القسم الأول
على الرغم من أن أسماء الأحياء عند ربهم يرزقون لم يطلع عليها أحد منكم ، إلا إن سجلات أنظمة الحكم الجائرة في كل عصر وزمان ، مليئة بأسماء المتشابه منهم تقليدا سياسيا ، من شدة بأس ما بين رموزها ، وترجمة لقاعدة ( كلما دخلت أمة لعنت أختها ) ، ومن ثم للتغطية على شواهد ظلمها بهلاك أنفس غيرها من غير ذنب أو خطيئة بشكل عام ، حتى بات القول عرفا بيننا ، أن كل الشعب العراقي شهداء ، أموات وأحياء ، ولكن لا نصيب له من قدر المعنى والمقصود ، غير الهم والغم المتكرر في أزمنة من تولى أمره بدون حق ، ولم يؤد الذي عليه في مسؤوليته عنه ؟!، لقد قرأت ما ورد في ديباجة الدستور ، فوقفت عند مقطع المشترك من عدم التسامح والنسيان ( مستذكرين مواجع القمع الطائفي من قبل الطغمة المستبدة ، ومستلهمين فجائع شهداء العراق شيعة وسنة ، عربا وكوردا وتركمانا ، ومن مكونات الشعب جميعها ، ومستوحين من ظلامة إستباحة المدن المقدسة والجنوب في الإنتفاضة الشعبانية ، ومكتوين بلظى شجن المقابر الجماعية والأهوار والدجيل وغيرها ، ومستنطقين عذابات القمع القومي في مجازر حلبجة وبارزان والأنفال والكورد الفيليين ، ومسترجعين مآسي التركمان في بشير ، ومعاناة أهالي المنطقة الغربية كبقية مناطق العراق ، من تصفية قياداتها ورموزها وشيوخها ، وتشريد كفاءاتها ، وتجفيف منابعها الفكرية والثقافية ، فسعينا يدا بيد ، وكتفا بكتف ، لنصنع عراقنا الجديد ، عراق المستقبل ، من دون نعرة طائفية ، ولا نزعة عنصرية ، ولا عقد مناطقية ، ولا تمييز ، ولا إقصاء ، لم يثننا التكفير والإرهاب من أن نمضي قدما لبناء دولة القانون ، ولم توقفنا الطائفية والعنصرية من أن نسير معا لتعزيز الوحدة الوطنية ، وإنتهاج سبل التداول السلمي للسلطة ، وتبني أسلوب التوزيع العادل للثروة ، ومنح تكافؤ الفرص للجميع ) . فتأكد لي بأن ذلك تمهيد للعمل بخلافه ، ووقائع الأحداث بعد الإحتلال دليل حق وعين يقين لا يمكن لمنصف نكرانه ، بسند مخالفة نص المادة (14) منه ، بأن العراقيين ليسو على قلب رجل واحد وغير متساوين ( أمام القانون دون تمييز بسبب الجنس أو العرق أو القومية أو الأصل أو اللون أو الدين أو المذهب أو المعتقد أو الرأي أو الوضع الإقتصادي أو الإجتماعي ) ، ومن ثم بنص المادة (104) منه ، الذي كان التوجه فيه إلى أن ( تؤسس هيئة تسمى مؤسسة الشهداء ، ترتبط بمجلس الوزراء ، وينظم عملها وإختصاصاتها بقانون ) ، ولكني ومع كل عدم الإعتراف بمعظم ما تضمنه الدستور ، لم أتوقع أن يكون القانون الصادر حينها وبالإستناد إليه ، أداة دفع بإتجاه التمييز المخل بين من يعتقد أن الشهداء نوعان ، أحدهما كان من أنصار نظام الحكم السابق ، والآخر من مؤيدي النظام القائم ، المستحقة أُسرهم فيض الطوفان من المنح والعطايا والهبات المادية والمعنوية ، غير المنسجمة مع حق من عند الله أحياء يرزقون ، لأن تكرار صياغة الأسباب الموجبة للتشريع بإختلاف اللفظ وتطابق المعنى السياسي ، مع تقاطع المقاصد والنوايا والتوجهات ، والتشابه في الوصف المعتمد على مشتركات فن الكذب والتلاعب بالألفاظ وخلط الأوراق ، المبتدئ عند أول وآخر القول المتعاهد سياسيا : ( لقد مر العراق بفترة عصيبة قلما شهد التأريخ لها مثيلا ، حيث شهد تسلط حفنة من المجرمين ، يتزعمهم أعتى دكتاتور شهده التأريخ الإنساني ، ولقد تمخض عن ذلك سقوط مئات الآلاف من العراقيين شهداء ، قدموا أنفسهم فداءا للوطن والمبادئ الإنسانية . وقد ترتب على ذلك إلحاق أبلغ الضرر بعوائل الشهداء الذين تحملوا مصاعب مركبة ، ومن أجل الإيفاء بجزء بسيط مما قدموا فداءا للعراق ، وتضحية في سبيل المبادئ الإنسانية السامية ) ، وذلك ما كنا نسمع شبيهه في البيان رقم (1) عند كل ثورة أو إنقلاب ، ومن ثم ليصبح