جميعنا يتمنى أن يعيش في دولة متقدمة لديها مؤسسات مدنية تساهم في بناء الدولة العصرية التي يتطلع اليها هذا الشعب منذ عشرات السنين وما إن سقط النظام التعسفي ظهرت الأحزاب والتيارات السياسية وهي تحمل هذه العناوين وترفع شعارات بناء هذه الدولة سواء كانت هذه الأحزاب والتيارات ليبرالية أو إسلامية تختلف في التوجه الفكري لكنها لاتختلف في صناعة المشروع الوطني وصياغة دستور مدني يخدم مصالح الوطن والأمة فقد مر العراق في مراحل صعبة بعد التغيير ومخاض عسير لولادة نظام يقال عنه أنه نظام ” ديمقراطي ” تشترك فيه جميع الأحزاب والفصائل السياسية يفضي الى حكم برلماني تحدده صناديق الإقتراع والطبيعة الإنتخابية فكانت تجربة إجراء الإنخابات النيابية بعد مجلس الحكم , والحكومة الإنتقالية في عام 2010 هي ترسيخ للمبدأ الديمقراطي حيث جرت الإنتخابات بانسيابية جيدة وبمشاركة شعبية فاعلة وبروح وطنية عالية وكان ذلك اليوم هو عرس جماهيري توسم بالمشاعر الوطنية لدى أبناء الشعب العراقي , إنتهت تلك العملية الإنتخابية وأفرزت النتائج لصالح إئتلاف العراقية الذي يتزعمه الدكتور ” اياد علاوي ” فقد تقدمت قائمة علاوي على القوائم الأخرى بحصولها على ” 91 ” مقعد في البرلمان يليها تحالف ” دولة القانون ” بزعامة رئيس الوزراء نوري المالكي , الحاصل على ” 89 ” مقعد وهي نتيجة عادلة وفق المعيار الإنتخابي والإرادة الجماهيرية التي أفرزتهُ الصناديق البلاستيكية , لكن ماجرى بعد هذه النتائج هو إنقلاب على العمل الديمقراطي من تحالف دولة القانون في تمسكهم لإستلام السلطة وعدم إحترام إرادة الناخبين , كان من المفترض على قادة تحالف دولة القانون وفي مقدمتهم رئيس الوزراء أن يباركوا لتحالف العراقية ويقدموا لهم التهاني ويكونوا مصداقاً لممارسة الحالة الديمقراطية كما يحصل في الدول والأنظمة الديمقراطية الأخرى ويشكلوا معارضة داخل البرلمان إذا كانوا فعلاً سياسيين , فبدلاً من أن يمارسوا هذه الحالة تخندقوا في طائفتهم التي ضربوها بعرض الجدار بقولهم ( ياطائفة ياشيعة ) حسب ماذكرته النائبة عن التيار الصدري ” مها الدوري ” ومن ثم عادوا اليها نادمين ومتوسلين للكتل السياسية المنضوية تحت التحالف الوطني مبررين ذلك الحفاظ على المكون الشيعي !!! ومن ثم جرت الأزمات وتعطل تشكيل الحكومة وطال لأكثر من ” 7 أشهر ” بين الفرقاء السياسيين وبين القطبين الفائزين الى أن تم الإتفاق عن تفاهمات حينها وسط مبادرة طرحت من الزعيم ” مسعود بارزاني ” تفضي الى تأسيس مجلس سياسات إستراتيجية ويكون الدكتور اياد علاوي رئيساً لهذا المجلس الى جانب مهام ومسؤوليات رئيس الوزراء نوري المالكي . لكن سرعان ماتم الإنقلاب على هذا المبدأ وهذه التفاهمات في أول يوم لتولي المالكي دفة الحكم !!! إذن هو إنقلاب واضح من قبل الفائز الثاني , والجدير بالذكر هو أن قادة الإنقلاب لديهم معزوفة دائماً يكررونها وهي ” زمن الإنقلابات ولّى ” وفي حقيقة الأمر وبطبيعة الحال أنهم منقلبون حتى على الدستور الذي أعطى الحق للفائز الأكبر بتشكيل الحكومة .
وبما أننا مقبلون على إنتخابات أخرى أصبحنا متشائمين حتى من الذين نضع ثقتنا بهم خشيتاً من تكرار هذا السيناريو , ختاماً أقول أن العراق بحاجة الى نظام رئاسي يكون بديلاً عن النظام البرلماني كما يجري لبعض دول العالم مثل أمريكا , أو إيران على أقل تقدير حتى نتخلّص من مشاكل قادة الكتل السياسية وصفقاتهم التي تعقد داخل ” كافيتيريا البرلمان ” ينبغي أن يكون هكذا نظام حتى يكون النظام السياسي مستقراً لاتحول دونه خلافات هذه الكتل المريضة .