18 ديسمبر، 2024 5:44 م

إن كُنت ناسي أفَكَرَك !!!

إن كُنت ناسي أفَكَرَك !!!

لم نجد جملة متقاربة مع امنيات وزير الخارجية الأمريكي انتوني بلينكن ، وهو يعبر عن امله في فعالية للمنتدى الاقتصادي العالمي في المملكة العربية السعودية ، أن تظهر روسيا “استعدادها لإجراء مفاوضات صادقة وفقا للمبادئ الأساسية التي يقوم عليها المجتمع الدولي وميثاق الأمم المتحدة”، ويعتقد بلينكن أنها “السيادة وسلامة الأراضي والاستقلال ، وإذا تم تأكيدها بشكل صحيح ” ، سوى كلمات الفنانة الراحلة هدى سلطان في اغنيتها ” إن كُنتَ ناسي أَفَكَرك ” ، حتى سبقتنا المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في تذكير الوزير الأمريكي ، بإن موسكو هي من أكدت قبل عامين استعدادها للاستجابة البناءة للمقترحات حول التسوية في أوكرانيا إلا أن واشنطن منعت كييف من التفاوض.
موسكو اليوم هي غير موسكو عام 2022 ، التي عبرت عن ” نواياها الحسنة ” ، لإنجاح المفاوضات حفاظا على العلاقة التاريخية التي تربط الشعبين الروسي والأوكراني ، واتخاذها خطوات عملية لذلك ، كأن تكون انسحابها من العديد من المناطق الأوكرانية لإفساح المجال لهذه المفاوضات ان تأخذ طريقها لحل المشاكل العالقة بين موسكو وكييف ، أما اليوم ، فقد تبلور واقع جديد على الأرض ، وان موسكو تؤكد رفضها القاطع اليوم لأي مساومة على مناطقها الجديدة مقابل أصولها المجمدة في الغرب، مجددة التحذير من المساس بأموال روسيا.
وما كشفته صحيفة “دي ويلت” الألمانية ، يؤكد حقيقة النوايا الروسية في عام 2022 ، بشأن وقف العمليات القتالية وافساح المجال لفرص السلام ، لكن سبب فشل مفاوضات السلام بين أوكرانيا وروسيا في إسطنبول عام 2022 ، في الدرجة الأساس تلك المشورة التي قدمها رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون ، برفض المقترحات الروسية والاستمرار بالقتال ، مقابل تعهد الحلفاء لأوكرانيا بتقديم الدعم اللازم لها ، و رفض كييف منح اللغة الروسية صفة اللغة الرسمية الثانية في أوكرانيا ، كما طالبت روسيا أيضا برفع نظام كييف العقوبات والقيود على حركة المواطنين الروس ، وسحب الدعاوى التي رفعها أمام المحاكم الدولية ضد روسيا.
ونعيد إلى أذهان الوزير بلينكن ، بأن مبادئ التسوية المتفق عليها بين موسكو وكييف كانت واردة في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2202، الذي أقر اتفاقيات مينسك ، وإعلان زعماء دول “رباعية نورماندي”، وأهم تلك المبادئ عدم وجود بديل للتسوية السلمية والحوار المباشر بين كييف وبين دونيتسك ولوغانسك، إضافة إلى تسلسل محدد من الخطوات التي تعتبر استعادة سيطرة أوكرانيا على حدودها مع روسيا الأخيرة منها ، وأن الجانب الروسي بصفته الوسيط في عملية التسوية ، دعا “الشركاء ” الألمان والفرنسيين إلى مواصلة الجهود المشتركة الرامية إلى عودة الحياة السلمية إلى شرق أوكرانيا.
كما ودعت موسكو برلين وباريس إلى وقف القيام بتكهنات سياسية، وإلى دفع أوكرانيا لتنفيذ اتفاقية مينسك حول دونباس ، ولكن ألمانيا وفرنسا، اللتان تدعوان علنا إلى تسوية الوضع في دونباس بأسرع وقت ممكن، لا تزالان تتجنبان تقييم سلوك كييف ، وواصلتا تواصلان تحميل روسيا مسؤولية انعدام أي تقدم في عملية المفاوضات ، حتى انكشف المستور من ذلك التراخي الأوربي تجاه أوكرانيا ، وأكدت المستشارة الألمانية لنجيلا ميركل ، والرئيس الفرنسي الأسبق ، بأن المماطلات الاوربية كانت متعمدة ، وذلك للحصول على اكبر وقت ممكن لتمكين من تسليح اوكرانيا لمواجهة روسيا .
