ادى الى ادراك ذلك الخرق مبكرآ من قبل روسيا ,
عندما إثارت فصائل وكارتلات ذات افكار نازية قومية معادية , مشاكلآ داخلية لتتصادم مع السكان الروس المستوطنين في المدن الأوكرانية المتاخمة للحدود مع روسيا , لتبدأ حكومة زيلينسكي الجديدة بإعلان طلب الإنضمام للنيتو , وبذلك ابتدأ الصراع فعليآ على تأمين محيط دول النيتو من قبل امريكا التي وظفت اوكرانيا بالقتال نيابة عنها , وبين تأمين روسيا لمحيطها السياسي المواجه للغرب ,
ولأن الشيء بالشيء يذكر , فقد كانت سيناريوهات ازمة الصواريخ الكوبية تتشابه مع ازمة اوكرانيا , فالجزيرة الكوبيه تعرضت الى الحصار عام 1958 بعد القضاء على الرئيس باتيستا من قبل امريكا , وبدعم من الكارتل الكوبي داخل امريكا والمؤيد للحصار والمعارض للثورة الكوبية بقيادة كاسترو ,
وزاد على الحصار الرئيس جون كنيدي عام 1962 ليكون شاملآ على كوبا عدا دخول المواد الغذائية والطبية لأغراض انسانية بسبب انفتاح الصواريخ النووية السوفيتية على الأراضي الكوبية ,
الذي اعتبرته امريكا تهديدآ للأراضي الأمريكية , ومازال الحصار قائمآ رغم ان الرئيس اوباما اوعز بإزالته والدعوة الى التطبيع مع النظام الكوبي , ولكن بقرار من الرئيس ترامب اثناء فترته الرئاسية الأولى ,
اعاد الحصار ثانية كنتاج لتلك السياسة التي تبقي على الدول المناوئة للسياسات الأمريكية تحت الضغط السياسي الأمريكي الى اجل غير مسمى لإبتزازها لضمها اليها او الخضوع لنفوذها السياسي ,
وهذا يتشابه الآن على الجمهورية الإسلامية الإيرانية , التي اخضعها ترامب الى اقصى ضغط سياسي , إذ خيّرها بين مرّ الحصار والحرب , وبين عسل الحرية عندما يتم فيه كتابة اتفاق جديد لنشاطاتها النووية ,
وهذا الإتفاق يعني جر ايران الى اهواء امريكا ودولة الكيان الداعيتين الى تفكيك او تحديد صنع انواع محددة من الأسلحة الإيرانية الإستراتيجية , وبشكل تعسفي وقد تأيّد بتصريح المرشد الأعلى الذي ادلى به ,
وعلى اساس هذا التأييد , صرح الرئيس بزشكيان انه لايجلس للنقاش مع امريكا معتبرآ ان اللقاء سينطوي على الإنتماء الى معسكر المتخاذلين الذين طووا الإشفاق على ضحايا امريكا وكيانها الغاصب في حربهم ضد غزة , وطووا بذلك النزوع الى الإنفعال الإنساني الذي تحدثه الإغتيالات والإعتداءات وافعال الخونة والعملاء ,
الذين تسببوا في تحطيم الغايات التي تطمح الى مقاومة المحتل , وساهموا في تكريس الطائفية التي تعتبر وبلا شك انها من مخرجات السياسة الأمريكية التي تفكك تركيبة المجتمع العربي وتشيّد بدلآ عنه واقعآ زائفآ مليئآ بالمخنثين والمثليين ليخلو من مقاومة احتلالهم واطماعهم بالأرض .
أما امريكا ودولة الكيان فما زالوا يؤيدون الطريقة المغايرة لما يقتضيه الحال الإيراني من الناحية القانونية والشرعية , إذ تجاوزا دور هيئة الأمم المتحدة في حل المشاكل الدولية من ناحية , ودور المنظمة الدولية للطاقة النووية في مراقبة الملف النووي الإيراني من ناحية اخرى .
