23 ديسمبر، 2024 12:11 ص

إنتخبوني وأنتم لاتعرفوني ..تدلل عيوني بشرط ؟!!

إنتخبوني وأنتم لاتعرفوني ..تدلل عيوني بشرط ؟!!

قالها بعفوية ويداه ترتعشان في مقهى تراثي يؤمه اﻷدباء والشعراء والكتاب والصحفيون ( رشحوني وإنتخبوني وأنتم لاتعرفوني !) فجاءه الرد سريعا من باب المجاملة (تدلل عيوني !) ، تلتها قهقهات هزت أركان المقهى مع نوبات سعال أطلقها – الشياب -من صدور متعبة ، فضلا عن عبارات خادشة للحياء يعف اللسان عن ذكرها ، أعقبها إجترار دهاء نوري باشا السعيد، وكيف أنه لو عاد الى الحياة ثانية فإنه سيضع أكبر سياسي عراقي حالي – ديناصور قراطي – مع حزبه وكتلته بـ” جيب الخردة” وإستعراض مواقف دهاقنة العهد الملكي ، وأمثالهم في العهود الجمهورية المتلاحقة مع تباين اﻵراء بشأنهم بين محب وكاره ، راض وساخط ، من دون أن يفسد الخلاف بينهم للود قضية ، جريا على العادة في مثل هكذا مقاه تحولت سقوفها – العكادة – الى لوحات حالكة السواد تغطيها بيوت العناكب من كل جانب ومنذ عقود ، فيما تغص جدرانها بصور اﻷقدمين من الساسة والوجهاء والشعراء والفنانين الغارقة وسط غمامات من الدخان التي ﻻ تنجلي أبدا !
ﻻشك أن الإنتخابات البرلمانية ونظيرتها المحلية المقبلة في الـ 12 من آيار المقبل ستحمل بين طياتها عددا هائلا من المرشحين الجدد ومن مختلف المكونات والإنتماءات ممن لاسابقة لجمهور الناخبين بمعرفتهم البتة ،ولهؤلاء تحديدا أكتب السطور التالية وأستهلها بقول لجان جاك روسو ، وإن كنت لا أحبه برغم عقده الاجتماعي الشهير كونه كان كثير العشيقات اللائي أنجبن له العديد من اللقطاء ممن ألقى بهم واحدا تلو اﻵخر في أتون بيوت المشردين وهو أبو الديمقراطية الحديثة ” إن رصيد الديمقراطية الحقيقي ليس في صناديق الانتخابات فحسب ، بل في وعي الناس” .
وﻻيخفى على مرشح أيا كان توجهه، يمينيا أم يساريا ، راديكاليا أم ليبراليا ،بيروقراطيا ام أناركيا ، برجوازيا أم بروليتاريا ، مؤكد ان الساسة من حملة الشهادة الاعدادية ممن تغص بهم العملية السياسية -البطاني قراطية – غير مطالبين بإجهاد أنفسهم في البحث عن معاني المصطلحات السالفة ﻷنني على يقين بأنني لو سألت احدهم عن معانيها ﻷجاب وبالحرف ( خالوو ..هذا وين يزين ؟!) أن هذا الوعي الجمعي للناخبين بحاجة الى تشكيل مبرمج ومدروس من غير إفراط ولا تفريط من جهة ، ومن غير ضحك على ذقونهم من جهة أخرى ،بمعنى أنه وعي ناضج بعيد كل البعد عن – طرزانيات – الحملات الماضية طيلة 15 عاما والتي تحولت فيما بعد الى سخرية مواقع التواصل الاجتماعي كافة وتندرها بما يسقط المرشح وﻻيعلي من شأنه أنه وعي مبني على المصداقية والانسانية والوطنية يخاطب العقول أولا ، ويداعب المشاعر و القلوب ثانيا