18 ديسمبر، 2024 9:10 م

إمكانية اعتماد نظام الاغلبية في الانتخابات العراقية

إمكانية اعتماد نظام الاغلبية في الانتخابات العراقية

ملاحظات حول النظام الانتخابي في مسودة القانون المقترح من رئاسة الجمهورية
لاشك ان اشكالية الديمقراطية في المجتمعات الاثنية المتعددة تكمن في كيفية رسم مؤسسات تحظى بتمثيل عادل (واسع ) وتحفظ الاستقرار لهذه المجتمعات ، من خلال التركيز على العديد من المتغيرات وفي مقدمتها الانظمة الانتخابية .
فقد ادخلت الانظمة الانتخابية كأحد المتغيرات الحاسمة في احتواء الانشقاقات والصراعات الاثنية الكائنة والمتزايدة في هذه المجتمعات بعد تبنيها انظمة حكم تقوم على اسس الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة .
وتختلف الدول في نوع النظام الانتخابي الذي تتبناه تبعا لاختلاف ظروفها السياسية وتكوينها الاجتماعي بحيث تسعى أن يكون نظامها الانتخابي عاملا من عوامل الاستقرار السياسي والتماسك الاجتماعي .
وفي العراق اعتمد على نظام التمثيل النسبي في الانتخابات العامة ، وجرى تغيير في صيغة هذا النظام اكثر من مرة من القائمة المغقلة والدائرة الانتخابية الواحدة ( على المستوى الوطني )الى القائمة شبه المفتوحة والدوائر المتعددة (على مستوى المحافظات ) ،وانتهاءا باعتماد الدوائر المتعددة والقائمة شبه المفتوحة وصيغة (سانت ليغو المعدلة ) .
ومع ان نظام التمثيل النسبي يعد وصفة يمكنها من استيعاب الاحزاب والكيانات السياسية ذات البنية الاثنية وضمان تمثيلا عادلا لها ، الامر الذي يوفر قناعة لهذه الاحزاب للعمل ضمن النظام وعدم الخروج عليه وتوفير فرصة كبيرا للمشاركة الواسعة في الحكم ، و تقويض امكانية التفرد بالسلطة – الا انه ومن جهة اخرى فقد كان لنظام التمثيل النسبي مساوئ كبيرة في مقدمتها شل العملية السياسية واضعاف فاعلية السلطات العامة وتأسيس نظاما يقوم على اساس التوافقية والمحاصصة التي عطلت الحكومة وافقدت البرلمان قدرته على ممارسة دوره في المراقبة والمسائلة والمحاسبة وما نجم عنه من تضخم الفساد والهدر بالمال العام وتعطيل فرص التنمية والتطور الاقتصادي والاجتماعي .
ويمكن القول ان نظام التمثيل النسبي في العراق كان قد احتوى مرحلة واطرها ، اما الآن فنحن نقف على اعتاب مرحلة جديدة كانت تنمو ببطئ طيلة سنوات مضت وظهرت آثارها بوضوح منذ الحاق الهزيمة بتنظيم دعش ودحره في معركة تحرير الموصل ، هذه المرحلة تتميز بابعاد وتنحية المتغير الطائفي والاثني في خيارات الناخبين وتوجهاتهم بعدما استقرت القناعة الاجتماعية العامة على ان الكيانات والاحزاب السياسية ذات البنية الاثنية قد اساءت استغلال المشاعر الطائفية والعرقية في تعزيز مكاسبها على حساب جماهيرها وعلى حساب التراجع في دورها في بناء الدولة ومؤسساتها والفشل في تقديم الخدمات وتلبية احتياجات المواطنين بالعيش الكريم ، لقد غذى كل ذلك بلوغ جيل من الشباب عانى كثيرا من فساد السلطة وفشل الاحزاب الحاكمة في ادارة الدولة ولم يغرق في وحل الصراع الطائفي والقومي ، مما ترتب عليه فقدانه للثقة بالانتخابات وفي النظام السياسي بشكل اعم .
وبضوء ذلك يسود الجدل السياسي العام رأي مفاده ضرورة الاصلاح الانتخابي كشرط مسبق ومقدمة ضرورية للاصلاح السياسي والاقتصادي ، وبهذا الصدد اعدت رئاسة الجمهورية مقترح قانون انتخابات ينظم انتخابات مجلس النواب ومجالس المحافظات ومجالس الاقضية .
