يقال أن الرئيس البوليفي ، إيفو موراليس، سئل ذات مرة ” ما هو البلد الذي لا يمكن أن يشهد إنقلابا عسكريا حول العالم “، فأجاب بكل ثقة ” أكيد أمريكا ،لأن لا سفارة أمريكية هناك!!” وأضيف ” لأن لا إعلام أغبياء خرفان هناك ، بل إعلام محترفين شجعان ! .
وبعيدا عن سفارة العم سام ولكن قريبا من الصحافة العراقية والعربية وإخفاقهما التام بتغطية مجمل الأحداث في المنطقة والعالم وبالأخص العاجلة منها فلقد أشرت المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا التي أسقطت واقعا بـ 12 ثانية هي مدة المكالمة التي أدلى بها ، رجب طيب أردوغان ، من مكان ما عبر نظام سكايب ومن خلال هاتف محمول بثتها قناة CNN”” ترك ، مكالمة نقلتها قناة ليست على وفاق مع أردوغان وحزبه ” العدالة والتنمية “بأمانة تامة بعد سيطرة الانقلابين على محطة TRT الحكومية و إرغام مذيعتها الحسناء ، تيجين كاراش، على إذاعة البيان رقم واحد تحت تهديد السلاح وهي ذاتها التي أذاعت بيان فشل الانقلاب لاحقا والابتسامة تعلو محياها ( هاي لو عدنه كان شنقوها على برج البث العالي بعد تعرضها لترليون تحرش جنسي قبلها ) ،قطعا ان CNN ترك لم تفعل ذلك حبا بأردوغان بقدر حرصها على الديمقراطية لأن الجميع يعلم بأن نزيف الدم وكتم الحريات الذي درجت عليه الانقلابات العسكرية لا يبشر بمستقبل واعد إطلاقا ، مكالمة شجعت الملايين من مؤيديه ومعارضيه للنزول الى الشوارع منددين بالانقلاب ومحاصرة دباباته ومدرعاته في شوارع انقرة واسطنبول وإفشال المحاولة في مهدها ، فكيف لو كانت الكلمة قد صورت خلال مؤتمر صحفي بث عبر closed circuit television فماذا عساها كانت ستفعل ؟! .
أقول إن إنقلاب تركيا العسكري أشر وجود خلل مخيف في المنظومة الإعلامية العراقية والعربية ، إذ من غير المعقول ولا المقبول أن تزعم قناة عراقية رسمية على سبيل المثال في أحد عواجلها ، بأن ” الانقلابيين اعتقلوا عشرات الدواعش في مستشفى ارسين أرسلان ، وان الجيش التركي طالب قطعاته في بعشيقة العراقية بالانسحاب فورا وبعدم التعامل مع سفارة وقنصلية بلاده في بغداد وأربيل ، من دون أن توضح مصدر تلك الأخبار ولو تلميحا أو على بصيغ التضعيف المعروفة نحو ، تناقل ناشطون على مواقع التواصل أنباء لم يتسنى التأكد من صحتها بعد من مصادر رسمية تفيد بكذا وكذا ..الخ !!ليس هذا فحسب بل وتناقلت وكالات أنباء وقنوات فضائية محلية وبعد أقل من 60 دقيقة على الإنقلاب تصريحات وتغريدات لنواب وسياسيين عراقيين وهم يزفون بشرى سقوط النظام التركي ونجاح الانقلاب ضده على حد وصفهم ، من دون ان تتبين مجريات الأمور الملتبسة وتتعامل مع الحدث الساخن بحيادية وموضوعية وأن تكتفي بنقل الخبر من دون إضافات ولا توقعات ولا تمنيات ولا توزيع تهاني او تبريكات ريثما تتضح الأمور أكثر فأكثر على أقل تقدير ويعلم القاصي والداني ممن له أقل معرفة بأسس العمل الإعلامي بأن تناقل تصريحات سياسيين شامتين او مؤيدين سيكون له تداعياته الكبرى في حال فشل الانقلاب وهذا ما حدث بالفعل مشفوعا بالتشكيك بمهنية شبكة الإعلام العراقي وبقية المؤسسات الصحفية – شلع قلع – فضلا عن الطعن بدهاء السياسيين وحنكتهم وقدرتهم على التعامل مع المستجدات بموضوعية تليق بالملايين التي يقبضونها شهريا بالعملتين – الدولارية والدينارية – ناهيك عن المقاولات والصفقات الجانبية وما أكثرها !!
بدورهم عقب إعلاميون ومثقفون وأكاديميون عراقيون مستقلون عن وجهة نظر محترمة تفوقت على نظيراتها المطروحة في وسائل إعلام مسيسة ، لعل من أبرزها ماكتبه الدكتور خالد ناجي ، نقيب أشراف سامراء ” نعم لقد إختار الأتراك المدنية على حكم العسكر ، الإستقرار على الفوضى ، رفعوا العلم التركي وليس صور اردوغان ، الشعب لم يستغل الانفلات الأمني للحواسم ، المعارضة وقفت مع الشرعية ولم تداهن نكاية بحزب أردوغان الحاكم ، مع ان الانقلاب بين حجم إنقسامنا عراقيا على طريقة شماتة ونكاية ( العمة والكنة ) ، و ليس من بين العبر نصرة طائفة على أخرى إلا في عقول منفعلة لا ترى ان تركيا دولة علمانية حتى النخاع، وان الانقلاب نفسه محرك من تيار إسلامي ربما أكثر تشددا من تيار أردوغان !! في إشارة الى المتصوف المعروف و الخصم العنيد للرئيس التركي وحزبه، فتح الله كولن ، المائل للقومية ، الكاره للعثمانية ، .وأضاف إستاذ الإعلام الدكتور عبد الهادي الزيدي، ” لقد إنقسم العراقيون – كالعادة – في إنقلاب تركيا الفاشل، ولست أنا من سيضع النقاط على الحروف، بل وضعها العراقيون أنفسهم اذ لم يعد يخفى على أحد ان معظم السنة تأثروا وحزنوا على تركيا وأردوغان، ومعظم الشيعة فرحوا بذلك، صحيح انها دولة جارة وما يحدث فيها يهمنا، ولكن يا شعبنا ( الموحد جدا) أما كان أجدى بنا أن ننقلب نحن ضد الفساد والظلم وسرقة البلد منذ أكثر من 13 عاما؟ وأردف الزيدي ” إذا كانت محاولة انقلابية فاشلة في بلد مجاور ( تشتت) شملنا وتفرق رأينا الى هذا الحد، فنحن فعلا مشتتون ومتفرقون، وبحاجة الى دروس ومواقف كبيرة في حب الوطن والولاء اليه، نعم إختلاف الرأي وارد ولكن ينبغي أن يكون مبنياً على أسس منطقية لا لمجرد التعصب الأعمى” .
وتابع ، ان ” دفاع الشعب التركي عن دولته وحكومته يثبت درجة الوعي وحب التدوال السلمي للسلطة ورغبته الكبيرة في أمن بلده والحفاظ على إستقلاله ” ، مختتما رأيه بطرفة خلاصتها ، إن ” فشل الانقلاب في تركيا بسرعة بالغة ولاشك لم يترك فرصة مناسبة لبان كي مون كي يعبر عن قلقه الذي إشتهر به كما في كل مرة “.
وزاد الإعلامي قصي العبيدي ، ان ” الثقافة والعلم والحب أقوى من السلاح والدمار والكراهية، 12ثانية فقط وهي مدة المكالمة الهاتفية لأردوغان يجب ان تدرج ضمن موسوعة غينيس للأرقام القياسية كونها نجحت في إخراج الملايين الى الشوارع ليواجهوا بصدورهم العارية الدبابات والمدرعات والطائرات ما أثمر عن إسقاط الانقلاب ووأده في مهده “.
المحامي ياسر عبد القادر، نظر الى الانقلاب وكيفية التعامل معه من وجهة نظر قانونية ، قائلا ” بعض رجال القانون وصفوا ما حدث في العراق في ١٤/ تموز / ١٩٥٨ بأنه انقلاب على الشرعية وانها ليست ثورة إلا انهم فرحوا بإنقلاب ١٥/ تموز / ٢٠١٦ التركي واصفين ما حصل بأنه ثورة شعب ضد الطغاة !! “.
الإعلام المصري أو صحافة الـ ” خمسة سي سي ” كما يطلق عليها حاليا قد شطت بعيدا جدا عن نظيراتها العراقية ، معربة عن سعادتها الغامرة بالانقلاب ومباركته في ساعاته الأولى وبطريقة بعيدة عن المهنية فيما صدرت الصحف الرئيسة ” الوطن ، اليوم السابع ، المصري اليوم وغيرها ” وهي تحمل مانشيتات عريضة تصدرت صفحاتها الأولى تبارك جميعها الانقلاب بعد فشله بساعات ، الأمر الذي حول الصحافة المصرية ورموزها وكوادرها الى أضحوكة أعادت الى الذاكرة أكاذيب كل من ، احمد سعيد ، عبر اذاعة صوت العرب في ستينات القرن الماضي ، والصحاف من خلال تلفزيون بغداد عام 2003 ، قهقهات المتابعين كانت أعلى حول برامج التوك شو المصرية – التافهة – بعد بثها على يوتيوب اذ انها كانت كعادتها عبارة عن تهريج وصراخ وإستعراض أمنيات ضيوفها ومقدميها على حد سواء ، أكثر من تناولها الأخبار العاجلة بحيادية تامة بعيدا عن الأهواء الشخصية والأمنيات السياسية ، أبطال التوك شو وبقية وسائل الإعلام المصرية زمن السيسي لم يتغير أداؤهم المثير للشفقة بدءا بـ” لميس الحديدي ، إبراهيم عيسى ، عمرو اديب ، أحمد موسى ، مصطفى بكري ، يوسف الحسيني ، ثامر عبد المنعم ، خيري رمضان ، وليس انتهاء بمجدي الجلاد، رئيس تحرير المصري اليوم السابق ” أداء أحمق باهت يرفض وبشدة بأن يكون عقلانيا ومنطقيا ولو لمرة واحدة في تحليلاته اليومية بعيدا عن تملق السلطة تصريحا او تلميحا .
من جانبه علل رئيس قسم التحقيقات في صحيفة “العربي الجديد” اللندنية ، محمد عزام ، فشل الانقلاب بـ ” أعتقد ان هناك سببا خارجيا مهما لفشل انقلاب تركيا العسكري ، يتمثل بفشل انقلاب مصر العسكري الذي سبقه سياسيا واقتصاديا وأمنيا وعلى جميع المستويات ، فلو قدر لانقلاب السيسي ان ينجح فأن ظاهرة الانقلابات العسكرية كانت ستجد صدى لها في المنطقة ، لكن أما وان انقلاب مصر حولنا حرفيا لدولة مفككة ومنهارة وفتك حتى بمؤيديه ، دون أي نجاحات تذكر ، فالأمر هذا كان مؤشرا على ما يمكن أن يدفعه الأتراك كلهم ، حكومة ومعارضة ، من ثمن لو نجح الانقلاب” .
هناك من إتهم اردوغان علنا من خلال بعض وسائل الإعلام بتدبير الانقلاب لأقصاء خصومه وإجراء تصفيات كبرى في الجيش وقياداته وعلى أعلى المستويات جاءت متزامنة مع نفي ، محمد فتح الله كولن ، المقيم في بنسلفانيا ، اتهامات الرئيس التركي له بتدبير الأنقلاب الفاشل، إلا ان حجم الخسائر البشرية الكبيرة التي وصلت الى 265 قتيلا ومئات الجرحى والخسائر المالية وبملايين الدولارات فضلا عن اغلاق جميع المطارات وتعطيل حركة السياحة المصدر الأول للاقتصاد في البلاد وقصف البرلمان ومقر الاستخبارات وسقوط عدد من المروحيات العسكرية كل ذلك قلل من اهمية الأتهامات ضد اردوغان بصياغة سيناريو الإنقلاب ضده ، نعم لو كانت الخسائر محدودة وبفارق كبير عما هي عليه الآن لكان من الممكن مناقشة السيناريو الى حد ما من وجهة زاوية أخرى .
الدكتور حمودي جاسم ، المقيم في اسطنبول ، كتب بوستا على صفحته الشخصية في موقع التواصل ، فيس بوك ، قال فيها ” قرأت في منشور ان الحكومة العراقية رحبت باﻻنقلاب الفاشل ، اذا كان الخبر صحيحا فما معنى ذلك؟، معناه ان الجهات الرسمية العراقية جاهلة وتفتقر الى أبسط المفاهيم السياسية، ان ترحب بانقلاب عسكري هذا يعني انك تقبل بانقلاب مماثل ضدك ولو طالبت حينها بالشرعية فإن العالم كله لن يصغي اليك ولهذا فان دوﻻ عربية واقليمية وعالمية كانت فرحة بالأنقلاب إلا انها لم تصرح بشيء ولو إشارة او تضمينا ريثما تتضح الأمور أكثر “.
من جانبه علق الإعلامي رشيد العزاوي، على ما قامت به CNN ترك من بث كلمة أردوغان برغم معارضتها لحمكه بالقول ، ان ” سلوك هذه القناة انما يدلل على ان وسائل الإعلام عليها ان تحترم مهنيتها وتنتصر لسمعتها ، ﻻ أن تدفن رأسها بالوحل من أجل التشفي بهذا أو ذاك، لقد قدمت قناة سي ان ان التركية مثالا حيا يحتذى حذوه للدور المهني الذي يجب ان تنتهجه وسائل الإعلام و علينا ان نتعلم منه” .ومهما يكن من أمر فأن النجاح الوحيد الذي حققه الأنقلابيون وعلى مايبدو انما تجسد بالإطاحة وبالضربة القاضية بالإعلام العربي والعراقي برمته وفضح سياسيين ومحللين ومراقبين محكومين بالعاطفة والانتماء العرقي والطائفي اولا وقبل كل شيء لا بالعقل والحكمة ، فيما حلق الإنقلاب عاليا بأردوغان لتحقيق حلمه بالسلطنة وتغيير الدستور وإقصاء خصومه السياسيين والعسكريين والأيدولوجيين يشفع له إرتفاع رصيده وشعبيته بين أوساط معارضيه ومؤيديه على حد سواء بعد الأحداث الأخيرة التي عصفت بالبلاد بصورة مفاجئة لم تخطر على بال .اودعناكم اغاتي