9 أبريل، 2024 7:00 م
Search
Close this search box.

إنقذوا  المدرسة المستنصرية  من “مكاره الأخلاق “

Facebook
Twitter
LinkedIn

تتصف الشعوب  المدنية  والمتحضرة معا  في ميزة الحفاظ على  ميراثها التاريخي  وثرواتها الأدبية  ورموزها الفكرية  ومزاجها المحلي الفلكلوري ، وتعمل بجد  على مدّ جسور التواصل  بين القديم والحديث  لغرض  بناء مستقبل متنور .. ومن أهم  الشواهد  في حياة الشعوب  هي  الآثار الخالدة والتي انتجها العقل البشري في حقب تاريخية بعيدة .. ولقد اجتهدت الإنسانية في سنّ قوانين حماية  الآثار والأماكن التراثية، وكذلك إنشاء منظمات دولية فاعلة  لمتابعة  ودعم جهود الافراد والحكومات  بهذا الصدد..
 لذا حرصت الدول على الاهتمام بتراثها  وأنشأت هيئات ووزارات خاصة معنيّة بهذا الحقل ، وتخصّص الدول والهيئات الدولية  أموالا طائلة  من أجل بقاء هذه الآثار بحالة جيدة  عن طريق حمايتها من عبث العابثين والسارقين ، وصيانتها دوريا  بأساليب  حديثة وخاضعة لمعايير دولية  وبيد صنّاع مهرة ..
لو تقصينا  دول الجوار لوجدنا أن المملكة الأردنية الهاشمية قد ساهمت في  وضع مدينة البتراء من ضمن المدن التاريخية وقد حظيت برعاية  منظمة اليونسكو الدولية وفازت بالمركز الثاني في المسابقة العالمية لعجائب الدنيا السبع  ولقد ساهم الملك عبد الثاني شخصيا  بأنتاج فلم للترويج للأردن سياحيا وتراثيا تاريخيا  ، وفي مصر  خصص البنك الدولي مبلغ ” 150″ الف دولار لصيانة آئار الأقصر بهود مؤسسات مصرية  .. وفي لبنان  هناك ” مغارة جعيتة” والتي تسعى الحكومة اللبنانية جعلها من عجائب الدنيا السبع،  وقد شارك الرئيس اللبناني وجمهور من الساسة والفنانين للترويج للمغارة  عالميا  .. ولكننا نلاحظ بسهولة وببلادة وببداوة واضحة  حولّت الحكومة العراقية في عهد الطاغية صدام ” مدينة”  بابل التاريخية الأثرية  :” ومن عجائب الدنيا سابقا،  من مدينة أثرية الى مدينة سياحية نتيجة عبث وأستهتار السلطات العراقية  بالشكل التراثي لهذه الصروح والحواضر العظيمة والتي تضمها مدينة بابل !! فصدام بنى قصورا  وجعل إسمه في كل طابوقة .. وغيّر شكل المدينة  الأثري .. وبهذا خسر العراق  جزءا حيويا من إرثه التاريخي العظيم .
………………….
المدرسة  المستنصرية المستباحة
ومع التدهور الدراماتيكي  في عراق اليوم وغياب السلطة المركزية القوية القادرة على ضبط  وتنظيم  حياة الإنسان  وضمان حريته أولا .. فلا بد ان يرافق هذا الخلل والخرق الأمني فرصة نادرة للعابثين واللصوص  بممتلكات الشعب التاريخية ..
 فلقد راعني  كثيرا، أن أشاهد بمعية أصدقائي الفنانين ”  حيدر عباس وفيصل السعدي”  ما قدمه  تلفزيون العراق من برنامج  يتابع المسلسلات والتي ستقدم من على شاشة القناة العراقية في  شهرمضان  ..  فقد  شاهدنا بذهول  لقطات من مسلسل” بعنوان ” “مكاره في الأخلاق ”  ولا أريد التعليق على عنوان المسلسل  المقرف” ، ولكننا دهشنا من جرأة ووقاحة ولا مسؤولية القائمين على المسلسل   وبكافة مستوياتهم   في إتخاذ ” المدرسة المستصرية ” مكانا للتصوير ”  أو ” لوكيشن ” كما يرطنون  بلا معرفة  ولا خجل.  .. يستريح فيه الفنيون  والممثلون .. يسرحون ويمرحون وبكامل عددّهم ومعداتهم .. ومستلزمات كل مشهد ، من طباخات غاز وآوانٍ فخارية  وُبسط  فلكلورية ، و كتب تجثم بترهل على رفوف الجدران .. عوائل تسكن ، وربما يتم الطبخ والنفخ .. كاميرات، معدات وديكورات مضافة .. كل هذا في صرح آثاري تاريخي مهم .. في مدرسة المستنصرية  .. هذه المدرسة العريقة  وحسب المصادر فأنها ” تأسست في زمن العباسيين في بغداد عام 1233 على يد الخليفة المستنصر بالله، وكانت مركزا علميا وثقافيا هاما،  تقع في جهة الرصافة من بغداد، حيث شيدت “المستنصرية” على مساحة 4836 متراً مربعاً تطل على شاطئ نهر دجلة بجانب “قصر الخلافة” بالقرب من المدرسة النظامية، وكانت تتوسط المدرسة نافورة كبيرة فيها ساعة عجيبة غريبة، تعد شاهداً على تقدم العلم عند العرب في تلك الحقبة من الزمن تعلن أوقات الصلاة على مدار اليوم، وتتألف المدرسة من طابقين شيدت فيهما مائة غرفة بين كبيرة وصغيرة إضافة إلى الاواوين والقاعات. . ظل التدريس قائما في الجامعة المستنصرية أربعة قرون منذ ان أفتتحت في سنة (631هـ/1233م) حتى سنة (1048هـ/1638م)، وان تخلل ذلك فترات انقطاع، كانت الأولى في أثناء الاحتلال المغولي لبغداد سنة (656هـ/1258م) وتوقفت الدراسة فيها قليلاً، ثم عاد إليها نشاطها من جديد؛ حيث استؤنفت الدراسة في نفس السنة، وظلت الدراسة قائمة بالمستنصرية بانتظام بعد سقوط بغداد نحو قرن ونصف من الزمن…، .
 توقفت الدراسة بها وبغيرها من مدارس بغداد؛ بسبب تدمير تيمورلنك لبغداد مرتين الأولى سنة (765هـ/1392م) والأخرى في سنة (803هـ/1400م)؛ حيث قضى تيمورلنك على مدارس بغداد ونكل بعلمائها وأخذ معه إلى سمرقند كثيراً من الأدباء والمهندسين والمعماريين، كما هجر بغداد عدد كبير من العلماء إلى مصر والشام وغيرها من البلاد الإسلامية، وفقدت المستنصرية في هذه الهجمة الشرسة مكتبتها العامرة، وظلت متوقفة بعد غزو تيمورلنك نحو قرنين من الزمن حتى أفتتحت للدراسة عام (998هـ/1589م)، ولكن لم تدم طويلا فعادت وأغلقت أبوابها عام (1048هـ/1638م)، ومن ثم فتحت مدرسة الآصفية في مكانها، وكانت مدرسة الآصفية من مرافق المدرسة المستنصرية، وجدد عمارتها الوزير داود باشا والي بغداد في عام (1242هـ/ 1826م)، وسميت بالآصفية نسبة إلى داود باشا الملقب بآصف الزمان وأخيرا  استعادت دائرة الآثار العراقية ملكية المدرسة المستنصرية عام 1940.
أجريت أول أعمال صيانة للمدرسة 1960م.
هكذا تجازى المدرسة المستنصرية ” ذاك الصرح العظيم والذي أختاره هولاكو للقول الفصل بين العدل والكفر أو  حول المفاضلة بين الكفر مع العدل وبين الأسلام مع الجور بأفضلية الكافر العادل على المسلم الجائر إذ  قال المؤرخون القريبون من الحدث:  جمع هولاكو العلماء بالمستنصرية لذلك الامر ، فلما وقفوا على الفتيا أحجموا عن الجواب وكان رضي الدين علي ابن طاوس حاضراً المجلس، وكان مقدماً محترماً فلما رأى أحجامهم تناول الفتيا ووضع فيها تفضيل العادل الكافر على المسلم الجائر “
…………..
خاتمة السوء

في لبنان منعونا من التصوير في مغارة جعيتة، وذلك خوفا من فلاشات الكاميرات على هذا الصرح من التخريب التاريخي  ، وفي استراليا وفي دار الاوبرا  الحديثة العهد جدا ، لا يسمح لك بأستخدام المسامير اطلاقا لعمل ديكورات على مسارحها .. بل ان المؤجر للبيت  الإسترالي لا يحق له بدق مسمسار على الحائط الابموافقة ” المالك”..  وهناك أمثلة كبيرة  ومشرّفة  لبلدان ومدن حافظت على تراثها وارتقت به الى مصافات عالية  تليق ببناء المجتمع وفقا لتراتبية  متوازنة..
اي ظلم يركتبة كادر مسلسل ” ” مكاره من الاخلاق”  بحق  المدرسة المستنصرية؟؟.. فإذا كانت  العامة  واللصوص والسوقة والحكام ، بكافرهم وعادلهم .. لا يحترمون آثارنا ..  فمالهم الفنانون يمارسون قتلا مجانيا لصرح تاريخي ؟؟
اين هيئة الآثار ؟؟ اين السلطات .. أين العراق ؟؟؟؟؟

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب