22 ديسمبر، 2024 7:36 م

إن قوة المجلس الوطني الكردي تنبثق من التكوين الذهني المجبول على ( البرزانية ) عند الجماهير

إن قوة المجلس الوطني الكردي تنبثق من التكوين الذهني المجبول على ( البرزانية ) عند الجماهير

الدكتور فريد سعدون نائب عميد كلية الاداب في الحسكة ….
كيف تقيمون اتفاقية ” دهوك ” المنعقد بتاريخ 22 10 2015بين المجلس الوطني الكردي(ENKS ) في سوريا وحركة المجتمع الديمقراطي(TEV-DEM ) ..

برايكم ما جرى من اللقاءات الا تشبه اتفاقية هولير 1 وهولير 2 , وهل تعتقدون بتوفر اليات تطبقيها على ارض الواقع مع مراعاة ( الزمكان ) … والتجربة اكبر برهان ….؟؟؟

الجواب :

من الضروري أن نميز بين المتخيل الذهني الذي تثيره الحالة الوجدانية والعبارات اللغوية المنمّقة وبين الوقائع في علاقتها بالمنجز الإنساني، وحتى نستطيع مقاربة منظومة قانونية أو سياسية وتقييمها لا بد من الوقوف على ملامحها ووظائفها وكشف إيقاع هيمنتها وتأثيرها على السياق الاجتماعي ومدى قدرتها على توجيه أهم استراتيجيات التواصل والتعامل وتداول السلطة والإدارة في بعدها الإنساني بعيداً عن الأنانية والاستفراد والاستحواذ، وفي نموذج الاتفاق الراهن، أو لنقل الاتفاق على أن يتفقوا فيما بعد، فإن من يمتلك القدرة على المناورة والتحكم في الواقع من خلال امتلاكه لوسائل القوة المتنوعة ( القوة العسكرية والإعلامية والاقتصادية والجماهيرية … ) يستطيع إدارة الموقف لصالحه، ويتم توجيه الراي العام أيضاً لصالحه؛ باستثارة الحساسية العاطفية في بعدها القومي عند الجماهير عبر ثنائية المقاومة /الشهادة ، ولكي نتبين بوضوح هذه الفكرة نستطيع أن نستأنس بالاتفاقات السابقة التي جنحت دائما عند تطبيقها ( أو ادّعاء تطبيقها ) عن النص المكتوب وانزاحت لصالح الطرف الذي استحوذ على أسباب القوة، إذ هناك فوارق نوعية بين طرفي المعادلة، وقد تسفر هذه الفوارق عن نسف الاتفاق في أي لحظة، حيث إن قوة المجلس الوطني الكردي تنبثق من التكوين الذهني المجبول على ( البرزانية ) عند الجماهير، بينما أحزاب المجلس في ذاتها لا تمتلك قوة ذاتية، لذلك فهي ترى أنها لو كانت في أدنى درك القوة ومهما تقاعست عن العمل والنضال فإنه في النهاية هناك من سيفرضها لتكون طرفاً في اي اتفاق، ويمكن الاستدلال على هذه الفكرة بنماذج من بعض الأحزاب التي شاركت في الاتفاقية وليس لها على أرض الواقع غير اسم سكرتيرها، بينما حزب ب ي د فإنه يعتمد على منظومة متكاملة من الأنساق التي تؤمن له القوة الكافية ليكون الرابح الأكبر في أي اتفاق، وبالتالي أشد فاعلية في تحريك نص الاتفاق لصالحه حين التطبيق، ولا يلبث أن يتجاوزه ليمضي قدماً في تسخير طاقات الغير لخدمة رؤيته وأهدافه، واتفاقية هولير خير دليل على ذلك، واتفاق دهوك لا يخرج كثيراً عن سياق اتفاق هولير إلا بإدخال بعض التعديلات الجزئية عليه حتى يحقق نسبة مقبولة من امتصاص نقمة الشارع، ويحتفظ بعملية التواصل مع الوسط الاجتماعي، ولم يكم من مناص للخروج من دون اتفاق لأن ذلك كان سيثير غضب ونقمة الأطراف الراعية، أولاً، ويهدد وجودهم على الأرض ثانياً، وهذا لاطاقة للطرفين على تحمله، بينما على الصعيد السياسي فإنه لم يحدث أي خرق للثوابت التي يتمسك بها كل طرف، وخاصة في جانب (القوة العسكرية) هذا الجانب المؤجّل لاستحالة زحزحة ب ي د عن موقفه الصارم المتمسك بقوات ي ب ك وعدم قبول أي قوة موازية إلا إذا كانت زمامها في يده، في حين كانت هناك مرونة في تقاسم المسائل الإدارية التي ( أصلاً ) كانت ب ي د مستغنية عنها،
وقد سلّمتها لأحزاب لا قيمة لها وأشخاص مغمورين غير مقبولين جماهيرياً، وهنا صارت الفرصة سانحة أمام ب ي د لترسيخ سلطة الإدارة الذاتية من خلال تطعيمها بقيادات من أحزاب ( تدّعي أنها كبيرة ) والفرصة هي نفسها لأحزاب المجلس التي لم تجد لها موطئ قدم في صف المعارضة ولا في صف الموالاة، ووجدت نفسها فجأة على هامش الأحداث وتعرضت للمضايقة وأحياناً (لأبعد من المضايقة ) وفقدت مكاسبها وتضاءل وجودها على أرض الواقع واختار معظم قياداتها النفي خارج البلاد طوعاً أو كرهاً، وانعدمت عروض التفاوض أو التحاور إلا بشروط ب ي د ، فجاءت الدعوة من الرئيس البرزاني لتشكل المخرج الأفضل لكلا الطرفين، والدليل على أن هذه الدعوة كانت الترياق لحل معضلة الأحزاب وليس الشعب، هو الاستغناء عن المستقلين والتنسيقيات والمنظمات والشخصيات الأكاديمية والقانونية والاجتماعية وحصر اللقاء في قيادات الأحزاب فقط، وهذا إثبات على أن الاتفاق إنما هو اتفاق حزبي بامتياز، وتم بين طرفين متباعدين ومتناقضين إيديولوجيا وقوميا وفكريا وسياسيا، بينما الجمهور هو الطرف الثالث الذي يستجيب لتأثيرات الخوف من القتل والتدمير والتهجير، وإذا كانت الصورة على هذا النحو فإن الاتفاق ليس محاكاة للواقع بتمثيل معطياته الحقيقية وإنما تأويل هذا الواقع حسب مقتضيات الرؤية الحزبية، أولاً، وحسب ما تم فرضه من الخارج ، ثانياً، ولكن الاتفاق في حدّ ذاته يلعب دوراً مهماً في إعادة التوازن إلى الشعور الجماهيري الذي نالت منه المخاوف واستحوذ عليه القلق والاضطراب، ويكفي أن نلحظ التغيير الديموغرافي للمنطقة لندرك هول الكارثة التي تتربص بالشعب الكردي، ولذلك لا بد من خلق الأرضية الملائمة لنجاح أي اتفاق يوحّد الجهود لدرء مخاطر الإبادة والتهجير عن الشعب الكردي.