السليكون ، هو العنصر الأوفر على وجه الأرض ، فهو المكوّن الرئيسي للرمل ، وهو مادة شبه موصلة ، وبعد أن تمكن العلماء من ترويضه ليتحول بين التوصيل واللاتوصيل بإضافة بعض الشوائب (Impurities) إليه ، ظهر (الترانزستور Transistor) وما تبعه من ثورة كبيرة في عالم الأتصالات والإلكترونيات والمعلوماتية .
تقع مؤسسة (وادي السليكون Silicon Valley) العملاقة بمجمعاتها الضخمة في الجزء الجنوبي من خليج (سان فرانسيسكو) بولاية كاليفورنيا/ الولايات المتحدة ، وكانت هذه المؤسسة رائدة في إنتاج الدوائر المتكاملة (Integrated Circuits-IC) ولا تزال محافظة على رياديتها بالرغم من ظهور الكثير من شركات الإنتاج العالمية في هذا المضمار ، ويطلق عليها عاصمة العالم التقني ، وتضم ما يزيد عن المائة من الشركات الكبيرة في مجال أبحاث وإنتاج الإلكترونيات والمعلوماتية والبرامجية العملاقة التي لا بد أن سمع بها أو إستخدمها القارئ الكريم ، مثل : (أدوبي Adobe) ، (أبل Apple) ، (إيباي EBay) ، (غوغل Google) ، (HP) ، (أينتل Intel) ، (أوراكل Oracle) ، (ياهو ! Yahoo) ، وغيرها ، كما تضم العديد من الشركات الفرعية مثل (آسوز Asus) ، (أتاري Atari) ، مجموعة أمازون (Amazon) ، (فيس بوك Facebook) ، (ماكافي McAfee) ، فرع لشركة (فوجتسو Fujitsu) اليابانية ، فرع لشركة (سيمينز Siemens) الألمانية ، (تيسلا موتورز Tesla Motors) ، يوتيوب (YouTube) المملوكة من قبل (غوغل Google) ، وتعتبر وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا NASA) من أهم مستثمري الأبحاث فيها وغيرها ، ومن هنا تتبين أهمية هذه المؤسسة للقارئ الكريم ، فهي تضم أكبر وأخطر المواقع الإلكترونية مع كونها منتجة للسلع البرامجية والإلكترونية التي تمس حياة الإنسان اليومية ، فهي تلبي الحاجته اليومية وحافظة للأسرار والمعلومات الشخصية لأغلب البشر !.
الذي يهمنا في هذا المقال ، دور هذه المؤسسة لتطوير وإنتاج الروبوتات الذكية وبالذات الطائرات بلا طيار (الدرون Drone) ، كمقاتل (أو بالأحرى كقاتل محترف) بديلا عن المحارب البشري ، ومنها الجيل الأخير من طائرات (المفترس Predator) المسلحة ، ومناقشتها من الناحية الأخلاقية ، تلك التي تنتجها شركة (جنرال أتوميكس General Atomics) الأمريكية ، مع العلم أن (إسرائيل) من الدول السباقة في هذا المجال منذ العام 1977 ! ، وذلك من قبل (الشركة الإسرائيلية للصناعات الفضائية) إنتاجا وتعاونا مع الولايات المتحدة ، ولنا أن نتصوّر أي خير وفير ذلك الذي تتمناه لنا تلكم الدولتين !.
إنها لعبة فديوية حرفيا ، ومتطورة للغاية ومليئة بالإلكترونيات ، فالمشغل يقتل بنفس الطريقة التي يلعب بها ! ، هي إمتداد للعبة (نداء الواجب Call Of Duty) أو لعبة (الحاجة للسرعة Need for Speed) العنيفة ، وهذه الأخيرة ، غسلت أدمغة الكثير حتى غدوا مجرمين تأثرا بهذه اللعبة ، وهذه الطائرة تأخذ أوامرها من مشغل بواسطة الفأرة أو عصا التحكم والمشغل يبعد عنها ألاف الكيلومترات ، لهذا وجب تدخّل الأقمار الصناعية لقيادتها ، وهي إقتصادية في الوقود ، وبإمكانها الطيران البطئ على إرتفاعات شاهقة ، ولكون الهواء سيكون خفيفا عند هذه الأرتفاعات ، توجب أن يكون باع أجنحتها (Wing Span) كبيرا ليتمكن من حملها ، وبإمكانها حمل طن ونصف من العتاد تحت أجنحتها ، و350 كغم تحت جسمها ، وقد دخلت لخدمة القوات الجوية الأمريكية (USAF) ، والمخابرات المركزية (CIA) ، ويمكن الجزم أن كل ثانية تمر ، ثمة 57 طائرة محمولة جوا ، ولكونها مجهزة بكاميرات متطورة للغاية وذات رؤية ليلية عالية الكفاءة والوضوح ، من الممكن إعتبارها عين معلقة في السماء ، ويكون الهدف تحت رحمتها ، أو بالأحرى تحت رحمة ومزاج (العقلية وليست العيون) المشغل ، ولا ندري ، اي فضيلة سيتغنى بها المقاتل وهو يرسل أدوات الموت غير العاقلة للقتال بالنيابة عنه !.
وكمثال على فعاليات هذه الطائرات ، فقد استخدمت في عملية (الرصاص المصبوب) في (غزة) عام 2009 ، وكانت دقيقة إلى درجة إنها ميزت مقاتل من (حماس) متنكر بزي جندي إسرائيلي ، فأستدعوا مروحية وقتلوه ! ، لكن هذه الطائرة غضت عينها عن الأرتال المدوية والمثيرة للغبار ، والتي قطعت مئات الكيلومترات ولأيام طويلة وبأهازيج (تكبير) معلنة عن انفسها وهي ترفع أعلام (داعش) في طريقها لأحتلال الموصل ، رغم الاتفاقية الأمنية العراقية مع أمريكا !.
يقول خبير العلوم السياسية ، الألماني (هيريفليد مونكلر) من خلال قناة (DW) : (نحن مجتمعات غير بطولية ، لهذا نحتاج إلى سلاح جبان غير بطولي ) ، الجيل الجديد من هذه الطائرات تحمل مايسمى (مجموعة المهمة) ، وبإمكانها التصرف وحدها دون تدخل البشر ! ، هذا يعني أنها تمتك ذكاءً إصطاعيا (Artificial Intelligence – IE) ، أي أن إحتمال (تمرّدها) وارد جدا ، فينقلب السحر على الساحر! ، من هنا ستكون مؤسسة (وادي السليكون) بوابة لسيطرة الآلات على مصنعيها ، وبذلك ستتحقق نبوءة فيلم (المصفوفة Matrix) ! ، يقول (لورنس ويلكرسون) ، وكيل وزارة الخارجية الأمريكية الأسبق عن التقنيون المسؤولون عن إنتاج هذه الطائرات : (إنهم أشخاص بلا أخلاق ، وغير سياسيين ، ولا يفهمون أي شيء سوى بالتكنولوجيا ، خرّج (وادي السيليكون) في أمريكا الآلاف منهم ، أنا أعرفهم وهذا يخيفني ، فليست لهم بوصلة أخلاقية) ! ، إنهم بشرٌ بلا أخلاق كما قال هذا الرجل ، فكيف سنعلّم الآلات الأخلاق !؟ ، وإذا كان السيد (ستيف جوبز) مدير شركة (أبل) ، أحد أقطاب هذه المؤسسة الذي كثيرا ما وُصِف على أنه متعجرف ومتعالي وأناني وغير إنساني فهو بلا شك ، يحمل الصورة النمطية المصغرة ، وهوية تلك المؤسسة !.
لقد رُصدت الدعايات الكبيرة لهذه الطائرة ، وأقيمت لها الكثير من المعارض لأجل الترويج لأدوات الموت تلك ، وأدلت (هوليوود) بدلوها بتسخير العشرات من الأفلام الدعائية لها ، أحدها كان الفلم المسمى (عين في السماء Eye In The Sky) ، من بطولة الممثلة البريطانية (هيلين ميرين) ، وهو يسرد لنا بكل وقاحة ونفاق واستخفاف بالحياة ومجافاة للحقيقة ، تمكّن إحدى طائراتهم هذه من رصد منزل أحد الإرهابيين وهو يجند أنتحاريين من (طالبان) ، لكنهم أخروا عملية قصف منزله بدافع (أخلاقي جدا) لأجل عيون طفلة صغيرة فقيرة تبيع الخبز قرب المنزل- الهدف ، لكنهم لم يذكروا عشرات الحوادث لقصف المدنيين الأبرياء والأطفال ، في كل من اليمن وأفغانستان وباكستان والصومال وليبيا وسوريا والعراق ، وعادة ما تكون ضحاياها في مناطق نائية ، وبالتالي فهي بعيدة عن التغطية الإعلامية التي قد تفضح فضاعة الإعتداءات ، فهل يسمع المشغل – الطيار صوت الأنفجار وصرخات الأطفال وعويل النساء بعد الضغط على زر الإعدام وهو يرى وجوه ضحاياه وكل صور الفوضى والدمار الذي أحدثه ؟ ، أنى له ذلك وهو يبعد عنهم آلاف الأميال ؟! .