وسنحاول هنا ان نناقش موضوع النظام الانتخابي الذي نص عليه مقترح القانون وبيان امكانية تنفيذه فنيا والآثار السياسية المتوقع لتطبيق هذا النظام وكما يلي :

اولا : معالم النظام الانتخابي في مسودة القانون
وفقا للدراسات العلمية وتجارب الانتخابات في العالم يتحدد نوع النظام الانتخابي من خلال معرفة طبيعة الدائرة الانتخابية المعتمدة وعدد المقاعد التي تخصص لكل دائرة وطبيعة الترشيح وتحديد كيفية تصويت الناخبين ، وتحديد الصيغة الرياضية التي يستند اليها في حسم النتائج وتحديد من هو الفائز .
ومن خلال مراجعة مسودة القانون المقترح تظهر معالم النظام الانتخابي في الفقرات (اولا – ثانيا – ثالثا من المادة 11) وكما يلي :
1- من حيث الدوائر الانتخابية
أخذ القانون بمبدأ الدوائر المتعددة ( كل قضاء دائرة انتخابية)
2. من حيث الترشيح
اخذ القانون بمبدأ الترشيح الفردي ( سواء كان مرشحا حزبيا او مستقلا )
3. من حيث الصيغة الرياضية المعتمدة في حسم النتائج
اخذ القانون بصيغة الاكثرية حيث عد الفائز بالمقعد الانتخابي للدائرة هو من يتحصل على اكثرية /اغلبية الاصوات – كما هو معمول به في نظام الاغلبية ( الفائز الاول ) وهكذا بالنسبة لبقية المرشحين عن الدائرة اذا ما كان عدد المقاعد الدائرة اكثر من مقعد واحد .
ويبدو واضحا ان مسودة القانون لم تتضمن تحديدا ووصفا دقيقا للعناصر التي تشكل في مجموعها معالم النظام الانتخابي المعتمد ليتسنى تحديد نوعه وفقا للنماذج المعتمدة دوليا ،وفي ضوء ذلك يمكن ان نسجل الملاحظات الآتية :
1. لم يحدد القانون تسمية صريحة للنظام الانتخابي المعتمد يمكن القائمين على تنفيذه الاسترشاد بالمبادئ والقواعد التي تحكمه وفقا للتجارب الدولية المعتمدة ، الامر الذي يترك مجالا واسعا للاجتهادات الشخصية والاراء المتعددة (وربما المتعارضة ) في تفسيره عند تنفيذه وما يخلقه ذلك من مشكلات .
2. الاصل في ترسيم الدوائر الانتخابية هو اعداد السكان وليس الحدود الادارية اي ان يتم اجراء حصر سكاني في رقعة جغرافية معينة ومن ثم تخصيص عدد من المقاعد لها وفقا لقاعدة (مقعد لكل مائة الف نسمة ) وليس العكس .
اما وقد استند مقترح القانون في تخصيص المقاعد الى معادلة هي : ( عدد سكان القضاء (الدائرة ) على 100الف = عدد المقاعد المخصصة لكل قضاء ) ، فان ذلك يجعل من تنفيذه امرا غاية في الصعوبة ، في ضوء عدم التماثل في عدد سكان الاقضية في المحافظات ووجود عدد كبير من الاقضية يقل عدد سكانها عن المائة الف وصعوبة تخصيص المقاعد للكسور المتبقية عن قسمة عدد سكان القضاء على مائة الف، كما ان هناك صعوبة في دمج الاقضية التي يقل عدد سكانها عن المائة الف نسمة لصنع دائرة انتخابية جديدة بسبب ان عدم تجاور العديد من هذه الاقضية بحسب ما يظهر من اسقاط الحدود الادارية للاقضية على الخرائط وهو ما يعني ان لايوجد مسوغ منطقي لدمج قضاء مع اخر لصنع دائرة انتخابية جديدة يكون عددها مائة الف نسمة او اكثر ، ناهيك عن ان ذلك يجب ان ينص عليه ضمن مقترح القانون وبوضوح.
