23 ديسمبر، 2024 11:28 ص

إنتصرت الديمقراطية فلا تلقوا سلاحكم2/1

إنتصرت الديمقراطية فلا تلقوا سلاحكم2/1

خـلفــــــــية ســـــقوط المـوصــــــــل:
سقطت الموصل بيد التنظيم الإرهابي المسمى “الدولة الإسلامية في العراق والشام” ومختصره “داعش”. كان السقوط نتيجة مؤامرة واسعة جداً على العراق، ككل، حيكت على مدى سنين طويلة إبتدأت من قبل الأمريكيين حتى قبل سقوط النظام البعثي الطغموي في عام 2003. وتكثف الجهد بعد إنتخابات عام 2005 وزاد كثافة لما إقترب موعد خروج القوات الأمريكية من العراق أي منذ بداية عام 2011 فكانت مؤامرة 25/2/ 2011 الفاشلة. وإزداد وطيس التآمر قبيل خروج القوات الأمريكية وذهاب أسامة النجيفي رئيس مجلس النواب إلى البيت الأبيض وإجتماعه بنائب الرئيس جو بايدن صاحب نظرية تقسيم العراق (المشروع مؤجل لسبب تكتيكي وهو وجود 82% من نفط العراق في وسطه وجنوبه وإحتمال دفع التقسيم إلى مزيد من التقارب بين العراق وإيران وتعزيز محور مقاومة الإحتلال الإسرائيلي). خرج السيد النجيفي على الملأ بنظرية تهميش وإقصاء وإضطهاد السنة والمطالبة بإقليم لهم قد يكون فاتحة عهد التقسيم. دعم كل هذه الجهود الحزب الديمقراطي الكردستاني الشوفييني الذي تبنى استراتيجية تنفيذ مشاريع شركات النفط وإسرائيل والسعودية وتركيا وقطر، الكبرى والثانوية، كالتطبيع مع إسرائيل، وخاصة مشروع تفتيت الدول العربية من داخلها مقابل مكاسب سياسية ستثبت الايام كونها أوهاماً وسراباً.

نسمع النجيفي فيخال المرء أنه ليس هناك بشراً هم مواطنون عراقيون أيضاً وبعشرات الآلاف تساقطوا ويتساقطون كل يوم في شوارع وأسواق ومدارس ومقاهي ومساجد وحسينيات وكنائس العراق.

تسمع النجيفي وهو يتكلم عن الحقوق وكأنه لم يكن هو رئيساً لمجلس النواب الذي عرقل التشريع السليم في المجالات القانونية والسياسية والأمنية والتنموية.

تسمع النجيفي وكأن محافظ الموصل قد إستنفذ كل التخصيصات لصالح خدمة المحافظة ولم يتبقَ شيء لداعش أن تأخذه فهبط عليها نصف مليار دولار من السماء لتتمتع بها في قتل العراقيين.

كفى أن نعلم أن صحيفة التايمز اللندنية قالت إن (داعش) كانت تجمع من مواطني الموصل مبلغ مليون دولار شهرياً من الخاوات والأتاوات. فأين كانت حكومة الموصل المحلية؟

مــا هـــي مـفــــــاصــــل المــؤامــــــــــــرة؟

كانت هناك خطة على صعيدين: مسلح وإعلامي خارجي وداخلي.

الـتـحــــــــــرك المســــــــــلـح:

كانت الأرضية للتمرد العسكري في القوات العراقية في الموصل جاهزة ذهنياً ونفسياً بين جماهير ومنتسبي القوات المسلحة والأمن والشرطة. لم يكن التمرد عن طريق المواجهة المسلحة بل عن طريق تذويب القطعات العسكرية والشرطة ضباطاً وجنوداً وشرطة (الذين هم من أهالي مدينة الموصل والكرد) وجعلهم ينصرفون إلى بيوتهم بملابس مدنية خلال وقت قصير من وراء ظهر القادة الذين كانوا يستطلعون الوضع الميداني في الضفة التي سقطت بيد داعش. هكذا عاد القادة ليروا أن وحداتهم العسكرية بضباطها وجنودها قد تبخرت وأخلت الساحة للداعشيين الذين كان عديدهم حوالي (3000) شخصاً إضافة إلى الخلايا النائمة نقلاً عن وزير الدفاع السيد سعدون الدليمي.

أمـــا التآمــر على الصعيــد الإعلامـي فقد كان على محوريــن:
– الـمـحــــــــــــور الـخــــــــــارجــــــــــــي:

وقد تولته أمريكا والسعودية وتركيا وقطر. قام هؤلاء بإبلاغ الحكومات الصديقة لأمريكا بأن أس المشكلة في العراق هو إخفاق رئيس الوزراء السيد نوري المالكي في ضم الطائفة السنية إلى الحكومة وشعور السنة بالتهميش والإقصاء. أصبح الغربيون أكثر تضامناً مع أمريكا بعد أحداث أوكرانيا. السعودية وقطر تستخدمان الإغراءات التجارية وشراء السلاح لكسب تأييد معظم الدول التي تمر بأزمات إقتصادية متوالية.

لقد إستجابت كثير من الدول الأوربية للتحريض الأمريكي وأصدروا بيانات بذلك. بل تحدث بنفس النغمة السيد بان كيمون الأمين العام للأمم المتحدة في الوقت الذي لم يدرج مثل هكذا ملاحظة في أي تقرير من تقاريره الدورية التي رفعها إلى مجلس الأمن عن الوضع العراقي كل ستة أشهر. هذه ملاحظة أحثُ السيد نيكولاي ميلادينوف الممثل الشخصي للأمين العام في العراق، على نقلها إلى السيد بان كيمون وإبلاغه إنتقادي الشديد له، كمواطن عراقي بسيط، لأنه خضع لأمريكا كما كان الحال أيام الحرب الباردة. وآمل أن تكون وزارة الخارجية العراقية قد إنتبهت لتصريحات السيد الأمين العام ووضحت له الموقف ووضحته لحكومات فرنسا وإيطاليا والمانيا وغيرها. إنهم وأمريكا يصبون الزيت على نار أوقدوها بأنفسهم.

بالطبع، مسألة تهميش السنة وإقصائهم هي قفز على الحقائق. أحصى أحد الخبراء اللبنانيين مشاركة الطوائف في الدولة العراقية من رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس النواب ونيابة رئاسة الوزراء وثمانية وزراء وتسعين نائباً  فأفاد بأن السنة العرب يشغلون 26% من المناصب القيادية في المجلس التشريعي والحكومة والدولة العراقية بينما لا تتجاوز نسبتهم السكانية  19%. وإذا أضفنا إليهم السنة الكرد لقفزت نسبة المساهمة إلى 51%  بينما لا تتجاوز نسبتهما السكانية مجتمعَين 35%.

للحق هناك شعور بالتهميش لدى بعض السنة البسطاء لأن الشحن السياسي للطغمويين(1) يجري بإتجاه “إنك مهمش إذا كنتَ لا تحكم حكماً مطلقاً” و”إنك مهمش إذا كان رئيس الوزراء شروكي صفوي عجمي شيعي” (2)؛ وهناك الشحن التكفيري المستند إلى أحاديث مختلقة من قبيل حديث “الطائفة المنصورة” وحديث “الفرقة الناجية” وهناك تكفير للشيعة. بإيجاز إنهم يشيعون شعار “أحكمك أو أقتلك أو أخرب البلد”.

بالمناسبة، الذي يلطخ السنة بالإرهاب هم الأمريكيون. راجعوا جميع تصريحاتهم منذ دخولهم العراق حتى الآن. لكن منذ إخراج القوات الأمريكية من العراق في 16/12/2011 إقتضي الأمر تغيير التكتيك فراح المعلقون الأمريكيون يتكلمون عن إرهاب السنة الذين أخفق المالكي في إحتوائهم وإبعادهم عنه، الإرهاب!!!

