23 ديسمبر، 2024 7:17 ص

إنهاء تكليف عمداء الكليات والمعاهد الجامعية

إنهاء تكليف عمداء الكليات والمعاهد الجامعية

أصدرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي كتابها المرقم 27141 في 4/ 11/ 2019 المتضمن إنهاء تكليف عمداء الكليات والمعاهد ومن بدرجتهم وتكلف معاون العميد للشؤون الإدارية بتسيير الكلية او المعهد لحين تعيين البديل وفقا للقانون واستحصال الموافقات الأصولية .
ورغم إن تغيير المناصب الحكومية أمرا متوقعا لانه واجب التنفيذ بموجب نصوص وردت في قانون الموازنة الاتحادية لعام 2019 ، وقد كانت التعليم العالي سباقة بهذا المجال بعد إصدارها الأوامر الوزارية التي تضمنت إحداث التغييرات التي حصلت في بعض مناصب رؤوساء الجامعات التي استبدلت الوكالات بالوكالات ثم توقفت لأسباب غير معروفة ، ولأن الموضوع لا يتعلق بمسوغات وجدوى التغييرات التي حصلت والتي لا تزال تدار بالوكالة لحد اليوم ، إلا إن هناك بعض التساؤلات في موضوع إنهاء تكليف العمداء ومن بدرجتهم من حيث الشمول والتوقيت ، فالكتاب الذي اشرنا إليه في أعلاه يقرأ من خلاله ما يأتي :
انه شمل العمداء جميعا ومن بدرجتهم دون استثناء .
صدوره بعد بداية العام الدراسي الذي من المفترض إن يشهد استقرارا في الإدارات لكي ينعكس ذلك ايجابيا على سير وانتظام الفعاليات داخل هذه الصروح العلمية المهمة فالعرف السائد إن التغيير يحصل أثناء العطلة الصيفية لكي يأخذ التغيير وقته المطلوب للتكيف والأداء الايجابي .
لم يحدد الكتاب موعدا لبداية نفاذه حيث اختتم بعبارة ( للعمل بموجبه ) .
من المعروف إن العمداء الذين تم إنهاء تكليفهم من حملة الألقاب العلمية واغلبهم بدرجة ( أستاذ ، أستاذ مساعد ) لذا كان من الواجب أن يحدد الكتاب مصيرهم فهل يبقون بكلياتهم ومعاهدهم أم ينقلون إلى آماكن أخرى أم يحالون إلى التقاعد او يترك لمن انتهى تكليفهم او المكلفين القادمين الخيارات في تحديد أماكن عملهم بعد أن حدد نصاب التدريسيين واعتمدت الجداول وتمت مباشرة الطلبة وتوزيعهم بالفعل .
لم يتضمن الكتاب العبارات التي ذكرت عند إنهاء تكليف السادة رؤوساء الجامعات من حيث التلطيف في مخاطبة الذين أنهيت تكليفاتهم كتثمين الجهود التي بذلت من قبلهم خلال مدة تكليفهم او غيرها من العبارات وقد يكون السبب أن الإنهاء الذي جاء في الكتاب شمل الجميع بينما كان لكل جامعة على حدة لرؤساء الجامعات .
تم إسناد المسؤولية إلى المعاون للشؤون الإدارية دون النظر إلى اللقب العلمي والاختصاص والاقدمية والقدرات القيادية فاغلب الكليات والمعاهد تعول على المعاون للشؤون العلمية إذ يتم اختياره ( غالبا ) كونه الأقرب لاختصاص الكلية والمعهد بينما المعاون للشؤون الإدارية ربما يتم اختياره لخبراته في الإدارة والمالية وشؤون الطلبة حتى وان كان بلقب علمي وتخصص اقل من المعاون للشؤون العلمية .
إن التغيير جاء بالتزامن مع بداية العام الدراسي وقريبا من منتصف الفصل الأول يعني من الناحية العملية إن العميد قد اختار ( كابينته ) بالتشاور مع مجلس الكلية او المعهد وموافقة الجامعة من المعاونين ورؤساء الأقسام ومديري الشعب والوحدات والمراكز وعضوية ورئاسات اللجان ، وهذه الاختيارات قد لا تناسب من سيتم اختياره عميدا للتسيير او أصالة فهل سيتم السماح للعميد الجديد ( المعاون المكلف او الأصيل ) بإجراء التغييرات خلال العام الدراسي أم يمضي بما هو موجود حتى وان كانت هناك ملاحظات .
إن إنهاء تكليف العمداء وتكليف المعاونين بدلا عنهم يعني استبدال التكليف بالتكليف وهو ما يوحي بان البديل الأصيل غير جاهز لأنه لو كان جاهزا لتم استبدال الوكيل بالأصيل سيما وان تعيين المدراء العامين والعمداء هو من صلاحية السيد رئيس مجلس الوزراء بترشيح من الوزير أي إن القضية سهلة ولا تتطلب مصادقة مجلس النواب ، كما إن تكليف المعاون بتسيير الكلية والمعهد جاء بصفة الإطلاق أي انه لم يمنح دورا للجامعات ( لرئيس الجامعة او مجلسها ) في الاختيار وقد يتقاطع ذلك مع سياسات الوزارة في منح الاستقلالية للجامعات حتى وان كان الموضوع على سبيل التكليف لان أمد التكليف غير محدود وقد يطول لسنين في ظل الوضع الحالي للبلاد .
أشار الكتاب إلى تكليف المعاون بتسيير الكلية او المعهد وهو تعير ( غير متداول ) لان المفروض أن يتم تسيير (إعمال الكلية او المعهد ) ، وإذا كان القصد هو تسيير أعمال الكلية او المعهد فكيف سيتم ذلك من دون منحه الصلاحيات التي يتمتع بها العميد بما في ذلك الإدارية والمالية والعلمية لان مدة ( التسيير) غير محددة وقد تطول كما طالت بعض الوكالات لسنوات طوال ، كما لم يتضمن الكتاب عن مدى استحقاق او عدم استحقاق المعاون الذي سيقوم بتسيير الكلية او المعهد للامتيازات المالية للعميد لحين تعيين الأصيل ، علما بان الكثير من الأمور التي تمت الإشارة إليها في أعلاه تتقاطع مع بعض النصوص التي وردت في قانون وزارة التعليم العالي والبحث العلمي رقم 40 لسنة 1988 المعدل من حيث الصلاحيات وأسس التعيين والاختيار وغيرها من الأمور .
ويبدو إن وزارة التعليم قد استدركت بعض الأمور التي أشرت سابقا فقد صدر كتابا لاحقا ربما من باب التصحيح للثغرات التي تضمنها الكتاب السابق بالعدد 27179 في 4 / 11 / 2019 والذي نص في الفقرة ( 2 ) منه على (( ينهى تكليف المدراء العامين وعمداء الكليات والمعاهد ومن بدرجتهم ( غير المثبتين أصالة ) ويكلف أقدم معاونيهم من حيث اللقب العلمي بتسيير أعمال التشكيل لحين تعيين البديل وفقا للقانون واستحصال الموافقات الأصولية )) ، ويأتي إصدار هذا الكتاب بنفس تاريخ الكتاب السابق ولكن بفارق 38 رقم من أرقام الكتب الصادرة من الوزارة التي ربما لم تستغرق أكثر من ساعة واحدة والفارق بين الكتابين :
. شمل الكتاب ( الجديد ) إنهاء التكليف للمدراء العامين إضافة إلى العمداء ومن بدرجتهم .
. استثنى المثبتين أصالة باعتبارهم غير مكلفين ولكنه لم يعترض على مدة بقائهم بأصالتهم .
. أضاف عبارة تسيير ( إعمال التشكيل ) بدلا من تسيير الكلية او المعهد من باب التصحيح .
