23 ديسمبر، 2024 12:56 ص

إن شُقّت القناة.. فالجسرُ آت

إن شُقّت القناة.. فالجسرُ آت

الأصل أن الممرات المائية تُنشأ لأغراض اقتصادية تتعلق بتيسير النقل المائي واختصار المسافات وإضافة إيرادات تأخذ شكل رسوم تفرضها الدولة صاحبة الحق في استثمار الممر المائي على السفن المستفيدة، لكن الواقع السياسي في جزء من العالم العربي أظهر لنا ابتكاراً جديداً هو قيام دولة بإنشاء ممر يكون حدوداً بحرية مستحدثة تحل محل الحدود البرية الطبيعية وتحيل دولة شبه جزيرة إلى جزيرة بسبب خلاف بين الإثنتين !. في وقائع أخرى أخذ الفصل بين دولة وأخرى أو بين أجزاء دولة واحدة شكل جدار عازل كما فعل
الإسرائيليون لعزل مستوطناتهم عن أصحاب الأرض الفلسطينيين، وما اتجه إليه الرئيس ترامب من إقامة جدار على امتداد الحدود مع المكسيك لمواجهة الهجرة، لكننا اليوم، مع إعلان المملكة السعودية عن مشروع قناة تفصل بينها وبين قطر نقف أمام أكثر من مفارقة، فالدول التي تنتظم في تجمعات إقليمية تتوجه نحو ربط بعضها ببعض، وليس العكس، وهكذا كان الأمر حين تعاونت فرنسا وبريطانيا – قبل خروج الأخيرة من الإتحاد الأوربي -لإنشاء نفق تحت أمواج بحر المانش لتأمين نقل بري بينهما للبضائع والمسافرين، وهكذا كان الحال بإنشاء جسر بين البحرين والسعودية، ثم بروز مشروع الجسر العملاق بين قطر والبحرين، فضلاً عن مشاريع ربط الدول ببعضها بشبكات السكك الحديد التي تمثل أوربا أضخم نموذج لها،ثم توجه الطموح الخليجي نحو تحقيق هذا الربط مستقبلاً.
في ظل هذا الواقع، وفِي ظل انعدام الضرورة والجدوى الإقتصادية والتصريحات هنا وهناك فإن الباعث السياسي يظل هو الكامن وراء مشروع القناة الغريب الذي تتمثل غرابته في جانب مهم هو سعي دولة عضوة في مجلس التعاون الخليجي إلى إقامة حاجز بينها وبين دولة عضوة في المجلس ذاته، وتزداد هذه الغرابة باستذكار السعي الذي مضى نحو مد الجسور والسكك الحديد لعبور البحار واختزال المسافات البرية بين دول المجلس .
وسط الجدل حول هذا الأمر واحتمالات تنفيذ مشروع القناة أو عدمه، من الأهمية بمكان تأكيد حقيقتين : أولاهما أن قطر لن تتأثر سلباً بالقناة المنتظرة لأنها لن تمنع أهم وسيلتين في التجارة والتنقل، هما النقل البحري والنقل الجوي، بل لن تخلو القناة من مزايا تتحقق لقطر بإضافة شاطئ جديد لها!. والثانية أن الترابط الإجتماعي بين أبناء الخليج يظل وثيقاً رغم ما يطفو أحياناً من خلافات، وقد أكدت الأحداث أن الخلافات الخليجية تظل قصيرة الأمد بفعل الشعور الخليجي المتأصّل بالوحدة والتآلف.
في ظل هذه المعطيات فإن القناة لو تحولت إلى حقيقة فإن التضامن الشعبي الخليجي سيفرض يوماً إقامة جسر يربط الضفتين من جديد وتظل القناة شاهداً على أزمة ما كان لازماً أن تكون.