18 ديسمبر، 2024 6:43 م

إمنحوا التذكرة لعودة المتظاهرين لأهلهم سالمين

إمنحوا التذكرة لعودة المتظاهرين لأهلهم سالمين

المتظاهرون بساحة التحرير في بغداد وساحة ألحبوبي والساحات الأخرى في ذي قار والنجف وكربلاء والحلة والبصرة والديوانية وغيرها من أماكن العراق العزيز ، ليسوا من هواة التظاهرات او محترفي صعود الجبال لكي يتسلقوا ما أسموه ( جبل احد ) في ساعات الصباح الأولى او خلسة في الليل ، كما إنهم ليسوا حاشاهم ( أبناء شوارع ) لكي يقضوا كل هذه الأيام بالحد الأدنى من الطعام والشراب ويفترشون الأرض ويغطون أجسادهم من البرد وزخات المطر بالإعلام او بما يتوفر عندهم من لافتات ويمارسون لعبة الاختفاء لحماية أنفسهم من قنابل الدخان التي يطلقها المتلثمون بتصويب موجه يصيب الجماجم والصدور ، فهم أبناء عوائل معروفة بالحسب والنسب ومن عشائر عراقية كريمة ومعظمهم من طلاب المدارس والجامعات وبسبب أعمارهم فلم يكونوا يوما من الفدائيين او الأشبال او غيرها من الصفات ، كما إن فيهم أصحاب شهادات ومهن وحرف ولكن غالبيتهم من العاطلين و ما يجمعهم هو ما يصيبهم من القلق على حاضر ومستقبل البلاد ، وجلهم ينبذون الفوضى ويحبون النظام وقاسمهم الذي ينظم شؤونهم ليست جهة سياسية وإنما حب الوطن عندما استشعروا إن الوطن بحاجة إلى وقفة وموقف حتى وان تطلب الأمر إجهاد و نزف للدماء لكي تعاد الزراعة في ارض السواد والصناعة الوطنية إلى قطاعاتها في العام والمختلط والخاص والأموال لأهلها باستحقاق ، فهم سأموا استيراد الباذنجان والطماطة والبصل وكل المنتجات لبلد دجلة والفرات ، وهم ليسوا من المتهربين من المسؤوليات وممارسة الأعمال بل جاءوا متوسلين ليكون لهم دورا في بناء العراق وبعضهم برهنوا على ذلك عندما تطوعوا للعمل بالمجان .
نعم إنهم فتية وشباب من الذكور والإناث في مقتبل العمر وبإمكانهم الهجرة والهروب إلى خارج العراق للتمتع بمزايا الحياة في أوروبا او أي من البلدان التي تستقبل العراقيين كموارد بشرية جاهزة وقادرة على العمل والإنتاج بجد ، ولكن جذورهم تمنعهم من نموها خارج البلاد والتنصل لأصولهم وترك الوطن في محنته وهو يقاد بطريقة يسودها القصور والتقصير من أناس بعضهم ملأ الدنيا في الفساد او سوء الأختيار فتراكمت الأخطاء لتشكل حاجزا بينهم وبين ما يحتاجه الشعب من متطلبات ، والمتظاهرون لم يغلقوا أبواب التفاوض قط حيث استجابوا لكل الدعوات وعرضوا مطالبهم إمام أنظار رئيس مجلس الوزراء ورئيس الجمهورية او ممثليهم كما حضروا إلى جلسات مجلس النواب وقضوا ساعات ليقنعوا ممثلي الشعب بعدالة ما يريدون بكل أدب واحترام ، ولم يخفوا شيئا عن الممثلة الأممية عند حضورها إلى ساحة التحرير ، وما عرضوه لم يلقى ممانعة من احد بل إن الجميع اعترفوا بأحقيتهم في التظاهر والتعبير السلمي وهو ما كفله دستورنا الحالي وكل المواثيق ذات الصلة بالموضوع ، وسر بقائهم بحالة التظاهر وإصرارهم على البقاء ليس عنادا بل لعدم الاستجابة لمطالبهم لأنهم لم يلقوا سوى الخطابات والوعود وتكرار ( السين و سوف ) التي ما تلبث أن تذوب فحتى حزم الاصلاحات التي أقرت وتم الإعلان عنها في مجلسي النواب والوزراء ، أما مرت بسلسلة بيروقراطية او إنها أجلت او أرجات لما بعد إقرار وتنفيذ موازنة 2020 التي لم تطرح للنقاش لحد اليوم او إنها اصطدمت بعقبة الدستور فتمدد الوقت المعلن للإصلاح لأجل غير محدود رهن الإجراءات التي أعلنها رئيس الجمهورية في خطاب الخميس .