لقد سكت مقترح القانون عن هذه الاشكالية الجوهرية فلم يحدد كيفية تخصيص عدد المقاعد لكل دائرة انتخابية ، كما ان مقترح القانون لم يحدد صيغ رياضياتية تبين كيفية تخصيص المقاعد لكل دائرة (قضاء) مع الاخذ بنظر الاعتبار ان الدوائر الانتخابية (الاقضية) تقل نسبة السكان فيها عن مئة الف نسمة ،وايجاد صيغ رياضية للتعامل مع الكسور الناتجة عن القسمة على مائة الف في عملية تخصيص المقاعد لكل دائرة انتخابية .
وربما – وهو الراجح- ان تجاوز القانون ذكر نصوص صريحة حول كيفية التعامل مع اشكالية تخصيص المقاعد للدوائر الانتخابية ( الاقضية ) يعود الى عدم امكانية ايجاد حل مقنع ومستند الى قواعد متعارف عليها في تخصيص المقاعد ، فالاصل -كما مرذكره – ان ترسيم الدوائر الانتخابية المتعددة في نظم الاغلبية يستند على اسس التوزيع السكاني وليس على اساس الحدود الاداراية .
3. لم يحدد القانون بدقة آلية الترشيح بالنسبة للدوائر متعددة المقاعد واكتفى بالقول ( يكون الترشيح فرديا ضمن الدائرة الانتخابية – مادة 11 ثانيا ) . ويثور هنا السؤال عن عدد المرشحين لكل كيان سياسي مقارنة بعدد المقاعد المخصصة للدائرة ، اذ ليس هناك ما يمنع وفقا لهذا النص من ان يرشح الحزب عدد من المرشحين يفوق عدد المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية طالما ان الترشيح فرديا ،الامر الذي يتسبب في زيادة حجم ورقة الاقتراع وتعقيد عملية التصويت على الناخبين مع ظهور اسماء المرشحين و صورهم ايضا واسماء الاحزاب التي ينتمون اليها في ورقة الاقتراع (كما يتطلبه اسلوب الترشيح الفردي).
4. افتقد القانون الى تحديد عنصر اساس من عناصر النظام الانتخابي وهو : كيفية الاقتراع اذ لم يحدد القانون كيفية التصويت ، كم اشارة يضع الناخب ، هل له الحق باختيار مرشح واحد او اكثر ، حيث ان شكل النظام الانتخابي قد يتغير بتغير الكيفية التي يصوت بها الناخب.
ثانيا : نوع النظام الانتخابي / نظام الصوت الواحد غير المتحول
يتضح من المعالم والعناصر التي تضمنتها مسودة القانون ان النظام الانتخابي الذي اعتمده مقترح القانون هو من نظم الاغلبية .
كما ان نص القانون على جعل الدوائرالانتخابية متعددة التمثيل وجعل الترشيح فرديا ، وافتراض اعطاء صوت واحد للناخب يعطيه لمرشح واحد ضمن الدائرة ، وتحديد الفائزين بالمقاعد عن طريق تحديد الحاصلين على اكثرية الاصوات ، نكون عندئذ امام نظام انتخابي معروف بإسم : نظام الصوت الواحد غير المتحول .
حتى ولو لم تظهر مسودة القانون تسمية واضحة لهذا النظام وافتقدت للتصريح والنص على بعض جزئياته ، الا ان المقارنة بين المعالم التي حددتها مسودة القانون وبين عناصر نظام الصوت الواحد غير المتحول التقارب الشديد بينهما .
اذ تشير المراجع المتخصصة في الانظمة الانتخابية ( مثلا ينظر شبكة المعرفة الانتخابية ) الى تعريف نظام الصوت الواحد غير المتحول بالاتي :
” يقوم الناخب في ظل هذا النظام بالاقتراع لصالح مرشح واحد فقط في دائرته، ولكن على العكس من نظام الفائز الأول، يتم ذلك في دوائر متعددة التمثيل حيث يتم انتخاب أكثر من ممثل واحد عن كل دائرة انتخابية، ويفوز بالانتخاب المرشحون الحاصلون على أعلى الأصوات”

ثالثا: الصعوبات الفنية التي تقف امام تنفيذ النظام الانتخابي :
تتخذ القرارات في اختيار شكل ونوع النظام الانتخابي بناء على المعطيات الفنية والمخرجات السياسية التي ينتجها النظام الانتخابي ،وبقدر تعلق الامر بالصعوبات الفنية التي تحول دون امكانية تطبيق هذا النظام يمكن الاشارة مجموعة من هذه الصعوبات في مقدمتها الآتي :

1. عدم وجود احصاء سكاني دقيق يحدد بدقة حدود وعائدية الاقضية والنواحي واعداد السكان فيها.
