في القرآن الكريم، يطالعنا قول الله تعالى ( ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها). وهذا يعني أن الأصل في سلوك الإنسان على الأرض، وفي كل نشاط يمارسه، لإدامة الحياة الفاضلة عليها ، ينبغي أن يكون مبنيا على الصلاح، والإصلاح. وبالتالي فإن أي خرق لهذا القانون الإلهي، إنما هو إفساد للحال الصالح، وتخريب لبناء الإنسان، وهدم لانجازاته الخيرة، والإيجابية،التي ينبغي أن تكون قائمة على الصلاح، في كل مجال من مجالات الحياة.
ولذلك فقد جاء توكيد هذه الحقيقة في قوله تعالى (إن الله لا يصلح عمل المفسدين) صريحا، ومباشرا، كما بدا من النص،حيث جاء النفي بصيغة التوكيد، مع إنه حتى لو جاء النص مجردا من هذا التوكيد، لأفاد ذم الفساد، والنهي عنه أيضا.
ولأن تداعيات آفة الفساد بكل أشكاله خطيرة، بدءاً من فساد الضمير، مروراً بكل أشكال الفساد الأخرى ، المالي منه، والسياسي، والاجتماعي،وانتهاء بفساد البيئة، بفعل المفسدين، فقد جاء النهي مؤكداً، للتشديد، وذلك بقصد الحث على الامتناع عن الفساد، الذي يعيث بالمجتمعات البشرية، والبيئة، والأرض، خرابا، مهما كانت ذرائع تمريره.
وتجدر الإشارة في هذا المجال، إلى أن أغلب الفاسدين، يرفعون شعار الإصلاح حتى وهم يمارسون الفساد ، حيث اعتادوا أن يفتروا على الناس الكذب، بادعائهم الحرص على الإصلاح، ومقاومة الفساد، برفعهم هذا الشعار البراق، بين الناس، زورا، وبهتانا. وقد أشار القرآن الكريم إلى حقيقة هذا السلوك الزائف في قوله الله تعالى بهذا الخصوص ( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون.. ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يعلمون ).
وهكذا نجد أن الفساد، بما هو، حقيقة سياسية، واجتماعية، نعيش تداعياتها، وبكل تفاصيلها في أغلب مجتمعات اليوم ، إنما هو نتاج سلبي، ناجم عن الانحراف عن جادة نهج الصلاح القويم، الذي يدعو اليه القرآن الكريم، باعتباره مدعاة للسعادة، والفلاح .