كانوا متحابين كثيراً وبشكل يذهل أهل المدينة، ويعيشون في توافق تام، يزرعون ويحصدون، ويأكلون ويفرحون، ويحزنون ويجاهدون معاً، حتى جاء يوم شب خلاف بينهم، بدأ بسوء فهم وتصور ووهم، ولكن رويداً رويداً إتسعت الهوة بينهم وإحتدم النقاش، ثم أتبع صمت أليم إستمر شهوراً طويلة، فإنقطعت الصلة فيما بينهم، وتفرقت دورهم كلٌّ في جهة من النهر، وذات يوم طرق شخص باب الأخ الأكبر، وإذا بعامل ماهر يبحث عن عمل، وسأله عن فرصة عمل عنده، فأجاب الأخ الأكبر نعم لدي عمل لك، والآن هل ترى في الجانب الآخر تلك المساكن إنها لأخوتي، لقد أساءوا لي وإنقطعت كل صلة بهم، سأريهم أنني قادر على الإنتقام، وهل ترى قطع الحجارة التي بجوار منزلي، أريدك أن تبني بها سوراً عالياً، لأنني لا أريد رؤيتهم ثانية!
أجابه العامل أعتقد أنني فهمت الوضع جيداً، فأعطى الأخ الأكبر العامل كل الأدوات اللازمة للعمل، ثم سافر تاركاً إياه أسبوعاً كاملاً، وعند عودته للمدينة كان العامل قد أنهى البناء، ولكن يا لها من مفاجئة، فبدل من إنشاء سور عالٍ بنى العامل الماهر جسراً، ذا فروع متعددة، ليجمع بين أطراف المساكن الواقعة على جانبي النهر! في تلك اللحظة خرج أحد الإخوة الصغار من منزله، وركض صوب منزل أخيه الأكبر، قائلاً: يا لك من أخ رائع، تبني جسراً بين كل إخوتك رغم ما بدر منا؟ إني حقاً فخور بك، وما هي إلا لحظات حتى أجتمع جميع الإخوة حول أخيهم، وبينما كان الإخوة يحتفلون بلقائهم الأخ الكبير، أخذ العامل بجمع أدواته إستعداداً للرحيل، قال له الإخوان بصوت واحد: لا تذهب إنتظر يوجد عمل لك، لكنه أجاب كنت أود البقاء، إلا إن هناك أماكن يجب بناء جسور فيها.
إننا جميعاً مشاريع ناقصة لا تكتمل، ما لم نتحد ونتوحد من أجل العراق، فهو كبير بما يكفي، ليكون لنا جميعاً بتنوعاتنا وتقاطعاتنا المقبولة، وغير المقبولة، وإن كان العراق قد أستبيح ثلثه في ليلة ظلماء، بسبب دهاليز السياسة؛ فلابد من إعادة جسور البناء والثقة، بعنوان أكبر وأعمق وأصدق، كما أن مشكلتنا اليوم باتت أزمة هوية، لذا لا يوجد عنوان اكبر من مستقبل العراق، ليحتوينا بكل المكونات، والقوميات، والأديان، والمذاهب، والطوائف.
ما الضير من بناء جسور رصينة تصل بين الإخوة، من أبناء الشمال مع الجنوب، ومع المنطقة الغربية الى المنطقة الشرقية، وما أجمل أن تلتقي النوايا المخلصة، بالقلوب النقية في أي مكان من خيمة العراق الشامخ، ليعم الأمن والإحترام والعدل، وإن كنا بالفعل نريد حكماً وحاكماً عادلاً، فلا بد لنا من اختيار عامل ماهر، يمتلك أدواته بفاعلية ومقبولية من حسم وحزم، فكل طرف يريد شيئاً، وعلى الحاكم جمع هذه الأشياء، ويكون بمستوى المسؤولية الملقاة على عاتقه، بعيداً عن الطائفية والأنانية.
ختاماً: بقي أن تعلم عزيزي القارئ، أن هذا العامل الماهر والمفكر النبيل، هو شهيد المحراب السيد محمد باقر الحكيم (رضوانه تعالى عليه) الذي دافع عن حقوق السنة قبل الشيعة، لذا نؤكد على أننا مشاريع ناقصة، ما لم نتكامل جميعنا في مشروع واحد، من اجل العراق.