23 ديسمبر، 2024 8:20 ص

إنتخاباتنا القادمة طائفية بامتياز

إنتخاباتنا القادمة طائفية بامتياز

بقينا طوال الأيام الماضية في إنتظار تحليل سياسي معمّق لما جرى من تهريب لسجناء أبي غريب , يلامس الحقيقة أو يقترب منها , فلم نقرأ أو نسمع شيئا من ذلك للأسف الشديد . وكل ما طرح أو قيل في وسائل الإعلام , كان عبارة عن توصيف عملياتي لما حدث وجدال وصفي مضحك لما جرى .
لقد رُوِيت القصة بعدة طرق ومن مصادر متعددة , وسمعنا عن مخططات واستعدادات وبطولات جرت في السجن قبل تنفيذ عملية الهروب , وتحدث المعنيون عن أرقام وهويات للهاربين ما تزال غير رسميّة , واتُخِذَت إجراءات عسكرية وأمنية عدة في العراق بعد الهروب , وأشيعت تكهنات عن محاولات إنقلاب عسكري , أو إعلان أحكام عُرفيّة في البلاد , وتعالت أصوات الشجب والإستنكار للحكومة والتشكيك والطعن باجراءاتها الأمنيّة والعسكرية .
كل ذلك لا يعني أي شيء من ناحية سياسية , بل هو إفراز طبيعي ومتوقّع لهكذا عملية نوعية للفرار الجماعي من بين القضبان . ربما الرأي السياسي الوحيد النشاز الذي سمعناه جاءنا من وراء الحدود , وقد قيل لحسابات سياسية تخصّ بلدا آخر , ليس العراق . نقصد رأي رئيس الائتلاف السوري المعارض أحمد الجربة , الذي أدلى به نكاية بالحكومتين ( العراقيّة والسورية ) وبما يخدم المعارضة السورية وسياسييها . ولذا فنحن لسنا معنيين به , لا من قريب ولا من بعيد .
تهريب سجناء أبي غريب تمّ من قبل القوى الشيعية الحاكمة قاطبة ومن دون أي إستثناء , فالكل متورطون في تلك الجريمة الشنعاء , حتى وإن أنكر ذلك , سواء سبق ذلك تفاهمات صريحة بين الأطراف جميعها , أو تواطؤات صامتة .. كل ذلك تمهيدا للإنتخابات البرلمانية القادمة . وكل ما شاهدناه من إتهامات وأخرى متبادلة , أو إعلان براءات وتنصّلات من إرتكاب الجريمة المدمرة بحق العراق وشعبه , ما هو إلاّ إستعراضات ومشاهد مكملة لإخراج الفيلم بطبعته المعتمدة .
نسوق هذا الإتهام المدوّي علنا , ومن دون أيّة مواربة أو تردد , إنما يأتي عن دراية كاملة بما جرى وشعور عالٍ بالمسؤولية , مستندين إلى سياسة دولية وإقليمية مشينة , تنفّذ منذ سنوات بأيادٍ عراقية قذرة , ملطخة بالدم العراقي والمال الحرام .
فالمُهَرَّبون السجناء إنما أخرِجوا من السجن ليبقوا في العراق , لا لكي يغادروه إلى سوريا , أخرِجوا لكي يعاودوا مسلسل الذبح والتفخيخ والتفجير والقتل الجماعي , أخرِجوا لكي يهددوا شعب العراق ويعيدوه إلى شبح الحرب الطائفية , وبذلك ينزوي الشيعي في زاوية إنتخاب الشيعي الطائفي , الذي يمثِّل القوى الشيعية الطائفية الحاكمة , وينحشر السُنّي في زاوية إنتخاب القوى السُنيّة الطائفية الحاكمة .. وهكذا بالنسبة للأكراد والتركمان , بما لا يدعوا المجال أمام أي مشروع وطني مدني ديمقراطي يبني العراق وشعبه .
هذه السياسة هي التي رسمتها الولايات المتحدة للعراق قبل عام 2003م , ونفذّتها إيران ودول المنطقة بعد 2003م بأدوات عراقية مأجورة طوال السنوات العشر الماضية . وقد حققت نجاحات باهرة على صعيد سياسي , بحيث أبقت اللاعبين ذاتهم يديرون دفة الحكم في العراق , وأبعدت السياسيين الوطنيين الحقيقيين أنفسهم عن حكم العراق والمساهمة فيه .
إن أي تذرُّع أو حديث طائفي ستدلي به الأطراف السياسية الشيعية من باب تبرئة النفس , لهو ذريعة وحديث سخيف ومكشوف , لم يعد يؤدي الغرض المطلوب منه , كأن ذلك من قبيل إن السجن يقع في منطقة سُنيّة , أو إن التخطيط للهروب قد تمّ بشراء الضمائر والذمم , أو إن القاعدة النافذة في الأنبار هي التي خططت وهربت سجنائها .. أو إلى آخره من التبريرات .
لماذا ؟ لأن كل ما كنا نشاهده ونسمع به خلال عقد من السنين , ما هو إلاّ تقاسم للأدوار وأدّاء رائع للمشاهد , يؤديها ما يسمى بالسياسيين الشيعة والسُنّة على أحسن ما يرام . ولعل هذه مناسبة رائعة لمصارحة سُنّة العراق بحقيقة , عانينا منها بشكل ثقيل , ألا وهي أنّ ما يسمى بسيّاسيي السُنّة , الذين يشرفون ويدعمون تظاهرات الأنبار والمناطق السُنيّة يتحملون الوزر الأكبر في فوز ما يسمى بالإسلاميين الشيعة الطائفيين بانتخابات مجالس المحافظات الأخيرة , فهم الذين دفعوا مَنْ خرج للإنتخابات من الشيعة إلى إنتخاب هؤلاء الأعضاء المشوَّهين فكريا وعقائديا واجتماعيا , ولا نقول سياسيا , لأن زعماء كتلهم ليسوا سياسيين أصلا , فما بالهم هم ؟!
وبما أن إنتخابات مجالس المحافظات قد إنتهت وحققت المطلوب منها , والتظاهرات تراجعت وآلت إلى التلاشي , ودبّت روح الضجر والملل في أوساط المتظاهرين , والمال المخصص لها في طريقه إلى النضوب والنفاد , يقابل ذلك نحن مقبلين على إنتخابات برلمانية قادمة , فلا بدّ من إشغال العراقيين في دوامة جديدة تضمن بالتالي بقاء هذه القوى وأشخاصها في الحكم . وليس أمام الحكومة والمشاركين فيها أقوى من عامل الذبح والتفخيخ والقتل والإغتيال والتلويح بشبح الحرب الطائفية .
لن نستبعد أن يجادل متفلسف أو مبتدئ في عالم السياسة , ليس من باب تعزيز هذه الرؤية , وإنما لردّها بالإستناد إلى مقولة إن المال هو النافذ في العراق اليوم وليس الحكومة , إذ باستطاعة أي مالك لرأس المال أن يفتدي أي معتقل أو محكوم , حتى لو كانت صادرة ضده أحكام بالإعدام , ويخلصه من السجن أو حبل المشنقة .
هذا المجادل لا يعي بأن إستخدام المال هو جزء من أدوات السياسة التي رسمتها الولايات المتحدة وطبقتها الدول الإقليمية ونفذتها الأيادي العراقية في العراق , لاستمرار حالة العبث والتخبُّط فيه , فضلا عن التقاتل الطائفي . هذه السياسة هي التي تستخدمها الحكومة وتشجع عليها وتروّج لها , لعدة إعتبارات .
 منها : إنها لم تأتِ أصلا لبناء دولة , ومنها لأجل إغناء أتباعها وأشخاصها , ومنها لعدم شعور أركانها بالأمان والإستمرار في حكم العراق , ومنها لضمان مستقبل أشخاصها ومستقبل أبنائهم , ومنها .. إلى آخره .
وإلاّ إذا كان العكس , فلماذا لم تقدّم لنا الحكومة والمشتركون معها في السلطة نموذجاً واحداً نزيهاً شريفاً عفيفاً , بحيث لو أراد محاربة الفساد والرشوة وشراء الضمائر والذمم لاستطاع ونجح , ولوقف معه أبناء شعبه وسانده ؟ … لماذا ؟ الجواب بمنتهى البساطة لأن هذا هو ليس مشروعهم في حكم العراق , وليس مسموحا لأحد أن يكون بهذه المواصفات في سدّة الحكم , وإلاّ لخربط عليهم الحكم والحسابات , واضطرب المشروع الدولي والإقليمي في العراق .
ليس علينا بعد اليوم أن نتحدث عن أعداد المُهَرَّبين من سجن أبي غريب , سواء كانوا 500 أو 800 , ولا عن الطريقة التي خرجوا منه , سواء بمعركة أم بتسلل وهدوء , ولا عن أحوالهم وحالاتهم , سواء كانوا أبرياء أم مُدانين , ولا عن هوّياتهم , سواء كانوا شيعة أم سُنّة , ولا عن مصيرهم , إلى أين خرجوا ؟ إنما كل الذي علينا أن نتحدث به , هو إننا سنواجه شهورا عصيبة دامية من الصراع الطائفي والتفخيخ والتفجير والقتل الجماعي والإغتيالات والسرقة للمال العراقي الحرام .. ووو .. حتى نذهب إلى الإنتخابات لنختار مرشحينا الطائفيين الأرجاس ! لا ندري يا ترى : هل وصلت الرسالة إلى الخمسة والستين بالمائة من الذين إمتنعوا عن الإدلاء بأصواتهم في الإنتخابات , أم لا ؟