9 أبريل، 2024 4:52 ص
Search
Close this search box.

إنهاء الانقسام الفلسطينى أم تكريسه؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

فى الوقت الذى يتوقع كثيرون تواصل جهود وقف التدهور الحاصل فى الجسد الفلسطيني، تسعى جهات، محلية وإقليمية، إلى الحفاظ على الفجوة الحالية بين القوى المختلفة، وتقف حائلا دون ظهور بوادر أمل لجمع الشمل، والأغرب أنها تجتهد فى البحث عن العقبات التى تزيد الفجوة السياسية بين الفصائل المتعددة.

الوثيقة التى تداولتها بعض وسائل الإعلام قبل أيام، بشأن تحريض سفير قطر فى غزة المواطنين فى القطاع ضد السلطة الفلسطينية، كشفت عن عمق المأساة، عندما تحاول دولة عربية التفكير بطريقة تغلب فيها المصالح الأيديولوجية، بدلا من العمل بصورة تمنع توسيع الهوة، وأكدت أن الخطاب المزدوج أصبح منهجا شائعا، حيث تتحدث الدوحة وكأنها مدافع حقيقى عن القضية الفلسطينية، وراعية المصالحة بين القوى الوطنية، بينما تصرفاتها السياسية والإعلامية تسير فى اتجاه مقابل.

المثير أن الضربة القطرية التى لم تكن مستبعدة، تزامنت مع مؤشرات تقول إن تركيا أيضا مصممة على تغليب مواقفها الأيديولوجية فى علاقتها بالفصائل الفلسطينية، حيث تحتضن عددا من عناصر حركة حماس، وتحاول الترويج أن علاقتها بالسلطة الفلسطينية على ما يرام، وهو ما استجابت له الأخيرة، اعتقادا فى أن كلا من الدوحة وأنقرة من الممكن أن تكون غطاء سياسيا وماديا جيدا للرئيس محمود عباس (أبومازن)، الذى حاول الهروب إليهما، نكاية فى اللجنة الرباعية العربية (مصر والسعودية والإمارات والأردن)، وسعيا وراء الحصول على مكاسب ربما تساعده على مواجهة مصاعبه الداخلية والخارجية.

لكن يبدو أن السلطة الفلسطينية، بدأت تدرك أخيرا أن الرهان على الدوحة وأنقرة يمكن أن يكون محفوفا بالمخاطر، فالدولتان حريصتان على توطيد العلاقات، المعلنة والخفية، مع إسرائيل، ولكل منهما حسابات سياسية ومصالح اقتصادية وتفاهمات أمنية معها، لذلك بدأ الرئيس أبومازن يتململ من هذه الانتهازية، لأنه لم يحقق ما يصبو إليه سياسيا، ولم يستطع تجاوز الصعوبات التى تنخر فى كيان حركة فتح أو يقيم علاقات متوازنة مع قوى منافسة على الساحة الفلسطينية.

صور الامتعاض والقلق والمرارة لم نشاهد ملامحها مباشرة، لكنها بدأت تظهر من خلال تشجيع بعض الأصوات من داخل فتح على انتقاد تصرفات تركية وقطرية أخيرا، حيث جرى التلميح بعدم الارتياح لتركيز السياسة التركية على غزة، والبحث عن سبل متباينة للتعاون مع القطاع، تضمن الحفاظ على اليد الطولى لحماس هناك وتعزز ابتعاد السلطة الوطنية، وهو ما يكرس الانقسام الفلسطيني.

كما أن البيان الذى أصدرته حركة فتح ردا على تجاوزات السفير القطري، عبر عن عمق الغصة فى حلق أبومازن، لأن التحريض على خروج مظاهرات ضد سلطته والإصرار على إبعادها عن غزة يتناقضان مع ما يصل إليه من أصداء تشى باستمرار حبال الود مع كل من الدوحة وأنقرة.

اللافت أن الرئيس أبومازن وسلطته لم تصدر عن أى منهما اعتراضات مباشرة، وتم الإيحاء لحركة فتح بالتصدى لما يمكن وصفه بـ «الاحتقان» الجديد، والتفسير يكمن فى الحرص على عدم الدخول فى مواجهة بين السلطة الفلسطينية وكل من قطر وتركيا، مع أن الانتقادات والمخالفات السياسية كانت موجهة إليه شخصيا، والتحايل فى الرد عبر قنوات حركة فتح، يرمى إلى الحفاظ على مكاسب مادية يتم الحصول عليها منهما، وعدم الوقوف فى العراء، فإذا توترت علاقته معهما، فى وقت لا تزال شبه مقطوعة مع اللجنة الرباعية العربية، سوف يضطر إلى تقديم تنازلات صعبة للعودة إلى مربع الدفء معهما أو كليهما.

التعقيدات السابقة، جزء منها جاء نتيجة سوء التقدير السياسي، والجزء الأكبر نجم عن الطموحات الزائدة، فإذا كان الأول مفهوما فى السياق العام للتطورات وتشابكاتها، فالثانى يظل مبهما، لأنه لا يتناسب مع قيادى مخضرم فى حجم أبومازن، كان كثيرون يعولون عليه فى لم الشمل الفلسطيني، بحكم تمتعه بخبرة وحنكة ومرونة كافية أن تضع حدا للتشرذم الذى تضاعف فى عهده بدلا من تراجعه.

لعل ما جرى من جانب كل من قطر وتركيا، يجعل الرئيس أبومازن يفيق ويدرك من الذى يعمل على شق الصف وإشاعة الفرقة بين القوى الفلسطينية، ومن يحرص على وحدة الصف ومنع الانقسام؟.

المسألة لم تعد تحتمل التجريب أو قياس رد الفعل حيال مواقف معينة، فالقضية الفلسطينية أمام منعطفات مصيرية، فإما أن تسعى القيادات الوطنية إلى لملمة الجراح وإما تواجه مستقبلا أشد غموضا.

على المستوى الداخلي، تتزايد الخلافات الفلسطينية، جراء الانقسام الجغرافى بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وترتفع حدة الصرخات التى تخرج من قيادات وطنية تؤمن بأن حركة فتح الأم من الضرورى أن تتعاظم وحدتها، بدلا من الفرقة التى تظهر عليها، خاصة أن نتائج المؤتمر السابع للحركة الذى عقد فى رام الله العام الماضى أخذت تظهر تداعياتها السلبية، وبدأت «الشبيبة الفتحاوية» عقد مؤتمرها فى القاهرة (أمس الأربعاء واليوم الخميس)، تمهيدا لعقد اجتماع عام لما يوصف بـ «تيار الإصلاح» داخل الحركة قريبا، والذى يسعى إلى معالجة الأمراض التى تراكمت خلال السنوات الماضية، وقادت إلى حالة كبيرة من العزل والفصل لقيادات وكوادر، كان من الممكن أن يمثلوا إضافة، لو تم الحوار والنقاش على قاعدة العمل الوطني.

على المستوى الخارجي، حدث ولا حرج، فإسرائيل تمعن يوميا فى الاستيطان وتواصل الانتهاكات وتحاول الحصول على مكاسب جديدة من الإدارة الأمريكية، وإذا نجحت الجهود الرامية لتحريك قطار التسوية السياسية المتجمد، فإن السلطة الفلسطينية لن تحصد سوى الحصرم، بسبب فشلها فى رص القوى الوطنية خلفها، بل وعجزها عن الاحتفاظ بعلاقة جيدة مع الدول التى تدعم القضية تاريخيا، الأمر الذى يضع الرئيس أبومازن أمام موقف غاية فى الحساسية، فلا هو يسيطر على الأوضاع فى الداخل، ولا هو يستطيع أن يقيم علاقات قوية مع الدائرة العربية، التى تمثل عمود الخيمة للقضية الفلسطينية، كما يقولون.

بالتالى فإنهاء الانقسام، السياسى والأمنى والجغرافي، هو المدخل الطبيعى للتوازن على الصعيد المحلي، وإعادة اللحمة مع الرباعية العربية الوسيلة الرئيسية لتخفيف المزايدات حول القضية الفلسطينية على الصعيد الإقليمى .

نقلا عن الأهرام

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب