11 أبريل، 2024 8:55 ص
Search
Close this search box.

إن مِن الْفَساد إضاعَة الزّاد/3

Facebook
Twitter
LinkedIn

“فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ”
  ذكرت في مقالة سابقة بعض من المرتكزات التي تساهم في ديمومة الدولة وإنتعاشها وتقويم تجربتها السياسية وتصحيحها، والمساهمة في حسر الاستعدادات السلبية التي تؤدي إلى سلوك طرق الفساد المتنوعة، فكتبت حينذاك ماهو نصه:
“(اعتقد، قد نحتاج إلى بعض من مرتكزات أساسية للعدالة الإنتقالية، وهي مطلوبة في الوقت الحاضر للانتقال إلى حالة جديدة قد تؤدي إلى تغيير الواقع ولو بنسب مقبولة، ريثما تنحسر حالة التفتيت بين المكونات، اطرحها وكأنني متفائل بتلقيح وتخصيب العملية السياسية، وتحقيق الوحدة الوطنية، وإصلاح النسيج الاجتماعي واللحمة العراقية، إذا كان خنجر التقسيم مركونا في غمده ويأبى الجميع التلويح بحمله)”.
 
  فتفعيل تلك المرتكزات يعد جزء لا يتجزأ من ثقافة الدولة القانونية والاجتماعية والدستورية والأخلاقية ووقايتها من مختلف التداعيات، فضلا عن رفد اسسها لتكون أكثر قوة وصلابة للحفاظ على بنيتها ورصانتها من السقوط والانهيار وفقدان السيادة والتدخل الخارجي، وربما التجزئة والتقسيم.
 
  واليوم خطر على بالي أن اتطرق لان أخوض في موضوع بعض من المبادئ المطلوب توأمتها في مجال بعض المرتكزات وزجها معها وبقوة لغاية صيرورة الخادوم -أي الحكومة بشقيها- واستحالته إلى راع ووارث حقيقي لمصالح وأهداف الوطن العليا من جانب، والى خادم مخلص ومطيع، وقوي أمين، وقيوم وراع، وسلطان قابض وحازم، وأم حنون لكل المواطنين على حد سواء من جانب آخر.
 
  ف”العدل والمساواة” هما العاملان الأساسيان اللذان يلعبان دورا مهما وكبيرا في رسوخ تلك المبادئ المفصلية في الحياة الاجتماعية والسياسية والوطنية للدولة، فالصحة والتعليم والأمن والقضاء والإسكان والصناعة والزراعة والتجارة وجميع الخدمات الأساسية والانسانية لا تستقيم بل تعيش في حالة ظلم وظلام دامس وجمود وفي جو يسوده الفساد والفوضى، ولربما قد يتزحزح الوطن فيه إلى سلسلة ظلمات حالكة لا متناهية، وتفقد الدولة هيبتها ومقامها وتتدحرج إلى واد سحيق، فيفقدها ما يصدق عليه القول انها لم تعد واقعة ضمن حدود الوطن الواحد، في حال “غياب هذا المبدأ” أو حتى في حال “اضمحلاله”، فمثلهما-أي العدل والمساواة- كمثل الهواء والماء في إدامة الحياة لجميع ما يصلح أن يطلق عليه أنه من الكائنات الحية.
 
  فإذا اردنا أيضا وعلى سبيل المثال تطبيق الإصلاحات وانجازها على النحو الذي تعاد فيه الطمأنينة للشعب ويرد له الإعتبار ويدفع به نحو الرقي والتحضر، فبات من الضروري جدا تطبيق تلك المرتكزات إذا اردنا كذلك أن نقيم العملية السياسية لتخليصها من حالة العقم والفساد المزمنين، ولنعتبرها أيضا بمثابة اللقاح لها لعلها تستقيم، ربما مع قليل من الصبر والحزم والثقة بالنفس، من حيث أن الإجراءات حتى الجزائية البسيطة منها المتعلقة بالثواب والعقاب يجب أن تأخذ مجراها الطبيعي بما يتناسب مع القوانين الوضعية المنسجمة مع الدستور ومع قانون السلامة، أي مكافأة المحسن بالاحسان، ومعاقبة المسيء بحزم أو على الأقل مجازاته بالحرمان، وبمقدار استحقاقات الاساءة والاحسان لكليهما مهما كانت اعتبارات ذلك الشخص ومحسوبياته، على أن يتزامن هذا الاجراء بدعم وتطوير سلطة القضاء، ومنظومة المواقع السيادية، ومؤسسات الخدمات الوطنية والانسانية، ومنظومات القوات المسلحة والامنية، و”فلترة” الجميع وبدون استثناء من العناصر العميلة والمندسة والمتربصة، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب في جميع مفاصل الدولة والحكومة، وعلينا أن نفعل هذه المبادئ وبأسرع مايمكن، بالإضافة إلى تطبيق مبدأ “من أين لك هذا؟” وتشخيص المفسدين وسراق المال العام وعرض أوراقهم على القضاء ابتداء من اعلى رأس الهرم ووصولا إلى أسفل القاعدة، بات بحد ذاته مطلبا اصلاحيا شعبيا وجماهيريا يجب تطبيقه من دون أي توان بإضاعة الوقت ومن دون أي تردد، والوقت كما يقول المثل: “كالسيف إن لم تقطعه يقطعك”.
 
  وفي حال غياب تفعيل تلك المبادئ أو اضمحلالها كما ذكرت، فعلى الدولة بما فيها من مكونات ومؤسسات عليها القبول بمواجهة التحديات والمصاعب والأزمات على مستوى جميع الاوساط ومختلف المجالات، وعندما يسقط عاملي العدل والمساواة من قاموس الدولة عند ذاك ستخر وتنحدر إلى واد الظلمة والحلكة، وبالتالي فالنتيجة يدفع ثمنها وللأسف اثنان لا ثالث لهما هما: “الوطن والمواطن” وهي السقوط والانحدار والانهيار والانحطاط وتضييع الزاد، بينما لا ينتفع ويستفيد من هذا التداعي الخطير إلا المتربصين والزمكانيين والمنحرفين وسارقي المال العام والفاسدين والخونة وممارسي الارهاب والمتلاعبين بمصير ومستقبل الوطن.
 
  وزاد الدولة والمجتمع لا يعني بالضرورة الخبز وحده الذي يمثل الجانب الاقتصادي والمعيشي والحياتي للبلد وسكانه فحسب، بل “الزاد” يكمن في ادناه على مستوى الفرد في “الصحة والأمان”، ولكن “زاد الدولة والمجتمع” أكبر وأوسع من زاد الفرد الواحد، وقد يضيع بسبب الفساد، وهو متنوع وكثير، “فتفشي الكفر، والأوبئة والأمراض، وروح اللاوطنية، وكثرة النفاق، وقتل النفس بغير حق، وبخس الموازين، والاسراف، وتجاوز الحدود، والخروج عن المألوف، وارتكاب الفواحش والمنكرات، والتلاعب بالمال العام وسرقته من قبل المسؤولين،وانتشار ظواهر الرشا، والفوضى والتهجير، والرعب والخوف، والفقر والبطالة، وكثرة اليتامى والإرامل، والهروب الجماعي، والخطف والتفجير”، هو “هذا الضياع بعينه بعد زاد”، الزاد الذي ضاع وضيع بسبب الفساد والذي عبر عنه أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) بقوله: “إن من الفساد اضاعة الزاد”، وللفساد عدة وجوه، كافساد نظام الحكم السياسي بالمحاصصة والطائفية والمذهبية والمحسوبية والمنسوبية والمناطقية والحزبية، وكافساد النفوس بالقتل والذبح والمفخخات، وافساد الاقتصاد بالسرقة والرشا والربا واكل المال بالباطل، وافساد العقول بالتضليل والشراء، وبوسائل الاعلام المأجورة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
والحمد لله رب العالمين.
 
“وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا”

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب