18 ديسمبر، 2024 7:41 م

إيراني مسؤولا لمؤسسة شهداء العراق

إيراني مسؤولا لمؤسسة شهداء العراق

في صباح يوم 19/9/2012 إتصل بي هاتفيا مساعدي ذو الفقار توفيق الياسري وكان بدرجة ملحق، ليطلب حضوري إلى مقر الأمم المتحدة في جنيف بالسرعة الممكنة للضرورة القصوى، يوم كنت نائبا للممثل الدائم للعراق الذي كان آنذاك السفير محمد علي الحكيم والذي طلب قد إعتاد على التغيب في مثل هذه المؤتمرات تهرباً من المسؤولية. ومن البديهي أن درجة السفير هي درجة خاصة تقوم أساسا على الولاء الحزبي في العراق وليس الكفاءة المهنية كما في الدول المتقدمة. يضاف إلى ذلك أن هذا السفير هو من حملة الجنسية الأمريكية ويقيم في ولاية بوسطن، ومن الطائفة الشيعية، متزوج من أمريكية ومطلق منها، لكل هذه الأسباب فقد كان يحرص على مجاملة الجميع بشكل مبالغ فيه حتى وإن كان على حساب المصلحة العامة للعراق، وبالمقابل كنت أتصرف بمهنية ودون مجاملة نظرا لجملة عوامل منها إني دكتور في القانون الدولي، ولست من الطائفة الشيعية، كما إني لست مواليا لأي من الأحزاب القائمة في العراق بعد 2003، ناهيك عن إني لست من حملة الجنسية الأجنبية وحتى هذه اللحظة.

كان الهنداوي قد حضر في مؤتمر تدويل جرائم الإبادة الجماعية في ظل النظام السابق برفقة وزير حقوق الإنسان سابقا محمد شياع السوداني، الذي عقدته وزارة حقوق الإنسان في جنيف للفترة من 19-20 أيلول 2012، وبصحبة صفاء الدين الصافي ووفد كبير يضم 25 شخصا، كما هو معتاد في العراق، بحيث أصبح معروفا لدى الأمم المتحدة بأن وفد العراق هو دائما ثاني أكبر وفد في الأمم المتحدة.

وصلت إلى الأمم المتحدة بسيارتي ودخلت مسرعا متوجها إلى القاعة التي يعقد فيها هذا المؤتمر الذي قاطعته معظم الدول بإستثناء فلسطين ورومانيا بطلب شخصي. فقابلني مساعدي ولما استفسرت عن المشكلة، أخبرني أن أحد أعضاء الوفد العراقي وإسمه الشيخ محمد الهنداوي، ولم أكن أعرفه حتى تلك اللحظة، وإنه ينوي ترك المؤتمر للدخول في اجتماع أخر يعقد في بناية الأمم المتحدة لمناقشة قضية الاحتجاجات في البحرين منذ عام 2011، ففهمت المسألة تماما وبسرعة. وإنه ينوي نقل الموقف الإيراني بإسم العراق، بحجة نصرة المذهب وما إلى ذلك من التبريرات الطارئة على السياسة الدولية.

