9 أبريل، 2024 5:51 ص
Search
Close this search box.

إنما الامــم الاخـــلاق ما بـقـيــت

Facebook
Twitter
LinkedIn

 إن الحياة لطرطرة …. فمن لم يمت بالسيف ، مات بالقندرة . لقد حفظنا هذه العبارة البليغة الرائعة منذ ايام فاطسية عبود ، ثم صارت بتدهور الزمن وانحطاط الاخلاق تتناسب مع عصر الموبايل والستلايت واحزاب طك عطية وديمقراطية النص نعل وحمام النسـوان المسمى خطئاً بالبرلمان ، فكل مانراه من حولنا صار عبارة عن طرطرة ولخبطة وهذيان واحداث سيريالية لانعرف لها اولاً ولا آخر .
منذ عام 2003 دخلنا عصر الباقلاء واللبلبي وفعلنا مالم تستطعه الاوائل ، فقد اخترعنا احزاباً بلا فكر ولا عقيدة ولا نظام حزبي داخلي ، وابـتكـرنا سياسيين بلا ملامح ولا هوية وكل موهبتهم هو اجادة الثرثرة والبقبقة وثرم البصل براس ولد الخايبة . ولأنهم فارغوا المضمون والمحتوى وليسوا من حملة الشهادات أو من ذوي الخبرة والمعرفة بأي علم من العلوم ، فلقد دوخوا الناس وسطروهم بصيغة شيعي سني كردي فهي هبة من صاحب المعالي والعزة اللورد بريمر الوردة وهبطت عليهم ، وكل منهم يدعي الدفاع عن طائفته وقوميته وابناء عشيرته وابناء ناحيته أو قريته ، لكن لو بدلنا الاسماء والهويات فجعلنا كاكه حمه يدافع عن السنة ، وعمر يتحدث عن مظلومية الشيعة واقصائهم من قبل النظام السابق ، وعبدالحسين يتحدث عن حقوق الاكراد التاريخية ، لوجدنا إنهم يستخدمون نفس الالفاظ والتعابير ويسيرون على طريق من سبقوهم في محاولة الاستحواذ على اغلب المكاسب والامتيازات وعدم ترك سوى الفتافيت للأحزاب الاخرى أو للشعب .
لقد اعتدنا قبل كل انتخابات أن يتهم كل طرف الآخرين بالغش والخداع وسرقة اموال الدولة والتلاعب بالعقود الرسمية ، وبعد كل انتخابات يخرج علينا زيد وعمرو بمقالات صحفية حول التزوير أو ندم الناخبين على التصويت لحزب الف أو باء الملئ بالمرتشين والمختلسين ، وعندما تأتي الانتخابات التالية يصوت الناخبون لنفس الوجوه الكالحة القديمة ، وكأنهم لم يتعلموا درساً مما سبق ، وجنك يا بو زيد لارحت ولاجيت .
البعض يلقي بالتهم جزافاً على الشعب على إنه احمق أو مغفل إذ ينتخب نواباً لايعرف شيئاً عن ماضيهم ، أو إن غالبية المرشحيين يغشـون الأميين والعامة بزعمهم الدفاع عن حقوق الطماطة والباذنجان وإن الشيخ زيد قد ساند قائمة الكهرباء أو الملا عبيد قد دعم قائمة الماء ، لكن الحق يقال إن العراقي ذكي ومفتح بالدبس ، وهو يختار المرتشين والمختلسين واصحاب السوابق عامداً متعمداً مع سبق الاصرار والترصد ، والامثال الشعبية العراقية والتي تعتبر اشبه بترمومتر المزاج والثقافة السائدتين لدى افراد المجتمع تدلنا على احترام المجتمع العراقي للصوص والسراق والمرتشـين ، واوضح مثل لدينا هو (ال مايحوف مو رجال ) ، أي إن من لايسرق ليس برجل ، فلا بد للنائب أو الوزير أن يثبت سباعيته ورجولته وانو اخو خيته امام اقاربه وعشيرته ليعيدوا انتخابه مرة آخرى ، ولابد من ظهور علامات الثراء المفاجئ عليه ، وقيامه بأقامة الولائم خاصة ايام عاشوراء وزيارة الاربعين للأقارب والعشيرة ، وتوزيعه بعض المال على الفقراء والمحتاجين ، وهذه هي عادتنا العربية الاصيلة منذ ايام الجاهلية .
كانت عشائر العرب في الجاهلية تحرم القتال في اشهر ذي القعدة وذي الحجة ومحرم ، فيتلهى الرجال بصيانة السلاح وشحذ السيوف واعداد السهام او الرماح ، وتمرين خيولهم الجديدة على القفز والجري والانعطاف ، ولكي لا يفقدوا لياقتهم البدنية يقومون بأجراء بعض التدريبات الحربية والدخول في مبارزات مع اقرانهم ، وما أن يحل شهر صفر حتى يخرج الرجال (للجهاد) في سبيل الغنائم ، فتصفر الطرقات والقرى منهم فلا يبقى فيها غير الضعفاء والمرضى والعبيد رعاة الابل والماشية ، ولهذا سموه شهر صفر .
عندما يكمل الرجال غزوتهم ويعودون بالغنائم والسبايا ، يمرون على المعبد لشكر اله القبيلة على السلامة والتوفيق ، ويهدون لكاهن المعبد شئ من غنائمهم أو ربما سبية من سباياهم ، فيدعوا لهم كاهن المعبد عند الصنم أو الوثن ، ثم يمروا على شيخ القبيلة ليعطوه حصته من الغنائم ، ثم يخرجوا للناس المتجمعين عند باب خيمة الشيخ فيهبوا شيئاً لهذا وذاك من الفقراء والارامل ، وبذلك اشتهر اللصوص مثل عروة بن الورد والسليك بن السلكة وتأبط شراً واشباههم ، واحبتهم قبائلهم وامتدحهم الشعراء إذ اعتبروا ابطالاً في العرف الجاهلي المتأصل في معظم العراقيين لحد اليوم .
إنني لا اتجنى على احد ، فكلمات مثل الصدق والوفاء والاخلاص والمحبة التي كنا نتداولها في الماضي ، قد رحلت عنا مع الطيبيين من الآباء والاجداد الذين رحلوا ، والكلمة الطيبة التي كانت على عهدهم صدقة صارت في زمننا منية وتفضل ، ولاتستغربوا إن طالبكم احدهم ببعض المال مقابل قوله عبارة (السلام عليكم) ، فحتى السلام سيصبح غداً أو بعد غد بفلوس .
لقد استطاب العراقيون صفات الغش والكذب والخداع والمراوغة ، فصارت بالنسبة لهم مثل الملح والسكر ، ونادراً ما تجد عاملاً أو بائعاً لايغشك أو يكذب عليك ، ولقد صار كل منا يكذب ويغش ويخادع مضطراً في بعض الاحيان ، وإلا سيعتبره الآخرون زوج وكمش وليس من ولد الملحة .
قال احمد شوقي ( إنما الامم الاخلاق ما بقيت    فإن ذهبت اخلاقهم …. ) ، انتخبوا نواباً من العواطلية والسوتلية وشعيط ومعيط ، واقول أخيراً لمن يخمن نتائج الانتخابات القادمة أو يتوقع حدوث أي تغييرات فيها ، كما قال عبدالله رويشد في احدى اغانيه : موت موت واشبع قهر .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب