قصائد مفعمة با اللوعة والحزن للشاعر” مكي الربيعي ”
الشاعر العراقي المغترب والذي يعيش في أستراليا الان ” مكي الربيعي ” لم ينقطع يوماً واحداً عن أهله وأحبته بالرغم من بعدِ المسافات ،والشعر لديه تواصل معرفي لأنه يخرج من روحه وعقله الذي تركهما في مدينته التي هجرها مضطرا ً في زمن الدكتاتور إبان فترة الحصار والتي لبدت سماءنا بغيومها السوداوية وخاصة نحن الذين تشبثنا بهذا الوطن المصطلي بعذابات أبناءنا الذين أكتووا بحبه من جراء القهر والخوف والحروب ، والذي يغوص في قصيدة ” الربيعي ” ويتأملها يجد أعتزازه بالانسان هذا الكائن الذي كرمه الله على كل المخلوقات ،وهدف الربيعي والذي من خلاله وأقصد الإنسان هو الهدف الأسمى والأكبر ، وهو المركز الذي تدور عليه الحياة .وأعتقد أن قصيدة الموقف واضحة في العديد من قصائده التي إنتبه لها النقاد ،بإعتبار النقد كما يقولون هو معرفة تواصلية تسعًى الى التكامل الجمالي ، ولهذا تأخنا قصيدته التي ينتزعها من روحه التي تحوطه بالمرارة والألم وهو يستصرخ مما يحيطه من منغصات وصراعات سواء كانت طائفية ، أو ما يفعله القادة الجدد من سرقة وموت لهذا الشعب الذي أحبه وصاغ قصائده من روحة الهائمة التي لم تعطيه فرصةُ ولو لمرة واحدة بالتخلي عن شعبه الجريح .وها هو يقول
أني أتاس عليك ياوطني
من موتٍ إلى موتٍ مشيت
ومن كفنِ إلى كفنِ
هل عطشت كما الحسين ؟
حسناً ،
سأقص وريد الغيمة ليهطل المطرُ عليكً
وأعتقد أن صوره التعبيرية المتكونة من ثلاث عناصر والتي جمعها في معظم قصائده من حيث الالفاظ والأخيلة، اي الصور وكذلك الموسيقى والتي تتفاعل مع إحساسه المرهف الذي تبناه منذ نعومة أظافره وهو يصول في نجوميته قبل أن يغادر بلده العراق لأنه وضع خارطة شعره بعد ملائمة الألفاظه للجو النفسي الذي يعيشه ووحدة موضوعه الذي يصهره في مصنعه الخاص عبر لغة بعيدة عن الا بتذال و بعيدة عن تنافر لحروفه المغمسة بوجع السنين التي أثقلت كاهله الجسدي ولم تثقل كاهله العقلي والفكري المتوج بحب العراق وأهله ، شغلي الشاغل بمعظم قصائده التي لها موسيقا خفية وهي التي تتلاعب في نفسي بذبذبات وهزات خاصة نتيجة لهذه الخلطة التي رسمها في وحدة نغمية لها هذا الأثر الواضح
حجراً يمّرُر يدهُ تحت جلدي
ويقرأني كمسلة ٍ مسروقة ٍ
كمدينة مطمورة ٍ تحت رماد
ثم مرة أخرى يمرر يَده
ويطلق في دمي مداخنَ البلاد
التي كانت هناك
قال عنه الشاعر ” علوان حسين ” الذي عاصرته في عمان في مطلع التسعينيات تلك الفترة الحرجة لي ولزوجتي بعدما هربنا من العراق الذي أجحف بحقوق أبنائه،” الربيعي ” يعيد للغة البكر بهائها أحياناً عبر التقطير ، وتارة تركها تجمع كموج البحر حاملة معها الماء في الرقة والإنسياب ، والليونة والنزق اللوني ،وها أنا أجد الإقناع والإمتاع عند الربيعي في معظم القصائد التي كتبها في القصيدة الملائمة بين الموقف الشعري كما نوهت سابقاً وبين الإيحاء النفسي الذي عمل عليه الشاعر
أرفع قبعتي أحتراماً لشاي المساء وكعك السيد
أرفعها و إنحني لرائحة الزيبب وهي تعمدُ عصائر الحاج ” زبالة ”
لتحت التكية عندما تستفيق أزقتها على رائحة ” البالات ”
للجقمقجي ” الذي أستعجل رحيل مراهقتي حتى أعبر جسور أسطواناته الحالمة
لشارع النهر الذي علمني معاينة الجمال
ولهذا تجد قصيدة ” الربيعي ” التي لها شكلها الخاص فهو توجه يظل في أفق التمني بالرغم من قصائده التي تحمل موضوعات وتوجهات إنسانية أخرى ، محاولاً البحث عن صيغ بديلة تنطلق من معطياته الثقافية والفكرية والمعنوية والأخلاقية
لكي تطير عالياً ، عليك أن تتحرر من جسدك
أن تكون ، أخف من هواء ، أن لا تمسك
أن لا ترى فقط ، دع الوميض الذهبي المتناثر
من جناحك يخطف الأبصار