. تضمنت الفقرة ( 1) من هذا الكتاب ( يستمر تكليف السادة الوكلاء والمستشارين ورؤساء الجامعات ومساعديهم ومن بدرجتهم المعينيين وكالة بتسيير أعمال تشكيلاتهم كموظفين مخولين من قبل معالي الوزير استنادا لقانون السلطة التنفيذية رقم 50 لسنة 1964 على أن لا يترتب على ذلك صرف راتب ومخصصات الأصيل ) ، ويعني ذلك من الناحية العملية استمرار عمل الوكالات لأجل غير معروف باعتبار إن تعيينهم أصالة يتطلب مصادقة مجلس النواب كما يعني استمرار أصحاب الدرجات الخاصة بعملهم ( كموظفين ) بصلاحيات لم تحدد وبدون الامتيازات المالية التي تمنح عند العمل بالأصالة ،
. وردت في الكتاب عبارة ( تشكيل ) وهي كلمة نادرة التداول في قوانين وأنظمة التعليم العالي ، ورغم أنها كلمة عربية صحيحة إلا إن تداولها واستخدامها يعد مألوفا في المنظمات العسكرية ( وهي ملاحظة نذكرها من باب الشكلية لا غير) ، وهناك ملاحظة أخرى وهي إن التكليف الوارد في الفقرة 1 من كتاب الوزارة الثاني قد استند لقانون السلطة التنفيذية رقم 50 لسنة 1964 وهنا نسال ( مع أن الموضوع ليس له علاقة مباشرة بالعنوان ) هل من المعقول أن تستند دولتنا المعاصرة إلى نصوص وردت في قانون صدر سنة 1964 بتوقيع المرحوم عبد السلام محمد عارف في عام 2019 وبلدنا فيه فطاحل في القانون بمختلف الفروع .
وأننا إذ نشير إلى هذه ( الملاحظات ) فان الدافع منها هو الحرص على احتفاظ وزارة التعليم العالي والبحث العلمي بالمكانة التي تستحقها ، كونها تستقطب التخصصات والشهادات والخبرات التي تعد من الثروات المهمة لبلدنا باعتبار إن الموارد البشرية المؤهلة علميا والقادرة على التربية والتعليم والمبادرة والإبداع والاختراع هي من أثمن الموارد ، فالموارد المادية يمكن شرائها او تخزينها ومقايضتها أما الكفاءات العلمية فإنها أساس التنمية والتطوير وإحداث التقدم المنشود عند استثمارها وتوظيفها بالشكل الصحيح ، وتلعب القيادات والإدارات الجامعية دورا فاعلا ومهما في تحقيق الأهداف العلمية والتربوية وترسيخ المواطنة والولاء عندما يحسن اختيارها ومنحها الهامش الذي تستحقه وتحتاجه من المرونة والمبادرة لإظهار قدراتها ودعم إمكانيات وقدرات الآخرين ، وعند اختيارها على وفق المعايير الموضوعية التي تضع الشخص المناسب في المكان الملائم والظرف المناسب فإنها من الممكن ومن خلال العمل مع الآخرين بشكل جماعي كفرق عمل أن تختصر الزمن لتقليل الفجوة الكبيرة التي باتت تفصلنا عن الدول المتقدمة ، وكما أظهره أداء وزير التعليم الحالي ومن خلال فترة استيزاره في عامها الأول ، فانه مفعم بالأمل ويرفض الركون لليأس ويعول على الملاكات الوطنية بإتاحة الفرص لها في ولوج التقانات والعلوم والآداب والفنون السائدة عالميا لصنع جيل قادر على إن يلبي احتياجات البلد بمختلف الاختصاصات ، وان تعجيل تحقيق الأمنيات التي يتطلع لها شعبنا العزيز مرهون بالإسراع في انهاء العمل بالوكالات وإدارات تصريف الأعمال لكي تظهر القدرات والمعادن الحقيقية للكفاءات والتعبير عن المواطنة بحق .