أيام الأزمات والصعاب والتحدي، تستنجد الأمم، بخيرة رجالها، لغرض مواجهة الخطر وتجاوزه، هذا الحال ينطبق ويصح في أيام الحروب، كما يعمل في أوقات الأزمات الاجتماعية والاقتصادية التي تمر بها.
العراق بعد 2003، شهد تحول في نظام واليات الحكم، من الانفراد إلى الديمقراطية، ومن البيعة الإجبارية إلى الانتخابات، هذا كما يفترض؛ يفتح أفق جديدة، تغير حال المواطن، وتعوض سنوات طويلة من العبث والعشوائية.
تم قطع خطوات جيدة على طريق وضع أسس لتمكن هذا النظام في خدمة المواطن، وتحقيق قدر من الاستقرار والازدهار السياسي، كتب دستور، جرت انتخابات متعددة، تم سن قوانين تعوض محرومية بعض فئات المجتمع العراقي، حيث كانت هناك قيادات مهمة في الساحة، وتم تكليف شخصيات مجاهدة في إدارة بعض مفاصل الدولة، نجحت إلى حد كبير في انجاز عدد من المشاريع التي بقيت يتيمة منذ ذاك الحين.
بعد حصول الكبوة التي امتدت من (2006- 2014) بسبب حب السلطة والانفراد والاستحواذ على كل شيء، من نتائجها أبعاد المجاهدين من المواقع الحكومية، والاستعاضة عنهم بشخصيات لا تجيد إلا الولاء والتمجيد للأقوى، ظنا من الحاكم بأن تقريب هؤلاء وإبعاد أولئك يحقق له الخلود في السلطة، حيث كان الهدف الأسمى لديهم.
هذه الكبوة، دفع ثمنها البلد غاليا، انهار من الدماء، شرخ مجتمعي كبير، أزمات تحولت إلى عقد بين الطبقة السياسية، غياب الخدمات والبناء والأعمار، فلم نشهد إنشاء وانجاز أي معلم أو بناية طيلة الفترة المحصورة بين (2006- 2014)، عدى ما تم بنائه او البدء بإنشائه في الفترة التي سبقت هذا التاريخ.
حصل التغيير عام 2014، بواسطة القوى الوطنية التي كانت مؤثرة في المشهد الحكومة قبل الفترة أعلاه، ثم تم إبعادها وتهميشها من مصدر القرار، وبإسناد ودعم المرجعية، هذا التغيير يجب؛ أن يستثمر في تشخيص الخلل في المرحلة السابقة، ووضع معالجات واقعية، منها اعتماد على الكفاءة والنزاهة والتجربة في إسناد المناصب الحكومية، والابتعاد عن الحزبية والولاء والتمجيد، فقد أثبتت التجربة فشله.
ابعاد الشخصيات التي كانت جزء من المشهد والقرار في تلك المرحلة، لغرض التخلص من تأثيرها في محاولة إعادة التجربة أو تكرارها.
لكن بعض أخطاء الأمس مازالت تحكم بعض قرارات الحكومة، والأحزاب التي ساهمت بالتغيير، من استمرار تنصيب الأقرب وليس الأكفأ، واتخاذ نفس المستشارين والشخصيات التي كانت تحكم القرار بالأمس، واتخاذهم ندماء.
أن الوضع العراقي بكل تعقيداته؛ يحتاج إلى ثورة حقيقة تبدأ بمصدر القرار، ولا تنتهي إلا في اقل درجة وظيفية بالحكومة، لان البلد ينزف، ولا يمكن للمجاملات معالجته، ربما في مرحلة قادمة وبعد إيقاف التداعيات التي يعاني منها البلد.
باختصار البلد اليوم بحاجة إلى ثوار، يكرسون المنصب للتصحيح والخدمة، ليس تجار يستغلون الموقع للوجاهة والامتيازات، وإلا فأن الجميع رئيس حكومة وقيادات سياسية وأحزاب عريقة، كلها مسئولة عن الإخفاق، ولنا في تنصيب من لا يستحق، وما حصل من كبوة ندفع ثمنها غاليا، عبرة، كونها جاءت بناء على مجاملات، وأوهام ليس لها على الأرض وجود…