ودعوة الوزير الأمريكي جاءت في ظل انقسام اوربي كبير بشأن التعامل المستقبلي مع روسيا ، فقد ان تكشفت لديهم الأهداف الامريكية ، وراء الإصرار على استمرار تزويد أوكرانيا بالأسلحة ، وذاقوا ذرعا من ، من دفع المبالغ الطائلة الى رئيس ” مهرج ” كفلاديمير زيلينسكي ، والذي يقود زمرة من الفاسدين ، وعلى الرغم من دعوات وزير الدفاع الأوكراني رستم عميروف ، خلال اجتماعه برئيس دبلوماسية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، إلى الحاجة لزيادة كبيرة في إمدادات الذخيرة إلى كييف ، جاء الرد سريعا على تلك المطالب ، ففي آخر تصريح لمفوض السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، أكد فيه أن الأوروبيين لن يموتوا من أجل دونباس، وبأن الاتحاد الأوروبي استنزف مخزوناته العسكرية ولا يملك “عصا سحرية” لإعطاء أوكرانيا المزيد من القذائف ، وقال ” لكن ليس لدي سحر، ليس لدي عصا سحرية ، فقدرات الصناعة الدفاعية في الاتحاد الأوروبي كانت منخفضة للغاية” ، وعليكم ان تتصورا حجم اليأس والإحباط الذي وصلت اليه القارة العجوز من الاملاءات الامريكية ، وحتى داخل البيت الأمريكي حيث يصرخون نهارا جهارا بضرورة تدمير روسيا ، يشير نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيدانت باتيل، إلى أن الإدارة الأمريكية ليس لديها “فانوس سحري يغدق المال”.
وهل يعلم الوزير الأمريكي بأن أوكرانيا امام تحد كبير ، فقد اكد عمدة كييف أن عودة اللاجئين الأوكرانيين البالغ عددهم أكثر من مليون شخص من ألمانيا إلى وطنهم ، – بعد ان سأم منهم الالمان ، وكتبت مجلة Focus أن الألمان ممتعضون من سلوك اللاجئين الأوكرانيين- ، وبالتالي سيحتاج العائدين إلى دافع العودة ، وسيحتاجون إلى الوظائف والأجور والمستوى المعيشي الجيد ، والقادة الأوروبيون يحذرون من انعدام الرؤية حول الدعم الأمريكي لأوكرانيا، وسط حديث عن الحزمة الأمريكية الاخيرة من المساعدات باعتبارها الأخيرة .
والجديد في الامر اليوم ، هو ما اعلنه مكتب المحاسبة بالكونغرس الأمريكي GAO) ) ، أن الهيئات العسكرية التي تخطط لإبرام عقود طويلة الأمد لتعويض 5 أنواع من الأسلحة التي تم تسليمها لأوكرانيا ، تواجه رفض عدد من الموردين في توقيع عقود طويلة الأمد وبأسعار ثابتة مع البنتاغون ، لتعويض الأسلحة المورّدة إلى أوكرانيا ، في ذات الوقت يعترف القائد الأعلى للقوات الأوكرانية ألكسندر سيرسكي ، بأن الوضع على الجبهة تدهور بشكل كبير، تزامنا مع تحقيق القوات الروسية نجاحات تكتيكية في عدة جبهات.
وقد اثبتت الوقائع أن كل ما يحدث في أوكرانيا ، هو نتيجة لممارسات النخبة الأمريكية التي جرّت الغرب إلى حربها في العراق ودمّرت ليبيا وسوريا، وأنه حان الوقت للسلام مع روسيا ، وكتب بيتر هيتشنس في “ديلي ميل” ، كل ما استخلصناه من نزاع أوكرانيا ،هو أن محاولات إثارة غضب جار جبّار ستؤدي للمشاكل، وأن السلم الهزيل أفضل من القتال حتى النهاية” ، في غضون ذلك يرى وزير الخارجية الصيني وانغ يي ، أنه لا يوجد علاج معجزة لحل الأزمة الأوكرانية، وضرورة خلق أطراف النزاع الظروف اللازمة لوقف إطلاق النار، وبدء مفاوضات السلام ، وإنه يجب على الولايات المتحدة ، أن تفكر حقا في مسؤوليتها في الأزمة الأوكرانية وأن لا تصب الزيت على النار.
واليوم تواصل روسيا دعوة كييف للتسوية السلمية ، وبما يضمن تحقيق كافة مطالبها، فيما تؤكد استمرار العملية العسكرية في أوكرانيا حتى تحقيق أهدافها، وعلى أساس الحقائق الجديدة التي نشأت على الأرض ، وأنها لن توقف القتال خلال أي مفاوضات توافق عليها كييف ، وانها مستعدة في حال التوصل إلى تسوية للصراع في أوكرانيا ، لضمان المصالح الأمنية للمشاركين الآخرين في العملية إن توفرت لها الضمانات نفسها ، وكما شدد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ، على ضرورة الاتفاق على ضمان الأمن بالتساوي لجميع المشاركين في العملية..هذا هو موقفنا، ولا يمكن فهم كيفية وضع هذه المبادئ موضع التنفيذ من دون الجلوس على طاولة المفاوضات” .
إن أماني وزير الخارجية الأمريكي ما هي الا ضرب من النفاق، ومحاولة للتهدئة قبل استئناف القتال ، ولا شيء وراء هذه الدعوات الكاذبة للسلام ، سوى النفاق ومحاولة غير مقنعة لمواصلة القتال وإلحاق هزيمة استراتيجية بروسيا ، فإن دعوات واشنطن للسلام تأتي “على خلفية إمدادات الأسلحة على نطاق واسع للنظام الأوكراني النازي ” ، وأن روسيا منفتحة على الدبلوماسية، وأن شروط الحوار معروفة، وكلما استمرت واشنطن بتشجيع كييف والمخربين الأوكرانيين على الهجمات الإرهابية، صار الحل الدبلوماسي أعقد .