8 أبريل، 2024 3:58 م
Search
Close this search box.

إنموذج مثالي للوحدة الوطنية

Facebook
Twitter
LinkedIn

ثورة العشرين أسست دولة حطمها العسكر
المعنى المثالي للثورة، وفق التوصيف المشترك قاموسيا، بين علمي السياسة والمجتمع، لا ينطبق إلا على حالات نادرة في التاريخ؛ إذ أن معظم ما نصطلح عليه “ثورة” حيثما ورد، في أحاديث الناس ومتابعات الصحفيين وبحوث الدارسين ومحاضرات أساتذة الجامعات.. حتى الإختصاصي منهم، هو إنقلابات أو تمرد فئوي.. كلاهما ينظمهما أفراد تجمعهم نوايا أو إنتماءات أو أهداف.
لذا لا يحضر في بالي من إنموذج إلا الثورة الفرنسية، في العام 1789 والحرب الأهلية، التي إندلعت العام 1864 بين سود أمريكا، في الجنوب، ضد إستعباد البيض لهم، متحررين العام 1864 على يد العظيم إبراهام لنكولن، والثورة العراقية الكبرى يوم 30 حزيران 1920، التي تصادف ذكراها الـ 66 هذا اليوم الخميس، من العام 2016.
 
غابة
إستوفت مواصفات “المصطلح” من نشوئها التلقائي، مثل عقب سيجارة، ألقي في غابة، إشتعلت بعد ثوان… ولا حاجة للقارئ بإعادة كلام مكرور، عن إعتقال شعلان أبو الجون.. شيخ عشيرة “الظوالم” في مركز شرطة السماوة، فأوصى لأخيه بإرسال 10 ليرات ذهبا؛ فسرها أخوه بـ “حسجته” الأصيلة، على أنها تعني عشرة شباب أصحاء.. مفتولي العضلات “عراكة”.. أخرجوه عنوة من التوقيف وتضافرت معهم عشائر الفرات الاوسط، وتمركزت القيادة في الحوزة العلمية بالنجف، وجاءهم مدد كردستان والغربية وسواها من عشائر.. رجالا مقاتلين وسلاحا وأموالا، ضد الإنكليز، في إنموذج حقيقي للوحدة الوطنية، عند إحتدام المواقف، التي توجب تصفية الخلافات لإنتشال الوطن من محنة الإحتلال.
 
آفات
على صعيد القناعة الشخصية، لا أتحفظ على الوجود البريطاني.. حينها والآن.. بحكم المستوى الحضاري العالمي، الذي نتخلف عنه،… ما يجعلنا بحاجة لإنتداب يأخذ بيدنا.. يهدينا الى بناء دولة.
بعد أن أجهزت بريطانيا، على الثورة.. وأدتها بوسائل متقدمة.. آنذاك، على تخلفنا الماضي والحاضر، مؤسسة للعراقيين حكومة ذات جيش منهم.. يقمعهم؛ كي لا يمس جيشها.. “والتاريخ محوري يعيد نفسه”.
 
دم
إشتغلت الملكية على ترصين دعائم دولة، أرستها فعلا، على أساس “الشرعية الدستورية” التي نسفها العسكر، ولن أقول أكثر من ذلك؛ كي لا أدخل في سجالات أربأ بنفسي عنها، متحاشيا الخوض في لذة السلطة السادية التي ما زال الخاكي يشيعها في العراق، منذ 14 تموز 1958، للآن!
تعاقبت الإنقلابات الدموية، بين المناصب والرتب، كل مستول على كرسي الحكم، يقرب فئة حزبية او طائفية، على حساب أخرى، مسلما رقبة هذه لتلك، ويزيحه آخر، يغتصب الدولة، لصالح فئة غيرها تدعمه.. يحثها على إستباحة وجود سواها وثالث ورابع و… حتى تشبع البلد بالدم كالإسفنجة، وقامت ثارات دفينة، جعلت الكل متحرزا إزاء الكل، يتربص بالآخر دوهي.. يكيل له اللعنات، والغا بدمه، حتى هذه اللحظة.
 
خطأ
ثورة العشرين، خطأ تاريخي، أسفر عن إجراء صحيح؛ حين أشرفت بريطاني، بمعرفة ودراية تأملية، على تأسيس دولة حقيقية، سارت من 1921 الى 1958 بشكل صحيح، على سبيل سديد، كان سيجعل العراق إقتصادا عظيما، ذا شعب راقٍ، لو لا “سادية” العسكر الذين طمعوا بالسلطة؛ كي يعذبوا الشعب ويبددوا ثرواته، التي جيرها الشيطان لساسة 2003، الذين إختزلهم الصحفي المصري الراحل محمد حسنين هيكل بـ : “لصوص إستولوا على بنك” مدعوما بقول الحاكم المدني.. الامريكي في العراق بول بريمر: “ليسوا رجال دين ولا ساسة، إنما متشردون جئت بهم من الشوارع”.
هذا ما أوصلنا إليه العسكر، حين أسقطوا الملكية، معلنين “الشرعية الثورية” على حساب “الشرعية الدستورية” فباتوا مثل عمالقة هوج، يتصارعون على حلبة العراق، في نزالات مميتة، الى أن قضوا على بعضهم، بدءا من الزعيم الذي جاء بثورة عظيمة، حملت معها عنصر هلاكها عبد السلام عارف، كما قال مصطفى علي.. وزير العدل في عهد قاسم، مرورا بعارف نفسه ثم البكر وصدام، ليسقطها الأمريكان بأحضان “الجماعة”.
في حين بريطانيا واجهت ثوار العشرين، بتأسيس دولة مثالية، تكفيها عن الإصطدام بهم، من دون أن تفرط بالبلد، الى أن إنبرى العسكر… فإنفلت الأمر من عقال المنطق، الى ما نحن عليه الآن.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب