19 ديسمبر، 2024 12:28 ص

إمتناع البشر عن الإنتحار كرس المشاكل وتعريضهم للإهانة !

إمتناع البشر عن الإنتحار كرس المشاكل وتعريضهم للإهانة !

الوجود محنة كبرى ، وأيضاً إغراء لذيذ بأوهامه الكثيرة .. وسواءا كانت التسمية غريزة الحياة أو الإنتقاء الطبيعي أو تجنب الألم .. فإن حب الحياة شعور أصبح جزءا من تكوين البشر .. والمفارقة ان حب الحياة والدفاع عنها دفع الإنسان الى صنع الأسلحة لسلب حياة الآخرين وقتلهم ، ثم تطور الأمر وأصبح الطرف الأقوى من البشر يهاجم الضعيف ويقتله من أجل تعزيز أنانية البقاء وتوفير حاجاته وأطماعه .

منذ ان سمعت بتلك القصة قبل حوالي أكثر من سنة وأنا أتساءل : لماذا لم ينتحرا للتخلص من الجحيم الذي كانا فيه ؟

وتفاصيل القصة رواها القيادي السابق في حزب البعث إحسان السامرائي في شهادة التي ظهرت على شاشة التلفزيون عن أحداث إعتقال البعثيين في قاعة الخلد عام 1979 ودخوله السجن فيما بعد ، وقد روى قصة عجيبة لم يتوقف عندها الرأي العام العراقي تخص الشقيقين : مرتضى سعيد عبد الباقي ، وكردي سعيد عبد الباقي ، ومعروف ان مرتضى كان وزيرا للخارجية ، وشقيقه كردي كادر بعثي متقدم .

القصة التي كان شاهدا عليها في السجن إحسان السامرائي هي إجبار السجانين للشقيقين مرتضى وكردي .. لكل منهما ان يضرب شقيقه بالحذاء بإستمرار … ثم بعدها تم إعدام الشقيقين !!!

والسؤال : لماذا لم يقررا الإنتحار بعدما وصلا الى هذا المستوى من الجحيم والإذلال والمهانة .. هل قرار الإنتحار بحاجة الى إرادة شجاعة .. أم هو تعبير عن حالة يأس مطلق ؟

لا أعرف الجواب بالضبط ، لكن أفكر في حالة الإنهيار النفسي .. هل يعجز الإنسان في هذه الحالة عن إنهاء حياته بالإنتحار .. ولماذا في حالات الإكتئاب النفسي يكثر الإنتحار مع انه يحدث فيه الإنهيار النفسي أيضا ؟

قصة مشابهة أو أكثر بشاعة تتعلق بأحد المقربين من صدام حسين يدعى علاء المجيد الذي كان ضمن رجال الحماية وانشق ثم خرج الى الأردن وأٌستدرج وعاد الى العراق وتم سجنه ، ثم أرسل على إثنين من أشقائه وطلبا منهما إطلاق الرصاص على شقيقهما وإعدامه ، وقد نفذا الأمر بالفعل ، وخرجا في مقابلة تلفزيونية بررا فعلتهما بأنه بدلا من مقتلهما الثلاثة في حالة الرفض ..فضلا تنفيذ الإعدام بشقيقهما وفقدانه مقابل بقاء إثنين منهما أحياء .. والأمر عجيب فعلا ، رغم واقعية منطقهما ، لكن التعامل مع الأخ هل يحتمل الحسابات المنطقية ؟!

الملاحظ ان جميع الأديان منعت خيار إنهاء الحياة بالإنتحار .. مما ساهم في تكريس إستمرار مآسي البشر وعذاباتهم خصوصا المرضى والسجناء والفقراء ، وتعريضهم لإهانة الكرامة من ظروف وخصم أقوى منهم لاخلاص منه إلا بالإنتحار ، لكن الأديان كعادتها لم تطرح حلولا عملية لهؤلاء المعذبين وإكتفت بمنع الإنتحار ، ولكن ليس العامل الديني وحده من يمنع الإنتحار فالشخص غير المتدين أيضا يرفض خيار الإنتحار بسبب حبه للحياة !

لو كانت الحياة تسودها العدالة .. ودماغ الإنسان متطور بيولوجيا الى مستوى يتمتع بالصحة المطلقة التي تخلو من الأمراض العقلية .. ولو كان العلم متقدما بحيث نجح في وقف الموت وجعل حياة البشر دائمة خالدة … لاختفت قضية الموت من الفلسفة والأديان والطب .. بل ستختفي كل مشاكل الحياة .. وربما الأجيال القادمة ستبكي على تعاستنا بعد ان يحدث فيها كل هذا التطور المذكور.