وبغير هذه الثنائية التي يضاف لها طرح البرنامج الانتخابي كمرحلة لاحقة لتشكل ثلاثية ترتكز عليها الحملة بنجاح ، لن يحصد المرشح رصيدا كافيا من الاصوات النخبوية والجماهيرية على حد سواء تؤهله للفوز – بشرف – ﻻ بتزوير النتائج وﻻ بإستبدال صناديق الاقتراع وﻻ بمصادرة أصوات المرشحين اﻵخرين وإرهابهم وتسقيطهم للوصول الى مبتغاه بالمال والجاه والسلطة ، ﻷن الديمقراطية بيد الجهلاء بلاء ، بخلافها ان كانت بيد الصلحاء والخبراء وقليل ماهم فلربما تكون عطاءا يرقى بالحملة وما بعدها ولايهوي بها وبمن يمثلها ، وبناء على ماتقدم يتوجب كسب الناس والتعريف بشخص المرشح غير المعروف لجمهور الناخبين بخلاف من ينافسونه من أسماك القرش والتماسيح المستهلكة – العمبة قراطية – في معركة انتخابية حامية الوطيس بوجود 204 احزاب مسجلة في مفوضية الانتخابات ، ويتم ذلك عبر إقامة سلسلة متتالية من الندوات وورش العمل واللقاءات ذات البعد الانساني ، الثقافي ، الاجتماعي نحو ، ورشة عمل عن ” خطر المخدرات وكوارثها ” كونها اصبحت ظاهرة خطيرة للغاية وقع في حبائلها الاف العراقيين ، ندوة عن( العنف ضد المرأة والطفل ) التي ارتفعت وتيرتها بشكل مخيف في الاونة الاخيرة واصبحت كسابقتها – المخدرات – حديث وسائل الاعلام كافة ، ، ندوة عن ” النزاهة الاجرائية وليست الدعائية ” عن ” النزاعات العشائرية والعصبيات القبلية ” عن ” التطرف ” ، عن ” ظاهرة التسول والاطفال المشردين “، عن ” عصابات الجريمة المنظمة والاتجار بالبشر ” عن ” مكافحة الامية والتسرب المدرسي ” عن ” عمالة الاطفال ” عن ” الطلاق الذي تحول الى كارثة ” عن ” كفالة الايتام والارامل ورعايتهم “، عن” الانتحار ومخاطره” بعد ان تحول الى ظاهرة ، ” عن” التنمية البشرية ” عن ” البطالة وآثارها المدمرة ” يدعى اليها نخبة من المتخصصين والمثقفين والاكاديميين ومنظمات المجتمع المدني لينتفعوا منها سواء فاز المرشح أم لا ، خدمة للصالح العام من جهة ، و ليتعرفوا على المرشح و يستيبنوا أمره – يعرف يحجي لو ﻻ ، مثقف لو طك عطية ، طائفي لو وطني ،كلاوقراطي لو ديمقراطي ..الخ – من جهة اخرى ، أما عن المرحلة الثانية من الحملة فتتضمن وبخلاف سابقتها التي كانت تستقبل الجمهور ، خروج المرشح هذه المرة الى الجمهور وليس العكس ،
يقول الفيلسوف اليوناني ارسطو طاليس وان كنت لا أحبه ايضا وكذلك أستاذه سقراط الذي أنهى حياته إنتحارا بإحتساء السم أمام تلامذته وكذلك زميله افلاطون برغم “جمهوريته الفاضلة” كونها خرييط : “في الديمقراطية الحقيقية يكون للفقير( المسكين ، المهمش ، المضطهد ،المعاق ، المظلوم ) سلطة أعلى من الغني لأن الفقراء أكثر ، ورغبة الغالبية تسود في نهاية المطاف ” على حد زعمه .
وبناء عليه تتضمن المرحلة الثانية في بغداد زيارة تفقدية الى دار ايتام مع الهدايا التقديرية ، زيارة تفقدية مع الهدايا الى ” دار الحنان لشديدي العوق ” في العطيفية ، ومثلهما مع الهدايا الى ” دار المسنين في الصليخ ” ، الى ” معهد الصم والبكم في الاعظمية ” ، الى ” معهد النور ” للمكفوفين في الاسكان ، الى ” البارالمية ” الى معهد ” رامي ” ﻷطفال التوحد ، الى قسم اطفال الثلاسيميا في مستشفى الكرامة ، الى ضحايا الاورام السرطانية ، الى معهد ” هبة الله ” لمتلازمة داون ، الى مخيمات النازحين ، الى دار الرحمة للاطفال المشردين ” قرب مستشفى النعمان وهكذا دواليك وﻻيختلف الحال كثيرا مع مرشحي المحافظات اﻷخرى على أن توثق الزيارات فيديويا وصوريا وتبث بعد تحرير الخبر وصياغته بطريقة وكالات الانباء الرصينة في مواقع التواصل ” فيس بوك ، تويتر ، واتس آب ، فايبر ، تليغرام ، انستغرام ، يوتيوب ” واخلاص النية لله تعالى حتى لايفقد أجرها وثوابها ليس من باب – صورني واني ما ادري – بقدر ماهي من باب ” إنما تنصرون وترزقون بضعفائكم ” اولا ولكي يطلع المرشح عن كثب على هول الجحيم الذي يعانيه شعبه في بلاد النفط بعد تكالب اﻷمم عليه ، قبل توليه المنصب لعله – يذكرهم – ولايجحدهم ، يخدمهم ولا يترفع عليهم ، يفي بوعوده التي قطعها لهم ولايتهرب منهم كما فعل أقرانه – الدراكيولا قراطيون – من قبل !!
أما المرحلة الثالثة فهي الحملة التي يصدق فيها قول المهاتما غاندي ” روح الديمقراطية ليس أمراً آلياً يتم تعديله عن طريق إلغاء الأشكال ، بل يتطلب الأمر تغييراً للقلب”.
وبناء عليه ولكسب قلوب الناخبين يجب أن تتمحور المرحلة الثالثة حول طرح البرنامج الانتخابي الذي ﻻخيال ولامثاليات فنتازية فيه البتة ﻷن الناخب لم يعد يطيق البرامج – الانشائية – نحو ( سنعمل للقضاء على البطالة ، سنبني منزلا لكل مواطن ، سنحول اموال النفط الى الشعب ، سنقضي على الفقر والمرض واﻷمية ، سنعيد تاهيل المصانع ، اعادة إحياء المزارع … ) فهذه كلها طروحات طوباوية تصلح لدرس الإنشاء وﻻتصلح لحملة انتخابية رصينة بعدما ذاق العراقيون مرارة الحملات – الترهات قراطية – التي لم يف أي مرشح فيها بما وعد به جمهوره خلالها إطلاقا ولو بالحد اﻷدنى !
المطلوب برنامج واقعي يعتمد المقدرات والقدرات ، يوجز اﻵليات ، يوضح الإشكالات ، يبين المبهمات ، يجيب عن التساؤلات بطريقة عقلانية مقنعة للناخبين ، فلو قال المرشح على سبيل المثال ( سأعمل على منح كل مواطن نسبة من النفط بمقدار 25سنتا كما سمعته من بعضهم ) فإن المراقبين والصحفيين المحنكين سيشنون هجمة شرسة ضده ..لماذا ؟ ﻷن النفط العراقي قد بيع بالكامل الى الشركات الاحتكارية العالمية ضمن جولة التراخيص بشهادة خبراء في النفط وبالتالي فإن هذه الشركات لن تدفع سنتا واحدا ولو طالب بذلك أكبر – رأس – في الدولة وقومي كلهم رؤوس كمزرعة البصل ، لا مرشح مغمور تحت التجربة ، المطلوب أن تقول ” سنعمل جاهدين على تحسين الواقع المعيشي للمواطنين والواقع الاقتصادي للبلد قدر الإمكان عبر كذا وكذا ” ومن غير عنتريات وﻻ دون كيشوتات وﻻ عصبيات مقيتة أغاتي . أودعناكم