يسود العراقيين فرح وسعادة عندما تحقق إحدى مؤسساتهم الوطنية إنجازاً نوعياً جديداً في مجالات الحياة المختلفة الصناعية منها أو الزراعية أو الرياضية… الخ، حال الاعلان عنه ويجري استذكاره في المناسبات الوطنية اللاحقة.
كان من هذه الإنجازات (النوعية) هو إطلاق صاروخ العابد، نهاية ثمانينيات القرن الماضي والذي صنعته هيئة التصنيع العسكري العراقية بقدرات وطنية خالصة حيث وجهت أنظار دول العالم الى هذا الحدث العراقي الكبير.
ضمن التشكيلات العاملة في المنشأة العامة لتوزيع كهرباء بغداد (وهو عنوانها في التسعينيات) كان هناك معمل شبه متكامل مخصص لتغطية حاجة دوائر هذه المنشأة من قطع الأثاث وإجراء الصيانة على الموجودات الخشبية لها، ولأغراض التميز في مشاركة العاملين في كهرباء بغداد وإسهامهم في الاحتفالات الجماهيرية العامة عمل منتسبو هذا المعمل، بنحت دقيق، صاروخاً خشبياً شبيهاً بالملامح الخارجية لصاروخ العابد حيث خط عليه أحد الشعارات الوطنية المتداولة، آنذاك، وكان يستعان به لإجراء الفعاليات الاستعراضية في إحياء المناسبات الوطنية المختلفة، وكان هذا المنحوت يودع، بعد انتهاء المشاركة في هذه الفعاليات، في أحدى زوايا المخازن العائدة لكهرباء الرصافة ببغداد.
في أحد الأيام الساخنة من عمل إحدى فرق لجنة التفتيش الدولية الخاصة بالبحث عن أسلحة الدمار الشامل، كما كان يطلق عليها، آنذاك، داهمت، بنحو فجائي، مقر مديرية توزيع كهرباء الرصافة الواقع في منطقة الوزيرية، حينها.
كان لزاماً على مديرها المهندس الراحل حسن كاظم عزيز (اغتالته أيدي الشر بعد احتلال العراق سنة ٢٠٠٣) وزملائه المعنيين في هذه المديرية أن يبذلوا جهداً استثنائياً لكي يوضحوا لأعضاء لجنة التفتيش هذه ماهية وجود هذا الجسم الخشبي الشبيه بصاروخ العابد ودواعي الاحتفاظ به في المخازن الخاصة بالكهرباء، وبعد جلسة حوار ليست قصيرة، تمت مصادرة هذه الخشبة المسكينة (الصاروخ المخيف الصامت) على وفق سياقات هذه اللجنة (المسعورة) حيث أكملت عملها اليومي الدؤوب بجهد كبير خصص لهذه المهمة الخطيرة كانت ثمارها سيلاً من عبارات السخرية والتندر والقهقهة أطلقها رجال كهرباء الرصافة تجاه العمل الخارق الذي أنجزه هذا الفريق الأممي المدعم بوسائل كشف متطورة في العثور على الأسلحة المحرمة دولياً فكانت هذه الخشبة أحد تلك الأسلحة المضبوطة.
هذه واحدة من حالات كثيرة تؤشر مهزلة كبيرة أدى ممثلوها (المرتزقة) أدوارهم السخيفة على مسرح بشري لم يكن في حسابات من وظفهم لهذه المهمة أن يفاجأ بأبعاد المفردات المعنوية في سلوك أصحابه ولم يختبر قوة الأواصر التي تربطهم بالمفاهيم الوطنية الأصيلة، فكتب لرب عملهم هذا الفشل في الإداء المزيف الذي لم يجد نفعاً في تشويه الحقائق لسنوات طوال فلجأ إلى الأدوات القذرة لتحقيق ما خطط له بفعلها المباشر عندما أناط السلطة اليها للشروع بالتخريب الممنهج بأدنى ما يتطلبه المشروع الخبيث من جهد ومال.