19 مايو، 2024 11:46 م
Search
Close this search box.

إن قلت أعلم فأنت فعلاً لا تعلم

Facebook
Twitter
LinkedIn

من لا يعرف جيري ، إنه فأر، بطل مغوار ، وقح مشاغب ، متحرش بكل عابر وسابل ،  غادٍ و قادم ، عدوه اللدود ، توم ، ذاك القط المدلل المتراخي ، وعداوتهما تملأ تلفزيونات العالم ، غاب توم يوماً لسبب غير معروف ، شعر جيري بفراغ قاتل ،فَخَرَج  إلى طريق القوافل ، يتفرج على المارة ، شاهد بالصدفة ، قافلة من الجمال ، يقودها جمل كبير ، أراد جيري كالعادة أن يتحرش بهذا الجمل المتغطرس ، فركض وتقدم القافلة ليقودها بدلاً منه ، ابتسم الجمل  ولم يغضب أو  يمنع جيري من مأربه الخبيث ، وسارت القافلة بقيادة  جيري المشاغب ، والجمل يتبع خطواته باحترام وتقدير ،حتى جعله يصدق أنه القائد فعلاً ، اندمج جيري بالدور تماماً ….. مرت غويمات صغيرة ، بيضاء تعرف مهاترات جيري المشاغب ، وأرادت أن تلاطفه ، وهي تتضاحك وتتمازح فيما بينها ، شدها منظر جيري الغريب ، فرشقته بتيار خفيف بارد من مزنة ربيعية ، هبّت بعدها نسيمات ناعمة خفيفة ، شعر بعدها بلسعة برد ، فارتجف جسده ، ولم يتحرك الجمل أو حتى يتأثر من تلك النسيمات ، فهي نسيمات منعشة لا تزعج أحداً، إلا الخبثاء فقط ، تغير مزاج جيري نحو الأسوأ بعد أن  شاهد الجمل ، يضحك خلفه ، فصاح عليه بلهجة آمرة : -” لماذا تضحك أيها الغبي ، أنتم الجمال سفهاء جداً تضحكون لأي سبب، حتى وإن كان سخيفاً…!؟” رد الجمل بحنكة وعدم اكتراث قائلاً: -” لاتنزعج يا قائدي ، أنا لا أضحك عليك  مطلقاً ، فأنا احترمتك وسمحت لك أن تقود القافلة بدلاً مني….!”   انتفخت أوداج  جيري بالكبرياء ورد بخيلاء : ” كنت أظن أنك تضحك على حجمي  ، فنحن الفئران حجومنا صغيرة وعقولنا كبيرة، عكسكم تماماً أيها  الجمال الأغبياء …!” لم ينزعج الجمل من  كلام  جيري مطلقاً ورد عليه باحترام قائلاً : -” أنا لا أضحك عليك أنت بالذات ، يا قائدي العظيم ، بل أضحك على الزمن العاثر الذي جعل فأراً يقود جمالاً…!!” سار جيري  بخيلاء وتكبر، يتقلب أمام قافلة الجمال متصوراً نفسه عظيماً في الشأن بعد أن سمع رد الجمل الذكي ، فالكثير من المخلوقات الفارغة ، خصوصاً الإنسان ، وكطبيعة لا تقبل النقاش ، يتصور نفسه أفضل المخلوقات ، و للحكماء رأيهم في ذلك ، الأغبى من تصور نفسه أذكى الآخرين ، فقد أوصله غباؤه إلى قول ذلك ، فلو كان يدرك شيئاً ، لعرف ، إن الإنسان لو عاش عشرين عمراً كعمره ، يستعصي عليه قول أعلم ، فكلما زاد علماً ، أدرك فعلاً أنه لا يعلم ، وتلك حقيقة ، حين ينصحنا العقلاء وأصحاب التجربة ، ألّا نورّط أنفسنا بمناقشة متخلف أو جاهل ، لأنّنا سنفشل بالنقاش حتماً ً، لسبب بسيط ، هو أننا لا نحسن التخلف ، ولا نحسن أن نقول على أنفسنا  أننا نعلم ،  فلو قلنا ذلك ، سينحسر الفرق بيننا وبينه ، أحياناً أرجّح السكوت على الكلام في موقف كهذا، و أجزم أن السكوت أمام المتخلف أبلغ من الكلام …. شدني قول ممثل أمريكي مشهور ، في بلد مثل أمريكا ، راعية التحضر والتكنولوجيا في العالم : قل لهم أنك فاشل لتأمن شرهم ، وتمتع بنجاحك وحدك ، فالفاشلون لا يتحملون نجاحك  ، كيف و مجتمعنا  مهرجاناً للفاشلين وهو مترع بالأنانية والأفك والحسد والتخلف ….وأنا في هذا السجال الداخلي مع نفسي وصلت  إلى قناعة أدركتها من هذا التوصيف الجاثم فوق صدر قلمي  ، فحين وصلت القافلة نهراً صغيراً ، وقف ، القائد جيري متحيرا أمام تلك المعضلة ، فهو صغير جداً ، و عبور هذا النهر يعد انتحاراً ، و الجمل واقف يتفرج على الفأر ويضحك  بقرارة نفسه ، وبعد برهة من الزمن قال : ” لماذا وقفت أيها القائد الهمام ، نحن بانتظار أوامرك  ، لماذا لا تعبر أمامنا فهو نهر صغير ، هل أنت خائف علينا من الغرق …!….؟ لا تخف نحن نتخطاه بخطوة واحدة  ، وإذا طلبت منا أن ندخل فيه فهو لا يصل حتى كعوب أرجلنا ، فماذا تودنا أن نفعل….!؟” بقي الفأر صامتاً ، بماذا يرد ، إن الله خلق المخلوقات باختلاف ، ووزع الواجبات عليها، وجعل الحاجة هي الرابط الوثيق فيما بينها ، فلا تتصور مخلوقاً في الدنيا خلق عبثاً ، من الفايروس إلى الفيل ، إلّا وله دور وواجب في الأرض ، ولو انقرض مخلوق من تلك المخلوقات ، سيخلف حتماً  نقصاً و شرخاً  ملحوظاً في الحياة ، أظن أن الفأر أدرك قدراته ، فأحنى  رأسه خجلاً وانكساراً  أمام الجمل، وقال باحترام : -”  شكرا لك أيها الجمل ، فقد أعطيتني اليوم  درساً لن أنساه ما حييت ، إن قدرات  المخلوق يحددها العقل قبل الحجم ، فلكل حجم حيز وقدرات  بمقداره ، علينا أن ندركها مسبقاً بالعقل ، فلو فهمت أنا ذلك مسبقاً ، لما وضعت نفسي في هذا  الموقف المحرج …!!؟” ضحك الجمل بتعقل واتزان وقال : -” لا عليك يا صاحبي فالإنسان ، سيد المخلوقات ، والذي وضعه الله قيماً علينا ، وتراه  سيد الخطائين ، فهو أكثر منّا تخلفاً وعنجهية ، وهو يدعي الفهم والإدراك والعلمية ، حتى وصل الأمر بغبائه أن يثقب مكانه في سفينته، وسط البحر ليغرق غيره ، غيلة وحقداً ، ولا يدري أنه سيغرق معهم أيضاً…!” هز جيري رأسه الصغير بالإيجاب   ورحل ….!….هل يا ترى ، سيستفيد جيري من هذا الدرس وسيتعقل بالقادمات…!؟

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب