رغم كل الحملات التي تعرضت لها إيران, ما بعد قيام الثورة الإسلامية عام 1979, بقيادة الراحل السيد الخميني, لكنها بقيت عصية على التركيع.. بل وحققت في مرحلة ما, ما يمكن إعتباره ” إنتصارا واضحا” على خصومها.
لنفهم الموضوع بشكل أوضح, يجب أن نطلع على تاريخها القديم, لنتبين كيف يفكر حكامها, وكيف ينظر الشعب لما يمر به من أحداث.. فالدولة الفارسية, صاحبة حضارة عميقة وأصيلة, وكانت لها مساهمة فعالة في صنع تاريخ المنطقة والعالم, وفيها من الأسماء اللامعة, ما كان له أثر في الحركة الفكرية والعلمية والسياسية للمنطقة والعالم.
يعد وصول السيد الخميني الى السلطة, نقطة تحول جذرية وإنتقالة, في كيفية تعاطي الشعب الإيراني مع الأحداث, فبعد أن كانت السيطرة للجيش وطبقة التجار والأثرياء, تحولت السيطرة تدريجيا, بيد طبقة جديدة, من عامة الناس, ممن نجحوا في تشكيل هياكل ومؤسسات قوية ونافذة, تحت إشراف ورعاية ” الإمام الخميني” كما هو حال الحرس الثوري والإطلاعات وغيرها من المؤسسات ” شبه المستقلة عن بعضها” غير المتقاطعة, بأي حال من الأحوال.
عامة الناس هؤلاء, كانوا من المخلصين الموالين لمبادئ الثورة وصاحبها العظيم, حتى بعد رحيله, ومنهم ظهر قادة مهمون ونافذون إنتقل تأثيرهم خارج حدود إيران نفسها.. وهم العمود الفقري اليوم لقوة النظام المعلنة, وقدرته الكبيرة على مسك زمام الأمور ومختلف الملفات.
بالرغم من ظهور جيل جديد من الشباب, لم يعاصر الثورة أو مؤسسها الراحل, لكن هذا الجيل, لم يخرج عن الإطار العام لكيفية تفكير جيل الثورة.. فهناك رابط قوي يمنعهم من إيذاء النظام أو محاولة ذلك حتى.. وهذا الرابط يتعلق “بشعور قومي” شديد القوة يتمسكون به أكثر مما يسمك بهم رابطهم الديني, رغم أن الجمهورية إسلامية في طبيعة نظامها ودستورها!
إيران اليوم تختلف عنها أيام الثورة.. فبعد أن كان شعار ” تصدير الثورة” علنيا وهدفا واضحا, مما سبب كثيرا من المشاكل لإيران مع جيرانها ومع الإقليم والعالم, لكن صلابة ” الإمام الخميني” لم تعر أهمية كثيرة لهذه المعارضة, صارت هذه الفكرة اليوم تبدوا وكأنها إضمحلت ولو ظاهريا.., فالثورة وأفكارها لازالت تصدر بطرق متعددة ومختلفة, بدعم حلفاء أو “أصدقاء” و تمويل مشروعات, وغيرها كثير من الطرق التي, تمارسها الدول مع بعضها البعض علنا أو خفية!
كل الدول تبحث عن مصالحها, وإيران ليست خارجة عن هذه القاعدة المنطقية, رغم أنها تدعم وتمول ربما, لأهداف تتعلق بالعقيدة أو الجوار أو محاربة الإرهاب, لكن كل هذا الدعم, لا يخرج عن إطار المصلحة العامة للجميع, وهي منهم.
رغم كل ما يشاع عن قمع للحريات ومؤشرات عن حقوق الإنسان, لكن نظام الحكم في أيران يتمتع بنسبة عالية من الديمقراطية, وهناك مساحة كبيرة للمواطن ليختار من يلائم تطلعاته, وشهدنا خلال سنوات قليلة سابقة تنقلا للسلطة بين الإصلاحيين والمحافظين, ورغم أنها بقيت تحت إشراف ” الولي الفقيه” لكنها تفوق بمراحل عدة ما موجود في أنظمة حكم إقليمية أو دولية.
بعد كل محاولات أمريكا, للتضييق على أيران, ومحاولة تركيعها إقتصاديا, لم تنجح على الأقل لحد الأن في ذلك.. رغم أنها أوجعتها في جوانب عدة, لكن إيران لازالت تقف على قدميها ولو بصعوبة, وممسكة ومتمسكة بتحالفاتها بالمنطقة والعالم.. بل وزادت ربما رقعة تأثيرها من خلال “سياساتها الناعمة”.. وصارت مفاوضا مؤثرا, يجب أخذ رأيه في معظم ملفات المنطقة.. وربما شاركت في ملفات دولية!
إيران دولة ليست هامشية أو ساذجة, ولها ساسة محترفون, تقودها أيدولوجيات دينية وسياسية, وفيها أكثر من مركز قوة, لكنها كلها تحت عباءة الولي الفقيه وسلطته.. وهي قوة إقليمية نافذة لن ينجح أحد في إنتزاع هذا الدور منها قريبا في الأقل.. ولازالت تستند لشرعية ثورتها, التي كانت زلزالا هز المنطقة كلها, فلم تعد كما كانت, مرة أخرى أبدا.