يتكلمون عن عدم إستجابة حكومة المالكي للمطالب. إنهم، على سبيل المثال، يريدون إلغاء المادة (4 إرهاب) في الوقت الذي أعلن فيه تنظيم القاعدة، حتى قبل عام 2003، تكفير الشيعة ووجوب إبادتهم صغيراً وكبيراً. لقد وضعوا هذا التشريع موضع التطبيق ويمارسونه على أرض الواقع يومياً في العراق حتى الآن فذهب ضحيته عشرات الآلاف من الشيعة الأبرياء.

إذاً، كيف تلغي مادة دستورية تلاحق المجرمين والوضع بهذا الحال؟

الـمـحــــــــــــــور الداخـلـــــــــــــــــي:

وهو خطير جداً قد يفوق أهمية الجانب المسلح في التآمر وإحداث الإنكسار العسكري وسقوط الموصل.

بنيت الخطة على أساس إحداث إنهيار كلي صاعق في المجتمع العراقي وليس في الموصل وحدها ساعة وصول خبر الإنكسار العسكري هناك. عندئذ تتحرك الخلايا النائمة والتجمعات الإرهابية في كل الأماكن المتواجدة فيها في الأنبار والفلوجة وصلاح الدين وديالى وسامراء وكركوك وبابل وحزام بغداد وغيرها بهدف إسقاط الحكومة والإستيلاء على المؤسسات الحكومية والمباني العامة. ولا نعلم ما هي الإستعدادات السعودية قرب حدود محافظات البصرة والسماوة والديوانية لضخ إرهابيين وأسلحة ومعدات وربما سلاح كيمياوي لإرعاب الجماهير في ظل الفوضى العامة. بالفعل رصدت تحركات سعودية عبر الحدود حسب مسؤولي هذه المحافظات كما نقلتها فضائيتا (الحرة – عراق) و (الميادين).

يمكن إستشفاف هذه الخطة من مجرد السماع في فضائية (الحرة – عراق) لتصريحات الأخوين النجيفيين: أثيل، محافظ الموصل، وأسامة، رئيس مجلس النواب العراقي، يوم سقوط الموصل بتأريخ 10/6/2014.

ركز أثيل على “تخاذل ” و “هرب” كبار ضباط الجيش بطيارة مروحية وتركوا الجنود والمعدات العسكرية. قال: “كانوا عندي قبل نصف ساعة وأكدوا إستعداهم التام. ولكنهم هربوا بعد نصف ساعة”. وذكرهم بالإسم وهم: علي غيدان قائد القوات البرية، وعبود كمبر منسق العمليات، ومهدي صبيح الغراوي قائد الشرطة الإتحادية.

هكذا صور أثيل المشهد دراماتيكياً.

تبين فيما بعد أن طرح أثيل النجيفي لم يكن صحيحاً بل جزءاً من حرب نفسية دعائية مبيتة. على سبيل المثال لا الحصر، خذ ما قاله الخبير الإستراتيجي الدكتور هاشم الهاشمي إذ قال في فضائية (الحرة عراق) بتأريخ 22/6/2014 ما يلي: ذهب اللواء مهدي الغراوي إلى الضفة الأخرى من الموصل التي سيطرت عليها قوات داعش للإستطلاع. ولما عاد وجد أن الضباط والشرطة قد تبخروا، إذ أشاع بعض الضباط المتآمرين بأن القائد قد هرب وعليكم الإنصراف. فإنهارت معنويات المنتسبين ولبسوا ملابسهم المدنية وإنصرفوا. علماً أن جميع ضباط وجنود الوحدات هم من أهالي الموصل أو أكراد كما قال النائب الدكتور علي شلاه في فضائية (الحرة – عراق) / برنامج “بالعراقي” يوم 22/6/2014.