وأمر دستور العراق يصح الوصف بأنه عجيب وغريب فهناك إجماع على انه كتب بعجالة وفي ظل الاحتلال وفيه نصوص معرقلة ومعقدة وتؤثر على استقرار وتنمية البلاد ، ولكنه في الملمات وتحقيق المصالح للبعض على حساب الغير يعدونه ( مقدسا ) ولا يجوز المساس فيه وهو يخرق في اغلب المرات ومن يخرقه يبرر أفعاله بأنها من روح الدستور او كونها عرف دستوري ، علما إن الدستور الذي تم التصويت عليه من قبل غالبية الشعب وارجعوا شرعيته إلى هذا التصويت ، قد فقد ركنا مهما من نصوصه بعدم تطبيق البند أولا من المادة 142 التي تنص على ( يشكل مجلس النواب في بداية عمله لجنةً من أعضائه تكون ممثلةً للمكونات الرئيسة في المجتمع العراقي ، مهمتها تقديم تقريرٍ إلى مجلس النواب ، خلال مدةٍ لا تتجاوز أربعة أشهر ، يتضمن توصيةً بالتعديلات الضرورية التي يمكن إجراؤها على الدستور ، وتُحل اللجنة بعد البت في مقترحاتها ) ، ووجود هذا النص الواجب التنفيذ يعد إلزاميا لأنه جاء بصيغة الأمر غير المرنة لان النص لم يتضمن ( يخول ) او ( يجوز ) او ( للمجلس ) او غيرها من العبارات ( التي فيها مرونة وتقبل الاجتهاد ) وإنما جاء بصياغة واضحة جدا ( يشكل مجلس النواب ) ، وهو ما يدحض كل المبررات التي تسوغ لتأجيل او تسويف تقديم التوصية بتعديل الدستور وإخضاعها إلى الآلية التي حددتها النصوص الأخرى الواردة بنفس المادة ( 142 من الدستور ) وبمعزل عن الحجج التي يطرحها البعض الذي ربما يكون مستفيدا من عدم التعديل .
إن المراقبين يجمعون بان الغالبية العظمى من المتظاهرين المرابطين في الساحات اثبتوا سلميتهم بل إن بعضهم أسهموا في التعاون مع الأجهزة الأمنية في تشخيص وعزل المندسين والمغرضين ، وهم يخضعون للتفتيش يوميا ولا يحملون سوى الأعلام العراقية ومواد الإسعافات الأولية لمعالجة إصاباتهم المحتملة ، ولم يصدر من الحكومة ما يثبت إدانتهم بل إن خطاباتها أشارت إلى مشروعية ما يقومون به ، ورغم ذلك فأنهم يضربون بقنابل دخان مميتة بدعوى تفريقهم والأيام أثبتت أنهم لا يغادرون ، ومن باب الإنصاف والحرص فإننا نتمنى وضع نهاية لهذه الاعتصامات ، ولان إنهائها بالقوة المفرطة غير ممكن نظرا لعددهم الكبير وما يشكل ذلك من جرائم ضد الإنسانية والحكومة ليست لديها نيات بهذا الخصوص حسب ما يعلن رسميا ، فنحن بانتظار حصولهم على تذكرة العودة للرجوع إلى أهلهم سالمين لأنهم شركاء لنا في المواطنة والوطن ، وهذه التذكرة لا يشترط أن تكون بالدرجة الأولى كما يسافر المسؤولين ، وإنما بتلبية مطالبهم المشروعة بوضع خارطة طريق للحلول بضمانات مؤكدة وموثوقة للجميع ، وهذا اختبار حقيقي للوطنيين والأوفياء والمخلصين وناكري الذات ، فبقاء الوضع على ما هو عليه يعقد الحلول وقد يعطل الحياة ويزيد من الخسائر ويعرض المتسببين بالضرر لمحاكمات في القضاء ، والقضية الوطنية التي تصب في مصلحة الجميع تستحق التضحية حتى وان عدها البعض جزءا من التنازلات فما أعظم أن نتنازل لشعبنا ووطننا حقنا للدماء ونشر العدالة والحق وإسعاد الناس .