2. ان جعل الدائرة الانتخابية محددة بحدود القضاء الادارية لاينسجم يقود الى احياء مشكلة الاراضي المتنازع عليها بين المحافظات والتي تجاوزتها المفوضية من خلال الاعتماد على سجل الناخبين المعد للمحافظة بناءا على انتشار مراكز التسجيل في كل المحافظة ، وتلافت بذلك مشكلة الاقضية والنواحي المتنازع عليها بين المحافظات .
لذا فإن ارتكاز القانون على جعل الدائرة الانتخابية = الحدود الادارية للقضاء يثير مشكلات يصعب معها امكانية تنفيذ القانون من بينها :
– اي البيانات تعتمدها المفوضية في تحديد عائدية الاقضية والنواحي؟ هل هي بينات وزارة التخطيط ام بينات مكاتب المفوضية في المحافظات مع وجود تعارض بينها؟
-ان بيانات وزارة التخطيط حول النواحي والاقضية تظهر تنازع على بعض الاقضية والنواحي بين المحافظات .
– ان سجل الناخبين المعتمد في المفوضية ير تكز على قاعدة البطاقة التموينية حيث يفتقر فيها التناظر بين مراكز التموين ومراكز تسجيل الناخبين ، ومع ان المفوضية عملت على تحرير سجل الناخبين من قاعدة بيانات التموينية بإنشاء وإنتشار مراكز تسجيل الناخبين على الرقعة الجغرافية وربط سجل الناخبين بالاقضية والنواحي – بدلا من ربطه بمراكز التموين التي لا تقدم في كثير من الاحيان توزيعا للمواطنين يقوم على على اساس اداري – الا ان هذا الجهد لم يتم لحد الان ، فلم تستطع المفوضية ان تسقط سجل الناخبين على مستوى القضاء والناحية بصورة دقيقة اذا لا تزال مشكلة قاعدة بينات البطاقة التموينية (التي استند عليها سجل الناخبين في الاساس) في عدم التناظر في توزع المراكز التموينية وكلاء البطاقة التموينية مع الحدود الادارية للاقضية والنواحي يعاني منها سجل الناخبين .
حتى مع افتراض تحقيق نجاح جزئي للمفوضية في وضع سجل الناخبين على مستوى القضاء والناحية فإن ذلك يصطدم بعقبتين هما :
الاولى: ان سجل الناخبين يفترض الثبات في عدد وحدود النواحي والاقضية ، وهذا غير متحقق اذا تتغير هذه الحدود والاعداد باستمرار مما يصعب على المفوضية ملاحقت هذه التغييرات.
الثانية : ان المفوضية اعتمدت على انتشار مراكز التسجيل في ذلك ولم تعتمد على بينات وزارة التخطيط ،ولا شك ان هناك اختلاف بين انتشار المفوضية وتوزيعها للنخبين وبين حدود وزارة التخطيط .
ان كل ذلك يجعل من الصعب بمكان اقامة انتخابات على اساس ان الدائرة الانتخابية فيه = حدود القضاء . وهذا ما اكدته المفوضية منذ صدور قانون انتخابات مجالس المحافظات والاقضية والنواحي في العام 2008 حيث تعذرت المفوضية بعدم قدرتها على اجراء انتخابات على مستوى القضاء والناحية للاسباب الآنفة .