أما أسامة فقد ركز في تصريحاته لفضائية (الحرة – عراق) يوم 10/6/2014 – ركز على أمرين من شأنهما تدمير المعنويات وإثارة الرعب والإنكسار. لقد ركز على “عدوان خارجي” وعلى “حصول إنهيار عام إلى جانب الإنهيار العسكري”.

(بتقديري، وحسب فهمي لقوانين الحفاظ على السلامة الوطنية، فأعتقد أن السيد أسامة النجيفي يجب أن يواجه تهمة “الخيانة العظمى” إذ ليس لديه ما يثبت أن هناك عدوان خارجي بما يوحي أنه عدوان من دولة خارجية ما يثير الخوف والرعب والإرتباك لدى معظم المواطنين كشعور إنساني متوقع في كل مكان من العالم. كما إنه ليس لديه ما يثبت حصول إنهيار عام في الدولة، وهو أمر كان من شأنه أن يدمر معنويات المواطنين وقد يتسبب بالفوضى العارمة في البلد مما يتيح المجال للقوى الإرهابية بإستثمارها وتحقيق خرق قد يؤدي إلى خسارة أرواح بريئة.)          

كل الدلائل تشير إلى أن الخطة الإعلامية الداخلية قد أُعدت لها العدة منذ فترة طويلة كممهدات لليوم الموعود الذي تأتي معه “الضربة القاضية” التي تضرع وتوسل مثقف الطغمويين الدكتور سيار الجميل إلى سيدة النجاة (يوم هاجم كنيستها الإرهاب) أن تأتينا بها لإنقاذنا بعد أن فعلت ما فعلت الفرقة الذهبية أولاً (والإرهاب ثانياً!!!) فلنقرأ ما قاله الجميل:

[كم كنت أتمنى أن لا يخرج بعض المتشدقين وهو يمتدح ” الفرقة الذهبية ” في الذي صنعته من جنون ! المأساة ستبقى إن اكتفينا بالصمت القاتل .. المأساة ستبقى ما بقي الإرهاب ! الإرهاب سيبقى ما بقيت جماعات وأحزاب تتحكم بمصيرنا باسم الدين ! المصير سيبقى قاتما ما بقي العراق يتشظى فرقا وجماعات وكتلا وأعراقا ! ]

(للعلم أجبتُ السيد سيار بسلسلة مقالات من عشر حلقات مفادها أن النظام العراقي دستوري مدني فهو ليس نظاماً دينياً. لم يستطع الإجابة ولكنه عاد وكتب مقالاً في موقع “النور” بعد أسبوعين من سقوط الموصل على نفس المنوال غير أن الموقع حذف المقال ربما لعدم لياقته وربما لإحتجاج القراء عليه.)

لم يكن غريباً أن يكتب بعثي كالسيد الجميل هذا الكلام وهو كلام حقنه الأمريكيون في عقول بعض المثقفين. ولكن الغريب أن يردد هذا الكلام ويحكم نشاطات عدد غير قليل ممن يعتبرون أنفسهم ديمقراطيين وليبراليين وتقدميين ويساريين حتى أنهم أصبحوا مطايا لنقل تشويهات وفبركات الطغمويين وسادتهم الإمبرياليين إلى صفوف الجماهير الطيبة التي لولا نباهتها لأنطلت عليها تلك الحيل.

على هذا النمط جرى تصفير كل شيء في العراق الجديد وخاصة في الأماكن التي يتحكم فيها الطغمويون. إعتقدَ البعض أنها ممارسة للديمقراطية ، وأرادها البعض الفاشل من القيادات وسيلة للتسقيط عسى أن يصيبهم بعض الفتات إذا سقط النظام وهناك من سخرته آلة الدعاية الأمريكية للتخريب من حيث يعي أو لا يعي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1):  للإطلاع على “مفاتيح فهم وترقية الوضع العراقي”  بمفرداته:  “النظم الطغموية حكمتْ العراق منذ تأسيسه” و “الطائفية” و “الوطنية” راجع أحد الروابط التالية رجاءً:

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=298995

http://www.qanon302.net/news/news.php?action=view&id=14181