23 ديسمبر، 2024 7:03 ص

إنشاء الله أم إن شاء الله

إنشاء الله أم إن شاء الله

إنشاء الله) هي جُملةٌ طرقت أبواب مرآنا وكتبتها أناملنا لتحل ضيفاً على أدمغتنا التي باتت ولازالت لا ترحب بهذا الضيف كونه يدل على أن الذات الإلهية كيان مصنوع (اوجده كيان آخر) وهذا يدل تارة على (الشرك) وتارة على (الكفر)، كل هذا موجب لصد وردع من يكتب هذه الجملة وحثه على الاستغفار والتوبة قبل أن يكتبها (إن شاء الله) اي فصل (إن) الشرطية عن باقي الجملة.
فهل هذا الشيء صحيح ام خطأ ؟؟
لغوياً: تحتمل هذه الجملة معنيين لكلٍ منهما دلالته:
الأول: ان يقصد به إضافة المصدر الى مفعوله: أي وقوع لفظة (انشاء) على مفعولها (الله سبحانه) وهذا غير مقبول لأسباب سنذكرها.
الثاني: ان يقصد به إضافة المصدر الى فاعله: أي اضافة لفظة (انشاء) على فاعلها (الله سبحانه) اما المفعول فهو الخليقة. كقوله تعالى: (( … وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ … )) فهنا (دفع الله) اضيف الفعل الى فاعله لا الى مفعوله (الناس). ومنه قوله تعالى: (( وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ … )) فالمصدر (صنع) اضيف الى فاعله (الله) لا الى مفعوله (الجبال وباقي الخلائق)، ومنه قوله تعالى (( إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً )) فوقع فعل (أنشأ) على ما بعده أي على (مفعوله).
دلالياً : القول ب(ان شاء الله) لا جدال فيه انه المقصود من قوله تعالى (( وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا ? إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ … )) وهو الصحيح أي إقران (أن) الشرطية مفصولة عن باقي الجملة، ولكن القول ب(انشاء الله) لم ولن يكن دلالته على وقوع فعل الصنع على ذات الله لأن ذلك وان كان محتمل لغوياً الا انه غير محتمل دلالياً لعدة أسباب:
الأول: ان ذات الله سبحانه وصفاته لا تتيح مجالاً لهذه الاحتمالية مطلقاً فعن الرسول (ص) في تفسير قوله تعالى (( هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )) قال (ص): (( أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء ))، كما صرح الإمام علي (ع) في وصيته الى الحسن (ع): (( لو كان لربك شريك لأتتك رسله، ولرأيت آثار ملكه وسلطانه، ولعرفت أفعاله وصفاته، ولكنه إله واحد )).
الثاني: ان سياق الحديث بين الشخصين يوجب ان المقصود دلالياً هو الإرادة او المشيئة الإلهية، كمن يكتب لصديقه:
– أراك في الصباح.
– إنشاء الله.
فسياق الكلام ودلالته سيعدم وقوع المصدر على مفعوله، او بالأصح سيعدم انطباق معنى المفعولية على الله جل جلاله رغماً عن انف اللغة فمن غير المنطقي ومما لا يقبله العقلاء ان المجيب يقصد ايجاد الله للرد على من أخبره (أراك في الصباح) الا اذا كان مختلاً. وعليه هي جملة خاطئة إملائياً ولغوياً في حال قصد المتحدث الارادية الإلهية، لاعلاقة لها بالشرك والكفر وغيره من موارد الإتهام الباطلة.