19 ديسمبر، 2024 12:50 ص

إنهم يقتلون التمور العراقية !!

إنهم يقتلون التمور العراقية !!

في الوقت الذي يفقد الوطن يوميا عددا من ابناءه شهداء , يفقد عددا أكبر من نخيله في مواساة سوريالية من عمتنا النخلة ، وإذا كان الاٍرهاب الاجرامي يخطف ارواح وأحلام اولادنا فان الاٍرهاب الاقتصادي يخطف أشجار النخيل الواحدة تلو الاخرى والمجرم واحد في كلتا الحالتين , انه ذاك الذي يريد تدمير هذا البلد وكل شي جميل فيه , شاهرا أسلحته القذرة مستقويا بقوات الظلام الأجنبية وعملائه في الداخل وخصوصا من صار قريبا من موقع اتخاذ القرار ويملك السلطة في التأثير وبعضهم حصل على منصب المسؤولية في غفلة من الزمان وجهل حراس هذا البلد .

لماذا النخلة بالذات ؟؟؟

انها أكثر ثروات العراق إستهدافا من الأعداء وعملاءَهم حتى أكثر من النفط الذي لم نرى منه خيرا طوال السنوات المنصرمة ، فالتمور هي زاد الفقير مزارعا ومواطنا وعاملا ، هي التي توّفر له الغذاء وفرص العمل وتحميه من التصحر والحر في ظل فقدان الكهرباء وتحمي بيئته بدلا من الوزارات المهملة والمتكاسلة ، هي الأم الحنون ومصدر العيش المستمر بالرغم من تكالب العداء ، هي السلعة الوحيدة المحلية العراقية ١٠٠٪ والتي يستطيع العراق العيش عليها حتى لو قطعوا عنه الطرق ومسكوا عليه السبل ، هي المنظر المجاني الجميل الذي يمنح العراقي بصيصا من الأمل وسط السواد والخراب والدمار , ولكن ذاك كان زمان ، نعم كان زمان ولى ، فقد تطور الأعداء وازدادوا حقدا وخبثا ولم يكتفوا بما الحقوه بهذا البلد من خراب فمدوا أيديهم الى نخلته السامقة وعبقها التاريخي ليجتثوا ما تبقى من أشياء بسيطة في حياة العراقي .

قبل أسابيع خرجت للملأ السيدة زينب الطائي على قناة البغدادية , مطلقة النار على مكامن الفساد وبؤر تخريب التمور وتحدثت وقلبها محروق عن اكثر من مائتي الف طن من التمور ذهبت ادراج الرياح ، وتحدث آخرون عن التلف الذي يحدث في كل سنة في التمور ، وعن خسائر الفلاحين والتجار والصناعيين والعاملين في مجال التمور ، وعن البساتين التي يتم تجريفها او يتم اهمالها حتى تذوى عثوقها ألما وحزنا وتنكس رؤوس سعفها خجلا ، ومن دون ان يرد احدا على احاديث السيدة النائبة انهال الجميع بكلامهم المعسول وأحاديثهم المنمقة على المتضررين , وفي مقدمتهم الفلاحين بالويل والثبور وعظائم الأمور وكأن على هؤلاء المتضررين ان يساعدوا الدولة بأموالهم وجهودهم , وان يتحملوا الخسائر السنوية المستمرة لمجرد ان يستمر البعض من الفاشلين والفاسدين والمجرمين في ارضاء الجهات التي تريد شرا بالعراق , وكأن لسان حالهم يقول ( انظروا حجم الدمار الذي ألحقناه في قطاع التمور ، هل تريدون المزيد ؟ ) .

هذا اليوم ، ونحن نستهل شهر شباط ٢٠١٥ انظروا الى الموقف العام للتمور العراقية , لدينا بحدود (٤٦) الف طن من تمور الدرجة الثانية (الزهدي) المستلمة في الموسم السابق مخزونة لدى وزارة الزراعة وشركاتها وقد أصبحت تالفة ، نعم تالفة ، ولدينا اكثر من ( ٢٠٠) الف طن من تمور الدرجة الاولى للموسم السابق التي تم تجهيزها مجانا للجيش والحشد الشعبي بعد شهر تموز من العام الماضي , والتي رفضت هذه القوات استخدامها لكونها لم تعد صالحة للاستهلاك البشري , والتي تسربت بشكل او بآخر الى السوق المحلية والكثير منها لا يزال في السوق لعدم استيعاب الاستخدامات المتاحة لهذه الكميات الهائلة , لنترك الموسم السابق ونعود للموسم الحالي الذي تعرض الى مؤامرتين في آن واحد ، المؤامرة الاولى دخول عدد من المضاربين على سوق التمور في العراق في شهر تشرين اول ٢٠١٤ ورفعهم الأسعار بشكل غير معقول حتى أوصلوا تمر الزهدي الى ٦٠٠دولار / الطن , في الوقت الذي كانت أسعاره في بورصة دبي اقل من ذلك وأدى ذلك الى توقف التجار الحقيقيين والفلاحين عن التعامل بانتظار إنجلاء الموقف والذي لم ينجلي , وكذلك توقف الصناعيون عن تصنيع التمور لأنهم لا يستطيعوا منافسة التمور المستوردة على رغم أنف قرارات منع استيراد التمور ، والمؤامرة الثانية هي إمتناع مجلس الوزراء عن إطلاق المبادرة الزراعية في هذا الموسم وترك الفلاحين لمصيرهم المجهول , وكأنه قرار جاء نكاية بالحكومة السابقة التي كانت أكثر رأفة بالفلاحين , وان كانت تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية بسبب تقاعسها عن حل المشكلة واستخدامها اُسلوب التخدير والتأجيل .