من الأسباب الموجبة لكل تشريع ، ومنها قانون مؤسسة الشهداء رقم (3) لسنة 2006 النافذ إعتبارا من 6/3/2006 ، المعدل بالقانون رقم (22) لسنة 2009 ( لوجود ثغرات ولتلافي النقص الذي افرزه التطبيق ولرفع الحيف وتحقيق العدالة ، في منح الحقوق والامتيازات لذوي الشهداء بما يتناسب وحجم التضحيات التي قدمها الشهداء ) إعتبارا من 11/1/2010 , ومن ثم إحلال بديلهما قانون مؤسسة الشهداء رقم (2) لسنة 2016 ، ( لتحقيق العدالة في منح الحقوق والإمتيازات لذوي الشهداء من ضحايا النظام البائد ، من خلال رفع مستواهم المادي والعلمي والصحي والثقافي ، وبما يتناسب وحجم تضحياتهم ، وتثمينا لشهداء مجاهدي الحشد الشعبي في الحفاظ على أرض ومقدسات العراق ، شملوا بذات الحقوق والإمتيازات الممنوحة لشهداء النظام البائد ، وتكريما وإنصافا لشهداء العمليات الحربية والأخطاء العسكرية والعمليات الإرهابية ، ولغرض إيصال الحقوق لذويهم ) إعتبارا من 25/1/2016 ، الذي نورد بعض أحكامهما للدلالة على منح ما يتضمنه كل منهما من الإمتيازات غير المسبوقة ، للمشمولين بهما إعتبارا من تأريخ نفاذ كل منهما ، مستذكرين تحوطا نص المادة (17/ ثانيا) من القانون الأخير والنافذ حاليا ، خشية تفسير البعض لما سيرد في المقال من آراء قد لا تتوافق ورغبة ومصلحة المعنيين ( سلطة ومستفيدين ) ، ومن ثم خضوعنا لحكم نص غير متطابق مع وقائع الحال ، ولكنه قابل للتأويل الخبيث سياسيا ، بأن ( يعاقب كل من يسئ إلى حرمة ومكانة الشهداء أو ينكر تضحياتهم بالعقوبات المنصوص عليها وفق أحكام المادة (372) من قانون العقوبات رقم (111) لسنة 1969 وتعديلاته ) . وإن كان ذلك مخالفا لنص المادة (38/أولا وثانيا) من الدستور حيث ( تكفل الدولة ، بما لا يخل بالنظام العام والآداب ، حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل . وحرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر ) . مع إن مقالتنا ستتناول إمتيازات أُسر الشهداء التي ما أنزل الله بها من سلطان ، ولا علاقة لها بمكانة وحرمة من هم أكرم منا جميعا ، وليس لنص المادة (372) من القانون المذكور أية صلة بالموضوع ، غير ترجمة سياسة لتكميم الأفواه ومنع الرأي والنشر المتصدي لحالات الفساد الإداري والمالي والتربوي ، الذي لم ولن يوقفه حكم النص على أن :-
1- يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات :-
أ- من إعتدى بأحدى طرق العلانية على معتقد لإحدى الطوائف الدينية أو حقر من شعائرها .
ب- من تعمد التشويش على إقامة شعائر طائفة دينية أو على حفل أو إجتماع ديني أو تعمد منع أو تعطيل إقامة شيء من ذلك .
ج- من خرب أو أتلف أو شوه أو دنس بناء معدا لإقامة شعائر طائفة دينية أو رمزا أو شيئا آخر له حرمة دينية .
د- من طبع أو نشر كتابا مقدسا عند طائفة دينية إذا حرف نصه عمدا تحريفا يغير من معناه أو إذا إستخف بحكم من أحكامه أو شيء من تعاليمه .
هـ- من أهان علنا رمزا أو شخصا هو موضع تقديس أو تمجيد أو إحترام لدى طائفة دينية .
و- من قلد علنا نسكا أو حفلا دينيا بقصد السخرية منه .
2- يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة ولا تزيد على ثلاث سنوات كل من تعرض بإحدى طرق العلانية للفظ الجلالة سبا أو قذفا بأية صيغة كانت .
لقد مارس البعض كل ما نصت عليه المادة (372) من سيئات السلوك والتصرفات ، والسلطات على علم وإطلاع تام بما يجري ، ولربما كان البعض من عناصرها داعما ومؤيدا لذلك ، ولكنها تمتنع عن تطبيق العقوبة ، لعدم توافقها مع ما تؤمن به وتروج له بأي شكل كان ، مع التهديد بنص القانون بفرض عقوبة السجن على من يلتزم إحتراما بقواعد السلوك السوي ؟!. ويدعو إلى منح حقوق المواطنين بمعايير ومكاييل وموازين الحق والعدل والإنصاف ؟!.