18 ديسمبر، 2024 8:12 م

إنتخابات القرن القادم..!

إنتخابات القرن القادم..!

لم ينجح الحزب الجمهوري في الوصول إلى البيت الأبيض فحسب, بل النجاح الأكبر يتجلى في إدارة العملية وإستثمارها لجذب الإهتمام العالمي, إذ تابعت أغلب شرائح العالم الإنتخابات بشغف وترقب كبيرين, وربما هي المرة الأولى التي تحقق إنتخابات في العالم هذا القدر من الإهتمام, وهذا إنجاز بحدِ ذاته.. الهدف هو توجيه رسالة تأكيد على تفرّد الولايات المتحدة وتأثيرها على العالم, بعد موجات الصراع التي جعلت بعض الحلفاء يشكّون بقدراتها أمام قوى صاعدة نجحت بإيقاف مشاريع أمريكا.       الرئيس الأكثر جدلاً في تاريخ الولايات المتحدة, طرح مشروعاً تغييرياً أدى بالنهاية إلى تباري منهجين يعبران عن قوتين متضادتين. فالمعركة ليست بين حزبين؛ إنما إتجاهات قررت الإستفتاء على مشاريع كبيرة, لا سيما في الشرق الأوسط. مستقبل العربية السعودية.
        قبل سنوات قليلة, سرّب موقع “ويكلكس” مذكّرة مرفوعة من الوزيرة هيلاري كلينتون إلى الإدارة الأمريكية تشكو فيها من “دعم السعودية للإرهاب, وعدم جدية المملكة في إيقاف ذلك الدعم”. وبوقت قريب من تسريب تلك المذكرة, شنّت الصحف الأمريكية حملات متقطّعة ضد الوهابية السعودية, بلغت ذروتها في عام 2015 عندما نشرت “نيويورك تايمز” تقريراً مفصلاً عن دور المملكة في تأسيس ودعم الجماعات الإرهابية, مشيرة إلى أنّ “15 إرهابياً من 19, نفذوا هجمات الحادي عشر من أيلول سنة 2001 هم من أصل سعودي” وأكّد التقرير على أنّ “داعش يستخدم الكتب المنهجية الرسمية في المملكة السعودية”. إنّ تلك الإشارات, رجّحت كفة التيار المناوئ للسعودية في مراكز القرار الأمريكية, فكان نتاج ذلك التصويت على قانون “جاستا” الموجّهة ضد السعودية بإعتبارها أول الدول “الداعمة للإرهاب”. وحملة المرشح في حينها, دونالد ترامب, المركّزة على السعودية بأعتبارها مركزاً من مراكز الإرهاب. أنصار المنهج القديم, الراغب بأستمرار العلاقات الأمريكية-السعودية, ذهبوا بالخلاف إلى الشارع عبر الإنتخابات, لتكون له كلمة الحسم, في الإستمرار بمشروع “عزل السعودية” أو إعادة العلاقة الإستراتيجية, فكان خيار الشارع الأمريكي: ترامب. بمعنى أنّه إستفتاء على واقع جديد ما زال قيد الجدل, وبضمنها الإستفتاء على طبيعة العلاقة مع دول الخليج بزعامة السعودية, التي يرى ترامب ” زوالها عند غياب الحماية الأمريكية”.المهاجم العنيف للملكة, لم يقطع حبال الوصل جميعها, حيث إشترط “المال مقابل البقاء”. ولهذا مدلول آخر, يتعلق في سياسيات المملكة وضرورة إلتزامها الحرفي وتبعيتها الكاملة للولايات المتحدة, لإنها باتت تشكل عبئاً ثقيلاً على الأمريكان.ترامب الشيعي وهيلاري السنية!..
المسلمون حبست أنفساهم, وبدا إهتماهم أكثر من الأمريكيين, ولهم الحق في ذلك, إذ تسعى بعض مجاميعهم إلى الإستقواء بكل شياطين الأرض بغية إلغاء نظير الخلق وأخ الدين.
من البديهي القول بأنّ دول العالم الكبرى, غير مهتمة بمذاهب أو أديان القوى التي تتعامل معها, ولعل توصيف “شيعي, سني” لا يمثّل لأمريكا إلا بمقدار ما يمثله الفرق في الأذواق بين عملاء مطاعم “كنتاكي” و “ماكدونالدز”. عمل الأمريكان مع حلفاؤهم في الشرق الأوسط على تقويض إستقرار المنطقة من أجل إقامة وضع جديد يخدم مصالحهم, غير أنّ سنوات الحرب والصراع الطويلة, جعلت السعي لإقامة الواقع الجديد بلا جدوى, فوجدت أمريكا داخلها يعاني من مشاكل تتعلق بالإقتصاد والبطالة والهجرة التي جلبتها سياستها في الشرق الأوسط, فضلاً عن تجرؤ دول على الوقوف بوجه أمريكا في مواقف كثيرة الأمر الذي كسر فرضية “القطب الواحد” وليس أسهل على الأمريكان من إلقاء جزء من أمتعتهم بعرض البحر عندما يتعرضون لخطر الغرق.بداية لمئة عام..
    وعود الفائز “ترامب”, تستهدف تغييراً جذرياً في سياسية أمريكا الخارجية. ردات الفعل الأوربية تكشف جدية تعاملهم مع  نوايا الرئيس الجديد.
وصول ترامب خطوة واحدة من جملة خطوات في طريق طويل, تحقق بعضها ومازال بعضها الآخر بالإنتظار.. خلطة الرئيس تتضمّن “صراع ثقافي, إبتزاز سياسي” وهذا يؤدي حتماً إلى إستبدال خريطة التحالفات الدولية, الأمر الذي ينتج واقعاً عالمياً جديداً. لا شكّ أنّ ذلك يمثل مغامرة كبيرة قد تفقد خلالها أمريكا بريقها في غفلة تبديل المواقع, ولكنّ الأمر المتيقّن هو القرار بتغيير الواقع العالمي, وما زال الغموض يكتنف وسائل وسيناريوهات ذلك التغيير الذي دخلنا مرحلته. محور الخطر, هو إصرار بعض الدول العربية على إستخدام الحماية الأمريكية, وهذا ما يوفر لأمريكا تفوّقاً نفسياً كبيراً على المسلمين.. الأعوام القادمة ستشكّل تراجعاً أكيداً للعرب إن بقيت عيونهم شاخصة على الحماية الأمريكية القائمة على مئة عام من الصراع الحضاري الذي يثبت عدم أهلية الثقافة العربية على تأسيس هوية, غير أنّ لجوء تلك الدول للتفاهمات والتسويات الإقليمية القائمة على مصالح مشتركة كبيرة بين دول المنطقة وشعوبها, سينتج عنها تقويض مشروع القرن الأمريكي, فهل ستبقى أمراض المؤسسة الوهابية تعبث بأمن وكرامة الشعوب الإسلامية والعربية أم أنّ الشعوب لها كلمة أخرى؟!