وهناك الكثير من الشكوك بان مصدر المؤامرتين هي جهة واحدة لان النتيجة النهائية هي وجود أكثر من (٢٥٠) الف طن حاليا من تمور هذا الموسم , اغلبها مصابة بحشرة عثة المخازن لأنه لم يتم تعفيرها وتعقيمها بشكل اصولي ، والكميات التي لم تتلف لحد الآن ستصبح تالفة بعد ثلاثة أشهر عندما تبدأ درجات الحرارة بالارتفاع , وطبعا فان تصديرها في الوقت الحاضر متعذر بعد ان إكتفت الاسواق الخارجية من تمور الدول التي تحترم نخيلها وتحترم مواطنيها ولديها سياسات اقتصادية فعالة وليس اجتهادات متخلفة بهذا الخصوص ، بل وحتى لو كانت هناك إمكانية ضئيلة لتصدير كميات بسيطة فإنها لن تغطي كلّف التصدير , وبالتالي من الأفضل للفلاح ان يترك التمور تتلف وليس أمامه اي بديل والجهات المعنية تغلق بوجهه جميع الابواب , إذن لدينا الآن في السوق العراقي بحدود (٥٠٠) ألف طن من الموسم الحالي والسابق فقط وهي تالفة او بطريق التلف وليس من حل أمام الجميع ؟ ألم نقل لكم بأنهم يقتلون التمور , وهل هناك أكثر ألما وقهرا على الفلاح من ان يشاهد بأم عينيه تموره وهي تتلف ونخيله وهو يذوي ولا يملك حلا ؟ ثم يطالبه البطرانين من المسؤولين او مدعي الخبرة والاختصاص بزيادة الاهتمام بنخيله التي لا تسد مصاريف الاهتمام بها ، او ان يتم اهدار المليارات في تكثير النخيل من دون ان نخلق امام زراعها منفعة اقتصادية .

طبعا العراق ليس سيئا بشكل مطلق ، فهناك مسؤولين مختصين لديهم الضمير والخبرة الكافية ،. انهم يقولون بان التمور العراقية منجم ذهب ولكن لم يحسّن استخدامه ، قالوا لماذا نعلق آمالنا على السوق الخارجية التي تحتاج الى إمكانات غير موجودة في العراق حاليا ولماذا لا نتحول الى تلبية الطلب المحلي على التمور , خاصة وان الجيل الجديد لم يعد يعرف او يتذكر التمور إلا في رمضان اذا كانوا من الصائمين , وان مجموع الطلب المحلي يصل الى (٦٥٠) ألف طن وهو ما يعادل الانتاج السنوي الحالي من التمور ، أليس المواطن العراقي أحق بأكل التمور العراقية من الهنود والبنغاليين ، أليس تحويل التمور الى مادة غذائية مفيدة محليا أفضل من تحولها الى خمائر تالفة او علف حيواني ؟ ، وإن هذا الأسلوب سوف يضمن مصلحة جميع الأطراف وتشغيل أكثر من (١٥٠) الف عاطل عن العمل ويحقق الأمن الغذائي المحلي ويحفظ للبلد عملته الصعبة , وعندما تفاجئنا بهذا الحل العملي وسألنا عن أسباب عدم تنفيذه لطم الجواب أسماعنا انهم يقتلون التمور ، قتلوها بالأمس ويقتلوها اليوم وسيستمروا بقتلها حتى تصبح النخلة منظرا نادرا في العراق , من هم هؤلاء المجرمين ؟ انهم عملاء لدول تكره العراق او تنافسه ، ولكن من هم ؟ لا تستعجل , غداً سنقول لك من هم في منشونا القادم بإذن الله .