اما تصريحات الرئيس بزشكيان التي اوضحت ان إيران لن تجلس مع امريكا في مفاوضات من هذا النوع المذلّ , ولتفعل امريكا ماتشاء , انما هي بشكل عام ظاهرة سياسية تأريخية وجديدة في موضوع المواجهة بين الشعوب وبين اقوى دولة بالعالم من ناحية ,
وتطور بشكل خاص في طريقة رد النظام السياسي الإسلامي الذي يتناقض في جوهره ووسائل تفكيره المرتبطة بالشريعة الإسلامية , مع جوهر ووسائل التفكير الصهيوني – الأمريكي العلماني المعتمد على القوة في فرض ارادته على الشعوب من ناحية اخرى ,
وبهذا التوضيح يرى الرئيس بزشكيان ان خيار الحرية المتصل بالسياقات التأريخية لابد ان يتبلور عندما تكون ابواب العقلانية لدى امريكا قد انغلقت بحكم القوة التي تمتلكها , وفتحت بدلآ عنها ابواب الذلة لإيران لكي تتخلى عن نماذج انجازاتها العلمية والثقافية ,
وهذا هو فعلآ مايميّز السياسة الأمريكية المطبقة على الشعوب الضعيفة لتعطيلها من ناحية القدرات الذهنية في كل مرة , وهذا لابد رآه بزشكيان امرآ مرفوض ويؤسس الى نزاع مسلح في الغالب , لذلك اوحى بتصريحه ان إيران لابد ستقيّم تداعيات ذلك النزاع على اراضيها بالدرجة الأولى وعلى المنطقة العربية والإقتصاد العالمي بالدرجة الثانية ,
اما الرئيس ترامب اللاهث وراء تحقيق وعوده للصهيونية التي منحته الرئاسة الأمريكية , فيرى في هذه المرحلة التي انهار بها النظام السوري ليكون تحت توجيهات حليفه النظام التركي , وتجميد نشاطات حزب الله وتدمير البنية التحتية للأسلحة السورية , والتمدد الصهيوني داخل اراضيها ,
ان النظام الإيراني قد تضرر كثيرآ , ولم يعد مصدرآ لتهديد الكيان الصهيوني وان الفصائل المسلحة في العراق والموالية لها على حد زعمها لم تعد تمتلك اسلحة استراتيجية تصلح للمواجهة معه , بل هي الآن مجرد تهديدات على مستوى ادنى مماكانت عليه ,
وهذا من المحتمل ان يجعل امريكا تتجرأ على ضرب المفاعلات النووية الإيرانية فحسب وبالدرجة الأولى لتعلق الأمر بكيانها الغاصب , ولكن عندما تظهر دول الإتحاد الأوربي تأيدها الفعلي لذلك , ولكن بما ان الإتحاد الأوربي بات مخذولآ من تصرفات ترامب ,
وهو ينظر اليهم بعين الطمع الى ضم جزيرة كرين لاند الدنماركية والى ضم كندا من ناحية , وينظر اليهم مجتمعين بنظرة الإعراض عن الإهتمام بهم وعن دعمهم في حالة حربهم مع الرئيس بوتن أو دعم الرئيس زيلينيسكي الذي ينظر اليه بنظرة السخرية والإذلال نكاية بهم ,
عندئذ لن يجد منهم دعمآ لحربه الشاملة والمحتملة مع إيران الإسلامية فيكتفي بضرب المفاعلات النووية فحسب , لتبقى تداعيات ضرب المفاعلات الإيرانية بحسب التقييم المسبق لها من قبل الحكومة الإيرانية , اما تداعياتها على منطقة المحيط الهندي فلن تكون هناك سوى الإدانه على ضرب المفاعلات والحث على ضبط النفس الذي لايتحقق .
ختامآ , بهذا الإستعراض التأريخي , يتوضح ان الخروج الشرس عن سياسة ضبط النفس من جانب امريكا واللجوء الى سياسة الأطماع والإنتقام من الدول المناهضة لذلك الخروج ولكيانها الغاصب , والأطماع بفرض الحصار او التعريفات الكمركية العالية بقيادة بايدن او ترامب على حد سواء
لن يلعب دورآ فعّال في جعل امريكا عظيمة مرة اخرى من ناحية , ولا في استقرار الأمن والسلام بالعالم بشكل عام وبالمنطقة العربية بشكل خاص , ولن يهنأ كيانها بالأمن والأمان مدى الحياة وهي تلجأ الى الحروب والى تلك الأساليب العدوانية وخاصة في تفكيك اسلحة الدول المناهضة لها وللكيان المحتل بعيدآ عن الشرعية الدولية والأخلاق والقيم الإنسانية من ناحية اخرى ,
بل إن ذلك يكرر الحروب وارسال ضحاياها الجدد الى سابقيهم , ويصنع مشاهد جديدة للتدمير , مالم تتقزز نفوس السياسيين الأمريكيين مما يفعلون من انتهاكات وجرائم ضد الإنسانية لخدمة الكيان المسخ الذي صنعته لهم عدوتهم بريطانيا ,
وهذا المسخ لايمكن ان يرد المعروف لهم بالمعروف , وهو المعروف بأشكال القتل المتعدد والإجرام منذ ان كانوا مشردين وسيبقون على هذا النهج وبشكل سرمدي , وكل ما تفعله امريكا لهم من انتهاكات للقوانين والأعراف الدولية والإنسانية من اجل ترسيخ كيانهم , ليس سوى اسسآ لزوالهم في لحظات بحسب المعتقدات المأخوذة من توراتهم اولآ ومن كتاب الإسلام ثانيآ ,
وما التداعيات التي افرزتها السياسة الأمريكية التي لاتقيم وزنآ ولا اي اعتبار للإنسان وخياره للحرية اينما غزت وحاربت وطمعت بأراضي الدول الأخرى , إلا صورآ للرعب الذي لايقارن بصور السلام الذي يأتي بالوسائل السلمية والحوار الأحسن , ولا يأتي بتقاليد المغول والتتر الجدد التابعين لأمريكا الذين الغوا خيار الحرية للشعوب مهما شربوا الزلال والعسل معها من اجل حكم زائل .
21 آذار 2025