ذهبنا معا إلى القاعة (21) حيث يعقد المؤتمر فوجدت الوزير السوداني والصافي يقفون مع شيخ معمم بلباس ديني شيعي، ويبدو إنهم كانوا يتحدثون معه لإقناعه بعدم المشاركة إلاّ إنه كان يبدو مصرَّا على تنفيذ ما في ذهنه، وعند وصولي إنسحب الصافي دون أن ينبس بكلمة، في حين قال السوداني: هذا دكتور رياض حضر، وهو بعد مسؤول ملف حقوق الإنسان في ممثلية العراق، وهو أدرى بالأمم المتحدة، فأرجو الإستماع اليه. سألت الهنداوي بلهجة عراقية صارمة: شتريد؟ (ماذا تريد؟) فقال: أريد أن أدخل اجتماع البحرين وأبين رأيي ضد حكومة البحرين التي تضطهد الشيعة. فقلت له مستغربا: بأي صفة؟ شنو أنت الأمين العام للأمم المتحدة؟ فقال: ليش؟ فرددت عليه قائلا: أنظر الورقة التي بيدك عن المؤتمر وقد كتب إلى جانب عنوان المؤتمر (Closed Meeting)، تعرف هاي شمعناها؟ (هل تعرف ماذا يعني ذلك؟) فهزَّ رأسه مستفهما، فقلت معقبا: هذا يعني أن هذا الاجتماع مغلق، ولا يجوز دخوله إلاّ لدول محددة وذات الصلة، وبالتالي لا يجوز حتى للعراق أن يحضر وأن كان من يمثِّله سفير العراق المعتمد لدى المنظمة الدولية بذاته. فأسقط بيده، وللتوكيد قلت له: لذا أمنعك من الحضور تجنبا لتسبيب أي توتر في العلاقات الدولية للعراق مع دول الخليج، كما إني لست مستعدا ليتصل بنا وزير الخارجية هوشيار معاتبا لي عن هذا التصرف. ويبدو إنه كمن إصطدم بجدار فلم ينبس بكلمة أخرى، ولحراجة الموقف إنسحب الوزير محمد أشياع السوداني، لعدم إحراج الشيخ الهنداوي لا سيما وإنه من طائفته. في حين تسمر هو بمكانه. فإنسحبنا أنا ومساعدي ذو الفقار الذي كان فرحا بالنتيجة قائلا: خوش هجيته، شكد حجيت وياه ما يقبل ولهذا إتصلت بيك. فسألته: شنو منصبه بالعراق؟ فقال: هو مسؤول مؤسسة رفحاء. فتسألت: ألست أنت من الذين تركوا العراق والتجأوا إلى رفحاء بالسعودية حيث أقامت معسكرا لهم هناك وإستضافتهم، وقدمت لهم الغذاء والدواء وحتى السكائر للتدخين، نكاية بالعراق. فقال: صحيح، ولكن البعض منَّا خرج إلى سوريا، ونظرا لصعوبة الأوضاع هناك، ونظرا لعدم إمتلاكنا أية وثائق سفر، فقد قدمت لنا البحرين جوازات سفر بحرينية، فدخلنا بها إلى لندن. كما فعلت دول خليجية أخرى. فقلت متهكما: والآن تردون الإحسان إليهم، عملا بالآية القرآنية: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ.

ركبت سيارتي وعدت لمقر البعثة لإكمال أعمالي المتراكمة، وأنا أتساءل مع نفسي: لماذا دول الخليج ساعدت هذه الجماعات المتمردة ومنحتها حتى جوازاتها؟ ألم تكن تعلم أن من يخون بلده، سيخون أي بلد آخر؟ وهل تعلم دولة البحرين أن دبلوماسيا عراقيا مسيحيا أنقذها من إنتقاد شديد وإحراج بالغ أمام ممثلي دول العالم من الذين ساعدتهم قبل سنوات عندما إدَّعوا بمظلوميتهم؟

وقد تبين لاحقا إن هذا الشيخ هو من عائلة سكنت مدينة طويريج التابع لمحافظة كربلاء جنوب العراق وهي من أصول إيرانية لذا عرفوا ب (البو نيروز) وقد جرى ترحيلهم من العراق في عهد صدام حسين بعد محاولة اغتيال نائب رئيس الوزراء طارق عزيز في الجامعة المستنصرية في نيسان 1980، حيث قتل وجرح في تلك ألمحاولة عدد من الأشخاص. ألقي القبض على من قام بتلك المحاولة، سمير مير غلام، وكان من التبعية الإيرانية. لذا جرى ترحيلهم من العراق قبل بدء الحرب العراقية-الإيرانية عام 1980، استنادا لقرار مجلس قيادة الثورة المرقم 666 في 7/5/1980 الذي قضى بأن “تُسقط الجنسية العراقية عن كل عراقي من أصل أجنبي إذا تبين عدم ولائه للوطن والشعب والأهداف القومية والاجتماعية العليا للثورة. على وزير الداخلية أن يأمر بإبعاد كل من أسقطت عنه الجنسية العراقية بموجب الفقرة (١) ما لم يقتنع بناء على أسباب كافية بأن بقاءه في العراق أمر تستدعيه ضرورة قضائية أو قانونية أو حفظ حقوق الغير الموثوقة رسميا”. وهو لم يلتحق بمخيم رفحاء إطلاقاً لأنه كان في إيران، ولم يكن حينها (عام 1991) في العراق، لذا لا علاقة له بموضوع رفحاء، أما ترأسه للجنة الشهداء والضحايا والسجناء السياسيين فهو نوع من المحاصصة الحزبية حيث أن مؤسسة السجناء السياسيين وبضمنها رفحاء هي من حصة حزب الفضيلة، أما مؤسسة الشهداء فهي من نصيب حزب الدعوة. وتشير سيرته الذاتية على الموسوعة الحرة-ويكيبيديا إلى أنه التحق بالحوزة العلمية في الأهواز سنة 1981م وفي سنة 1983م التحق بحوزة قم. وانتمى إلى صفوف الحركة الإسلامية (حزب الدعوة الإسلامية) في سنة 1980م. بدأ بالجهاد المسلح في سنة 1980م من خلال كردستان العراق.