3. من حيث ورقة الاقتراع ، سيكون هناك عدد كبير من اوراق الاقتراع تتناسب مع عدد الاقضية( 163 قضاءا ) وتختلف من حيث التصميم ، كما سيكون حجم الورقة كبير لنا ان نتخيل ان في دائرة تتكون من ثلاثة مقاعد في قضاء يتنافس به 50 كيان سياسي وخمسة عشر مرشحا فرديا سنكون امام ورقة تضم اسماء 165 مرشحا مع صورهم واسماء الكيانات التي ينتمون اليها .ويعقد ذلك الامر على الناخبين ويبطئ من سير عملية الاقتراع .
4. من حيث الثقافة الانتخابية يتطلب فترة اطول للتثقيف الانتخابي حول كيفية التصويت ، كما يتطلب فهما من توعية للناخبين بمرشحي داوائرهم ليتمكنوا من تحديد خياراتهم من بين المرشحين .
رابعا : المخرجات السياسية لنظام الصوت الواحد غير المتحول
الانتخابات هي وسيلة لادارة الصراع السياسي بطريقة التنافس السلمي ، لذا فان تصميم الانتخابات يجب ان يستهدف بالاساس ضمان وجود قواعد للتنافس تحقق العدالة في التمثيل خاصة في المجتمعات المتعددة ( طائفيا وقوميا ) والمنقسمة لغرض تحقيق السلم والامن المجتمعي ، ومن هنا تعتمد هذه المجتمعات على نظم التمثيل النسبي وهو ما اعتمده العراق منذ انتخابات العام 2005 وجرت عليه تحسينات متعددة كان آخرها نظام القائمة شبه المفتوحة وصيغة سانت ليغو المعدلة .
في حين ان النظام المقترح في مسودة القانون هو احد نظم الاغلبية التي لا تتناسب مع الواقع الاجتماعي العراقي المتعدد طائفيا وعرقيا ، ويمكن تثبيت اهم المخاوف والمشكلات التي تترتب على اعتماد هذا النظام بالاتي :
1. يسهم هذا النظام في هدر اصوت الناخبين وعدم التناسبية بين عدد المقاعد التي يفوز بها الحزب مع عدد الاصوات التي تحصل عليها .
اذ بصورة عامة تتسبب نظم الاغلبية بهدر الاصوات وضعف في تحقيق عدالة التمثيل ، ومنها النظام المقترح في مسودة القانون (نظام الصوت الواحد غير المتحول) ، حيث يؤدي هذا النظام الى ضياع أعداد كبيرة من الأصوات التي تذهب هباءً، خاصةً في ظل وجود شروط سهلة للترشيح والتي تمكّن أعداداً كبيرة من المرشحين من الترشح للانتخاب ، ومن ثم تبعثر الاصوات بينهم .
2. ان ضعف التمثيل السياسي في المجتمعات المتعددة والمنقسمة ينعكس سلبا على الاستقرار السياسي والاجتماعي ، ولا شك ان مخرجات ونتائج الاعتماد على هذا النظام ستتسبب في تفتيت العملية السياسية وتمزيق المجتمع .
3. يضع هذا النظام الأحزاب السياسية أمام تحدي كبير، فلو كان لدينا على سبيل المثال دائرة انتخابية تنتخب أربعة ممثلين لها، فسيفوز بالانتخاب كل مرشح يحصل على ما يزيد على 20 بالمئة من الأصوات تقريباً. ولو حصل حزب سياسي ما على 50 بالمئة من الأصوات، وذلك بفوز اثنين من مرشحيه على حوالي 25 بالمئة من الأصوات لكل منهما، فإن ذلك قد يخوله الفوز بمقعدين من مقاعد الدائرة. أما في حال حصول أحد مرشحي ذلك الحزب على 40 بالمئة من الأصوات في حين لم يحصل المرشح الآخر سوى على 10 بالمئة من الأصوات، فقد يعني ذلك عدم فوز المرشح الثاني بالمقعد، وبالتالي عدم فوز الحزب سوى بمقعد واحد فقط. وفيما لو قام ذلك الحزب بتسمية ثلاثة مرشحين له في تلك الدائرة، فإن حظوظه بالفوز بمقعدين قد تضمحل أكثر فأكثر وذلك بسبب توزيع الأصوات بين مرشحيه الثلاثة في الدائرة.
