شهور عِجاف ستمر على السياسيين العراقيين قبيل موعد الإنتخابات البرلمانية المزمع إجرائها في تشرين الأول 2025 “إن جرت في موعدها”.
وقبلها سنين عِجاف من الصراع والإقتتال على السلطة والنفوذ، لو إستغلوها في بناء المؤسسات وتحسين البنى التحتية لأراحوا البلاد وشكرهم العباد.
الإنتخابات في العراق أحد مشاهد الكاميرا الخفية، هزيلة الأدوار تتكرر كل أربع سنوات لشعب مقهور، سبب هزلها ليس في أبطالها وعشرات الكومبارس، بل لأنها تمثل إكسسوارات الديمقراطية العرجاء التي عرفها العراق بعد 2003، التي لابد منها حتى وإن تدنّت نسب المشاركة، المهم هو إعتراف واشنطن وإيران بتلك العملية وذلك الإعتراف كافٍ لتمشيتها.
لازال الصراع على السلطة هو نواة العملية السياسية في العراق، حيث لا تغيير في الوجوه السياسية، وما عملية الإنتخابات إلا صفقة لتدوير تلك الوجوه بين مراكز النفوذ.
بذات الوقت تتأهب كل مجموعة من الجماعات السياسية الحاكمة لإحتمال أن تقوم قوة أخرى بـ”الإنقلاب”، ولذلك دائماً ما تبحث تلك القوى عن تحصينات أو تطمينات لحروب قبيل الإنتخابات لا تنتهي إلا بتسويات سياسية تُرضي جميع الأطراف بعد الإنتخابات.
فكرة الإنتخابات المبكرة كانت مشروعاً حاول إستثماره نوري المالكي رئيس الوزراء الأسبق وأحد قيادات الإطار التنسيقي للحد من تصاعد نفوذ لاعب جديد ظهر على الساحة السياسية وهو رئيس الوزراء الحالي محمد شياع السوداني الذي بدأ ينافسهم في السلطة بنيّته لدورة ثانية في رئاسة الوزراء، ورغبة مبطنة للمالكي بعودته للسلطة، لكن فكرة المبكرة فشلت عندما لم تجد صدى لها عند القوى السياسية الأخرى لذلك بدأ التحرك من أجل تغيير القانون الإنتخابي الذي كان دائماً ما يتغير وفقاً لمصالح القوى السياسية وأهوائها.
مع تمديد عمل مفوضية الإنتخابات يحاول المالكي بلورة قانون تكون أهم فقرة به هو إلزام السوداني بترك منصبه قبل ستة أشهر من موعد الإقتراع، وهذا يعني أن فترة حكم السوداني لرئاسة الوزراء لم يتبق منها سوى بضعة أشهر قبل موعد الإنتخابات.
في قرار قد يقلب موازين القوى في المشهد السياسي ما أعلنته مفوضية الإنتخابات بعدم جواز مشاركة الأحزاب السياسية التي لها أجنحة مسلحة في الإنتخابات، ورطة هذا القرار إن أغلب قيادات الإطار التنسيقي التي أخرجت السوداني رئيساً للوزراء هي من الجماعات السياسية التي تمتلك فصائل مسلحة، ويبدو هذا القرار مغازلة للفاعل الخارجي الذي يصر على إنهاء دور سلاح الفصائل في النظام السياسي العراقي.
المصيبة الأكبر هو إمكانية إتخاذ الكونغرس والإدارة الأمريكية قراراً بمعاقبة المحكمة الإتحادية في العراق بعد أن أعتبرها النائب الجمهوري جو ويلسن بأنها غير دستورية وأصبحت أداة بيد النظام الإيراني، لأن المعتاد في الدورات الإنتخابية السابقة أن هذه المحكمة تصادق على نتائج الإنتخابات البرلمانية بصيغتها النهائية، فكيف سيكون الوضع فيما إذا أصبحت غير دستورية؟ وما هو حال الوضع الإنتخابي ونتائجه إذا وصفت قرارات هذه المحكمة بغير الشرعية؟.
المفارقة أن هناك نزاعاً قضائياً حدث بين المحكمة الإتحادية ومجلس القضاء الأعلى عندما نقض الأخير قرار المحكمة الذي يقضي بتأجيل إقرار العفو العام، وهو مايعني أن ذلك ربما سيشكل أزمة قضائية في العراق بقادم الأيام قد تنعكس على نظامه السياسي.
خصصت الحكومة العراقية 400 مليار دينار لإنتخابات 2025 “ما يقارب ٣٠٠ مليون دولار”، فيما تم تخصيص 160 مليار دينار لإنتخابات عام 2018 تضمن شراء الأجهزة الخاصة بالتصويت، فماذا تغير ليزداد مبلغ ذلك التخصيص خصوصاً وإن العراق يمر بأزمة مالية جراء نقص السيولة وتأخر توزيع رواتب الموظفين في قادم الأشهر.
لم يتبق على إجراء الإنتخابات سوى بضعة أشهر بدأت تتوالى فيها المفاجآت وأيام حُبلى بالقرارات ووجود الفاعل السياسي الخارجي الذي قد يجعل المزاج الدولي والإقليمي يغير مسار العملية السياسية في العراق، وربما تؤجل الإنتخابات إلى إشعار آخر، من يدري فكل شيء جائز في هذا البلد.