ولا أريد الدخول في تفاصيل مؤسسة رفحاء التي يترأسها الهنداوي، فقد كتب عنها الكثير الكثير، وكيف إنها منحت أولئك الذي خربوا مؤسسات الدولة وأحرقوا المقار الحكومية في العراق وإعتبروها خدمة جهادية (شريفة) ونضال وطني كبير، ومن خلال تمرير عدد من القوانين مثل قانون السجناء السياسيين وقانون الفصل السياسي للموظفين وغير الموظفين والتي شملت لاجئي رفحاء بحيث أصبحوا يتقاضون الملايين والكثير منهم يقيم خارج العراق حتى الوقت الحاضر في دول العالم المختلفة دون أي إنتماء وطني للعراق. كما إن قوائم الشهداء مبالغ فيها وتضم أسماء وهمية كثيرة تصرف رواتبهم الخيالية لإيران تجنبا للعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من المجتمع الدولي.

وفي المساء من ذلك اليوم عرضت قناة الشرقية الفضائية العراقية، تقريرا عن هذا المؤتمر وكيف أن شرطة الأمم المتحدة قد أطفأت أضوية القاعة على المؤتمرين لطردهم منها في إهانة بالغة لم تحدث سابقا في تاريخ الدبلوماسية العراقية. وأظهر الفيديو المصور كيف أن القاعة بدت مظلمة وكيف أن الشرطة أخرجت صفاء الصافي ومحمد السوداني ومحمد الهنداوي بشكل مهين. وهذه هي مشكلة اللاجئين عندما يتولون مناصب كبيرة. فلو كانوا وزراء حقيقين لطالبوا السفارة أو البعثة بإرسال مذكرة شديدة اللهجة تطالبه بالإعتذار عن إهانة مسؤوليها. ولكن اللاجئ-الوزير شيء أخر.

والحقيقة التي لا جدال فيها إن الدول تساعد من لهم إستعداد لخيانة بلدانهم وأوطانهم أكثر من إهتمامها بشعوب الدول المستهدفة ووطنييها. كما زودتهم بوثائق شخصية أو جوازات سفر سواء صحيحة أو مزورة ولكنها كانت فاعلة في معظم مطارات العالم وبضمنها بعض الدول المتقدمة مثل بريطانيا وغيرها.

هكذا كان يجري العمل الدبلوماسي للعراق في بعثة مرسلة للمقر الأوربي للأمم المتحدة تضم أكثر من 25 شخصا غالبيتهم لم يحضر إجتماعا واحدا طيلة أربع سنوات من عمله هناك، في حين كانت الوزارة والحكومة معا تسعى بكل الوسائل لمعاقبة الكوادر الوطنية وتهجيرهم في زمن كثُر فيه العملاء وخونة الوطن.
وأخيرا أرفق صورة التقطناها معا كتوثيق لذلك، وتخريسا للجيوش الألكترونية المأجورة للحكومة التي تشكك بذلك بحجج واهية، وتحاول حجب أي صوت وطني.