4. يدعم هذا النظام الاحزاب مركزية القيادة وشديدة التنظيم والتي يمكنها الفوز باغلبية المقاعد عبر تنظيم عملية تصويت الناخبين لمرشحيها وتوزيعها توزيعا دقيقا وتقسيمها بصورة تمكنها من الفوز باغلبية المقاعد حتى ولم تكن تمتلك اغلبية الاصوات في الدائرة الانتخابية .
5.يمكن أن ينتج عن هذا النظام عدم فوز الأحزاب الصغيرة بأي تمثيل لها في حال توزعت أصواتها بشكل كبير بين مرشحيها، بينما يمكن ان يفوز حزب كبيرة بأعداد إضافية من المقاعد مما يمكنه من السيطرة على الأغلبية المطلقة في البرلمان من خلال حصولها على أغلبية بسيطة من أصوات الناخبين على المستوى الوطني.
6. يسهم هذا النظام في تقوية التنافس بين مرشحي الحزب الواحد فيما بينهم للفوز بأصوات الناخبين، ومن شأن ذلك ان يؤدي الى في تعميق الانقسامات الداخلية ضمن الأحزاب السياسية. كما ان ذلك يسهم في تحفيز على انتهاج سياسات الزبائنية الانتخابية، حيث يعمل المرشحون على تقديم الإغراءات لمجموعات محددة من الناخبين.
7. يتطلب هذا النظام من الأحزاب السياسية اعتماد سياسات استراتيجية معقدة فيما يتعلق بتسمية مرشحيهم وإدارة أصوات ناخبيهم. فقد تكون تسمية أعداد كبيرة من المرشحين على ذات القدر من الضرر بالمصالح الحزبية كتسمية أعداد ضئيلة منهم. هذا بالإضافة إلى الأهمية البالغة لكيفية توجيه ناخبي الحزب الواحد إلى توزيع أصواتهم بالتساوي بين مرشحي ذلك الحزب.
8. لا يحفز هذا النظام الأحزاب السياسية للعمل على توسيع قواعد مؤيديها وذلك لكونه لا يعطي للناخب سوى صوتاً واحداً فقط، فطالما تمكّن الحزب من تأمين مجموعة أساسية كافية من الأصوات فإن ذلك يضمن له الفوز دون الحاجة للبحث عن تأييد إضافي من قبل مجموعات أخرى من الناخبين.
خامسا : ملاحظات على النظام الانتخابي المقترح في ظل الواقع العراقي
1. ان تصميم النظام الانتخابي في العراق ينبغي ان ينطلق من الواقع السياسي والاجتماعي الذي يتميز بتعددية الاحزاب وتعددية الطوائف والقوميات ، ومن ثم فان نظم التمثيل النسبي او النظم المختلطة هي الانظمة التي يجب اعتمادها لضمان الاستقرار السياسي والسلم الاجتماعي.
2. ان النظام المقترح في مسودة القانون صمم ليخدم الاحزاب شديدة الولاء والطاعة لقياداتها المركزية ،حيث يمكن ان تسيطر على تنظيم عملية تصويت ناخبيهم ، وربما اجبار الناخبين الآخرين والضغط عليهم للتصويت لمرشحيهم ، إذ يقدم تصغير حجم الدائرة لحدود القضاء الادارية فرصة امام هذه الاحزاب في تعزيز فرصهم في تنظيم صفوفهم وتضييق الفرص على خصومهم وإيجاد وسائل اكبر للضغط على الناخبين في مثل هذه الدائرة الصغيرة.
3. يستهدف هذا النظام – عبر الغاء نظام القائمة والتمثيل النسبي- الاضرار بالاحزاب والقوائم التي تتميز قياداتها بشعبية كبيرة ، حيث تحصل في كل انتخابات على عدد كبير من الاصوات تمكنها من تعزيز ودعم قوائمها ، كما ويخدم هذا النظام ايضا الاحزاب التي لايحصل مرشحيها على اعداد كبيرة جدا من الاصوات في الانتخابات فهي بذلك يمكنها خوض الانتخابات عبر الترشيح الفردي والتخلي عن نظام القائمة الانتخابية ( التمثيل النسبي).
4. ان النظام الانتخابي المقترح يمكن ان يكرس حالة الحزب الواحد المهيمن كما هو الحال في تجربة (اليابان) فعلى مدى 45 عام اعتمد فيها هذا النظام لم يقف عائقاً أمام تدعيم قوة الحزب الواحد الذي استمر متماسكاً وبالتالي حافظ على سيطرته على الساحة السياسية طوال تلك المدة.
