23 ديسمبر، 2024 10:29 م

إمضاء بلون الجرح – نصوص قصيرة جدا

إمضاء بلون الجرح – نصوص قصيرة جدا

لم يكن امامه الا كتابة القصيدة أو لنقل النص الشعري القصير ، وذلك لكونه خاض تجاربَ التمثيل والأخراج قبل كتابة القصيدة ، وهذه القصائد هي في حقيقتها  أشبه بالخروج من قبو معتم أو لنقل في غرفة صغيرة منعزلة لا يحيطها الا الخوف والتذمر من المجهول الذي يلاحق أغلبية العراقيين ، محاولاً بذلك مغادرتها رغم الصعوبات التي أحاطته من كل حدب وصوب ، والذي يعرف الشاعر والفنان ” محمد السيد ” يشعل له الفانوس كي ينير له الدرب الذي سلكه منذ نعومة أظافره الى يومنا هذا بسبب الإنقطاع المتكرر للكهرباء الوطنية  التي شلت حركة الناس في عالمنا العراقي ،وبالذات في ايامنا هذه التي تستعر فيها حرارة الجو مع حرارة السياسي ،ألتقيته في زيارتي الأخيرة في شارع المتنبي وأهداني ديوانه المستنسخ بسبب ظروفه الاقتصادية ، ففي ديوانه الجديد ” إمضاء بلون الجرح ” الصادر من مكتب ورود للحاسبات – بغداد وهو من القطع الصغير ويضم 61صفحة ، بدأت ذاكرته تنهش صورها دون رحمة على  إيقاف العديد من المشاهد المؤلمة التي مرت به من جراء ما يحدث في هذا القبو الذي أسمه العراق ، يقول عنه الناقد الاستاذ ” ناظم السعود ” الشعر في درجة التوقعيات ” تنتمي نصوص هذه المجموعة الى نمط شعري له سمات أدائية محددة ب ” الكثافة والأيجاز والأيصال ” ولعل السمة الأخيرة جامعة ومعبرة عن سواها لأن مغزى الشعرية هنا يكمن في ايصال رسالة برقية / كلمة / درس / تجربة …الخ بمعنى أن النص يكون في منتهى الرشاقة اللغوية لأنه يتقمص دوراً أدائيا ً ومضمونا ً محددا ً من قبل ،
                                      تشاجر أسدان على فريسة
                                      فكانت من نصيب الكلب !
وها هو ومن خلال الكلمات المقتضبة التي بثها إلينا ومن خلال الديوان نجده يشتغل بأدوات مسرح الصورة التي دأب عليها الفنان الدكتور ” صلاح القصب ” لكن ليس بطريقة حسية اي من قطع ديكورات واكسسورات ، بل تشكلت رؤاه من خلال اللغة التي نهل منها جماليا ً بوصفه استاذا ً في علم الجمال وأنتمائه للخطاب المعرفي إنما هو نابع من جماليات الحوار المسرحي القائم على التكثيف والتآزر مع البناء التشكيلي للصورة ، وهاهو في قصيدة ” خيانة ”
                                          مابين قميص يوسف
                                             ومنديل دزدمونه
                                                علاقة كبيرة
                                          فكلاهما نسج من خيط
                                                  تشم منه
                                      رائحة الخيانة ! ص13
 يقول ” جيرار جينيت ” العنوان هو جزء من ثريا النص أو عتبة النص والذي يتكون من العنوان  أسم المؤلف / غلاف الكتاب / الهوامش / الإهداء ” ولهذا جاء العنوان تشخيص المواضيع المدركة لنفسه ” أمضاء بلون الجرح ”  ولأن العنوان هو  أختراق للمستحيل والعسير ظل يفتش دون كلل أو تقاعس أو ملل للعلاقات التناصية للقصيدته وحالتها الافتراضية وكأنه يدخلنا في ملحمة ” هوميروس ” والمصاعب التي يحملها في داخله من جراء ما يحدث في بلد العجائب والغرائب ، وفي قصيدة ” سهو ” الى الأستاذ جبار محيبس ”
                                     أراد أن يكتب سنجاب
                                     فكتب سهواً سنحارب
                                          فأعتقلوه
                                          بتهمة
                                         التحريض !
يبقى ديون إمضاء بلون الجرح تجربة أخرى على طريق تكريس مزيد من مظاهر الحداثة الشعرية ، مازالت في بعض المواضع تمر بحالة بناء بين التمرد على اللغة والإنصياع لها وتظل مهمتها الأساسية إنتاج للمعرفة لا لإثارة الوجدان فقط ، لذا تبقى الشاعر في حالة تصدي لمزيد من إقتراحات التجديد والإشتغال على اللغة التي من شأنها فتح نوافذ جديدة على آفاق أرحب .