5. يسهم النظام الانتخابي المقترح في هشاشة المجالس المنتخبة في ضوءه ، فمن ناحية تنحسر فيه قدرة التمثيل للاحزاب بشكل عادل كما انه يتيح الى صعود الزعامات القبلية بدلا صعود مرشح الحزب صاحب البرامج السياسية ، وهو ما حصل في تجربة هذا النظام في الاردن .

وبناءا على ما تقدم لا يمكن من الناحية الفنية تطبيق هذا النظام في العراق في الوقت الحالي ،كما ان النظام الانتخابي المقترح لايتناسب مع الواقع السياسي والاجتماعي العراقي ويمكن ان تكون نتائج تطبيقه غير عادلة من حيث تمثيل المكونات الاجتماعية والسياسية ، وتتسبب بحالة من عدم الاستقرار السياسي .
سادسا: الرؤية البديلة : نظام انتخابي مختلط

في ظل تصاعد المطالب الشعبية والسياسية والمرجعية بضرورة تعديل قانون الانتخابات وتعديل النظام الانتخابي بعدما افرز نظام التمثيل النسبي مشكلات الحكومات التوافقية / الائتلافية الضعيفة ، يتعين بلورة نظام انتخابي يعكس الواقع السياسي والاجتماعي ويعزز من فاعلية العملية السياسية ( حكومة قوية ، نظام مسائلة ومراقبة برلمانية حقيقي وقوي ) – كما يتعين إيجاد رؤية بديلة لنظام انتخابي يتصف بالاتي :
1. يعكس البنية السياسية والاجتماعية
2. يحقق عدالة في التمثيل ولا يهدر الاصوات
3.لا يكون مصمما لخدمة حزب او جهة على حساب جهة اخرى .
4. يسمح بتجاوز الحدود القومية والطائفية
5. تكون مخرجاته حكومة قوية ( حكومة اغلبية ) وبرلمان فاعل قادر على المراقبة والمسائلة.
6. يوفر فرصة للمرشحين الافراد ويشجع الاحزاب على الانفتاح على النخب والوجهاء وترشيحهم .
7. يحقق التوازن بين التمثيل النسبي الذي يحفظ حقوق التمثيل العادل لاحزاب المكونات والاقليات ، ونظام الاغلبية الذي يتيح حرية للناخبين لاختيار تفضيلاتهم من بين مجموعة من المرشحين ويعطي فرصة لترشيح النخب والكفاءات .
8. يمثل خطوة في اصلاح النظام الانتخابي ترضي الاحزاب السياسية وترضي الرأي العام والمرجعية .
وفي ضوء ذلك يمكن ان نتقدم بمقترح نظام انتخابي يقوم على اساس المزاوجة بين نظامي التمثيل النسبي والقائمة من جهة ونظام الاغلبية من جهة اخرى . ويمكن ان نحدد معالم هذا النظام كما يلي :
1. من حيث الدوائر :
– دوائر متعددة على اساس الحدود الادارية للمحافظة
2. من حيث الترشيح :
– يقدم الاحزاب مرشحيهم عبر قوائم انتخابية تمثل 60 % من عدد المقاعد المخصصة للدائرة الانتخابية .
– يقدم الاحزاب مرشحيهم الفرديين لـ 40% من المقاعد المخصصة للدائرة .
– يجوز الترشيح الفردي ( الافراد المستقلين ) للتنافس على مقاعد الترشيح الفردي.
3. كيفية التصويت
لكل ناخب الحق بالتصويت لقوائم الاحزاب والتصويت لمرشحين الفرديين .
4. الصيغة الرياضية
– تحسم نتائج القوائم المتنافسة على المقاعد ال60% بطريقة سانت ليغو المعدلة .
– تحسم نتائج المرشحين الفرديين المتنافسين على المقاعد ال40% وفق نظام الاغلبية
حيث يجري اعادة ترتيب المرشحين الفرديين من الاعلى الى الادنى لتحديد الفائزين من الذين حصلو على اكثرية الاصوات .